تتجدد معاناة سكان الجبال كل سنة في فصل الشتاء، مع موجة البرد القارس، لتحكي فصولا أخرى من "التهميش" و"الإقصاء" التي ترزح فيها مناطق فقيرة يعتبرها أصحابها "جحيما" و"سجنا" لهم خلال هذه الفترة من كل عام. ويواجه سكان الجبال خصوصا بإقليمي تنغير وميدلت، بجهة درعة تافيلالت، موجة برد قارس غير مسبوقة، دفعت السكان إلى لزوم بيوتهم المبنية بالطين والأحجار، وانتظار أن يمر فصل الشتاء بأقل الخسائر، بالرغم من أنهم يجزمون بأنها ستكون كبيرة مقارنة بسابقتها. وأجمع فاعلون جمعويون تحدثوا لجريدة "العمق"، على أن سكان الجبال يعيشون على إيقاع الخوف من موجة البرد القارس التي اشتدت بشكل لافت هذه السنة، في ظل غياب خدمات أساسية تخفف من معاناتهم، من انعدام لوسائل التدفئة، وشح للأدوية بالمستوصفات "الشبه مغلقة"، وقلة السلع والمواد الغذائية وغلائها. كابوس "إملشيل" و"بوزمو" و"أموكر" و"أوتربات" و"أيت يحيى"، خمس جماعات مكونة لدائرة "إملشيل" التي تبعد بنحو 220 كيلومتر عن مدينة ميدلت، تواجه موجة البرد القارس، وهي تستحضر قصص المعاناة والموت التي شهدتها المنطقة خلال السنوات الماضية، والتي قد تعيد نفسها هذه السنة، خصوصا وأن درجة الحرارة انخفضت بشكل كبير، والثلوج تلوح في الأفق. "هو أكثر من كابوس يتكرر كل سنة"، بهذه الكلمات يلخص الفاعل الجمعوي ب"إملشيل" محمد احبابو، ما تعانيه ساكنة المنطقة خلال فصل الشتاء، مؤكدا أن "نفس السيناريو يعاد بل يفرض نفسه كل عام، موت ومعاناة في ظل انعدام الخدمات الأساسية". ويؤكد احبابو في حديث مع جريدة "العمق" أن "الساكنة تواجه موجة البرد بالمكوث داخل المنازل، والتدفئة بوسائل تقليدية بسيطة، كحطب أشجار التفاح التي تعرف بها المنطقة، أو أشجار الصفصاف"، مضيفا أن "السكان يقومون بتخزين المواد الغذائية لما يكفي لمدة 3 أشهر مخافة انقطاع الطرق بسبب الثلوج وما يرافق ذلك من ارتفاع في أثمنتها". واعتبر المتحدث، أن "المنطقة تتحول إلى شبه سجن، وجميع القطاعات تتوقف، حيث يظل السكان داخل منازلهم، مخافة من أن يصابوا بالأمراض التي تصاحب موجة البرد، في ظل عدم وجود أدوية كافية بالمستوصفات"، مضيفا أن "تلاميذ المدارس يواجهون البرد القارس داخل الأقسام لوحدهم بالرغم من وجود كيلوغرامات لا بأس بها من الفحم الحجري داخل ساحات المدارس غير أنه لا يتم استعماله". وما يزيد من معاناة الساكنة، بحسب احبابو، هو "احتكار التجار للسلع لبيعها خلال سقوط الثلوج وانقطاع الطرق من أجل إعادة بيعها للمواطنين بأثمنة خيالية"، مضيفا أن "لا التفاتة لحد الآن من طرف المسؤولين لحال السكان الذين يواجهون البرد بوسائل تقليدية" غير أنه أكد أن أشغال نصب خيام المستشفى الميداني ستبدأ خلال الأسبوع المقبل. برد قارس وغلاء فاحش ساكنة جماعتي "تلمي" و"أمسمرير"، بإقليم تنغير، لا تقل عن معاناة سابقتها، حيث يؤكد محمد تخشي، وهو من ساكنة "أمسمرير"، أن المنطقة تشهد موجة انخفاض في درجات الحرارة غير مسبوقة، حيث تصل إلى 7 درجات تحت الصفر، وهو ما يزيد من معاناة الساكنة التي تبحث عن وسائل بديلة للتدفئة في ظل غلاء الحطب والكهرباء والغاز. ويقول تخشي في تصريح للجريدة، متسائلا: "كيف ستواجه الساكنة هذه الموجة من البرد القارس وكل المباني تبدوا بسيطة وغير قادرة على المقاومة، زد على ذلك ارتفاع فواتير الكهرباء، وغلاء الغاز، وخطورة التدفئة بالحطب"، مشيرا إلى "غالبية الساكنة تستعين بأغطية مصنوعة من الصوف لمجابهة البرد القارس، ويفضلون النوم بشكل جماعي في غرفة واحدة، بعد أن يتم تدفئتها بالغاز أو الحطب". وتستعين الساكنة كذلك، بوجبات غذائية من أجل مقاومة البرد، كالحساء، وأكلة "باداز" الأمازيغية، والكسكس المصنوع من الذرة أو ما يصطلح عليه محليا، حسب تخشي، ب"سكسو نقيلو"، هذا في الوقت الذي تعرف فيه أسعار الخضر ارتفاعا صاروخيا، وغلاء فاحشا، حتى أن البائع يخجل من أن الإجابة عن أسئلة المواطنين بخصوص الأثمنة، يضيف المتحدث. وعن أثمنة قنينات الغاز، بالمنطقة، يشير المتحدث ذاته، أنه يتم بيعها بمركز "أمسمرير" ب 11 درهم بالنسبة للقنينات الصغيرة، و42 درهما للكبيرة، غير أنه يؤكد أن ثمنها يرتفع كلما ابتعدنا عن مركز الجماعة، حيث تتم زيادة درهمين إلى ثلاثة. نساء في مواجهة البرد في قرية "أوزيغيمت" الواقعة بجبال تنغير، والمعروفة بتساقط الثلوج بكثافة في كل فصل شتاء، يتكلف النساء بجمع الحطب في المرتفعات والجبال من الصباح الباكر إلى منتصف النهار من أجل تخزينه لاستعماله في التدفئة لمدة أسبوع ليكررن نفس العملية في كل مرة ينفذ في المخزون. سعيد عمي، فاعل جمعوي ب"أوزيغيمت" التابعة ترابيا لجماعة "إغيل نومكون" بإقليم تنغير، أكد في تصريح للجريدة، أنه منذ الاثنين الماضي، والمنطقة تشهد موجة بارد قارس حيث تصل درجات الحرارة إلى 7 درجات تحت الصفر، ما يضطر السكان إلى الخروج للبحث عن الحطب في الجبال لمواجهة البرد، مضيفا أن مهمة جمع الحطب تتكلف به النسوة غالبا بهذه المناطق. وأوضح عمي، أن سكان القرية فقراء وليست لديهم إمكانيات مادية من أجل اقتناء وسائل متطورة من أجل استعمالها في التدفئة، ويضطرون إلى التزود بالحطب من الجبال وتستمر العملية إلى أن يحل فصل الصيف وتنتهي معاناتهم مع البرد القارس. "تلاميذ المدارس هم من يعانون بشكل كبير من موجة البرد، فالمدارس لا تحتوي على أفرنة للتدفئة، من أجل مواجهة البرد بالإضافة إلى أن أغلبية التلاميذ ينتعلون أحدية من البلاستيك تساهم في تجمد أرجلهم وإصابتهم بمجموعة من الأمراض"، مضيفا أن "المدرسة غير مبنية بشكل يمكن أن يقي التلاميذ والأساتذة من البرد، هذا إن لم تنهر يوما ما فوق رؤسهم". دقيق مدعم بأثمنة خيالية "صراحة ماعمرنا شفنا بحال هاد الموجة د البرد" يقول "موحى، س" وهو فاعل جمعوي، ب"إغيل نومكون"، 50 كيلومتر عن مدينة قلعة امكونة في مسالك طرقية وعرة، ويضيف، أن المواد الغذائية والسلع موجودة بالمحلات التجرية بالقرى هنا غير أن أثمنتها متفاوتة من منطقة لأخرى. وأوضح في تصريح لجريدة "العمق"، أنه في عز موجة البرد هاته يصل ثمن قنينة الغاز الكبيرة في بعض المناطق إلى 48 درهم، خصوصا بمنطقة "أمسكار"، مضيفا أن الدقيق المدعم المحدد سعره في 100 درهم يباع لنا في المحلات التجارية ب145 درهما في حين يباع لساكنة المناطق الجبلية ب170 درهما. وأضاف "موحى، س"، أن الساكنة تواجه موجة البرد بالحطب الذي يتم جلبه من الجبال، خصوصا شجرة العرعار واللوز، مضيفا أن الأفرنة التي توزعها المبادرة الوطنية البشرية في مناطق خنيفرة وإفران لا تستفيد منها ساكنة الجبال بهذه المناطق. الداخلية تتحرك وكانت وزارة الداخلية قد أصدرت الثلاثاء الماضي، تعليماتها للولاة والعمال المعنيين، لتفعيل مراكز القيادة الإقليمية لمتابعة الأوضاع عن قرب، بتعاون وثيق مع المصالح المختصة بوزارة التجهيز والنقل واللوجستيك والماء ووزارة الصحة والدرك الملكي والوقاية المدنية والمنتخبين المحليين وممثلي المجتمع المدني، واتخاذ التدابير الكفيلة بضمان حماية السكان وسلامة ممتلكاتهم، وذلك في إطار التدابير الاستباقية لمواجهة التقلبات الجوية والانخفاض الشديد لدرجة الحرارة الذي تعرفه بعض مناطق المملكة خلال فصل الشتاء، خصوصا بالمناطق الجبلية. وحث بلاغ لوزارة الداخلية، توصلت جريدة "العمق" بنسخة منه، "السلطات المحلية على إيلاء الاهتمام اللازم للفئات الهشة، خصوصا الأشخاص بدون مأوى، واتخاذ جميع التدابير الضرورية، وفق منهجية تشاركية مع كل المتدخلين، لمساعدة هذه الفئات وتوفير الإيواء والتغذية والتطبيب لها". وذكر البلاغ ذاته، أنه "تم على مستوى وزارة الداخلية تفعيل مركز قيادة للمتابعة، مشترك بين الوزارات، يضم ممثلي مختلف المصالح المعنية، قصد السهر على تتبع تنفيذ المخططات العملية التي أعدتها الأقاليم المعنية وتنسيق عمليات التدخل على الصعيد الوطني". وأشار البلاغ، إلى أن مركز القيادة المركزي ومراكز القيادة الإقليمية، ستبقى معبأة من أجل متابعة الأوضاع باستمرار واتخاذ التدابير الضرورية لدعم وتقديم المساعدة للساكنة.