الإنسان كائن حي، خلقه الله سبحانه في أحسن تقويم، وخصه دون غيره من المخلوقات بملكة العقل، ليعيش مخيرا، وليقود نفسه بنفسه على طريق الحياة، متحملا مسؤولية اختياراته وقراراته التي تنطلق من إرادته الحرة دون اكراه. فالعقل هو جوهر إنسانية الإنسان، فبانتفائه يتجرد الإنسان من شخصيته الإنسانية، ولا يعدوا أن يكون كائنا حيا يتذيل أدنى سلم البشر. ولهذا تعطيل العقل وتغييب ضوابطه المنطقية يعتبر من أكبر الجرائم في حق الإنسان. إن للعقل وظيفة إدراكية وهي التفكير، تمكن الإنسان من القيام بمجموعة من العمليات الذهنية التي بواسطتها يهدف للوصول إلى هدف معين أو اتخاذ قرار أو البحث عن المعنى للأشياء والأفكار. لكن غالبا ما يشوب عملية التفكير بعض المعوقات التي تحول دون أن يصل الإنسان للحق والصواب، وقد يتم أيضا استخدام هذه المعوقات بحسن نية أو استغلالها بسوء نية من طرف البعض من أجل تضليل الناس وخصوصا أولائك الذين لا يستخدمون ضوابط العقل المنهجية ليصل بهم إلى نتيجة معينة يريدها هو. ومن هذه العوائق: أولا- الموقع: في الواقع، نجد في أسفل السلم الاجتماعي الناس البسطاء الممحوون يظنون أن من تكلم في تلفاز أو كتب في صحيفة أو ألّف كتابا لا بد أن يكون صادقا على نحو ما، بل ويتصور البعض أن رأيه بالضرورة رأيه صائب وصادق، وهذا غير صحيح، فقد يكون أكثر كلامه خاطئ، وهذا طبيعي وبدهي. ثانيا- الشهرة: يتصور البعض أن فلانا ذا اللقب الكبير (الدكتور، البروفيسور، المختص في حقله، رئيس هيئة كذا أو حزب كذا..) لا بد أن يكون كلامه في الأغلب صحيحا، ويسقط في فخ الشهرة إما عامِّيٌ لا علاقة له بالموضوع، أو شخص في درجة أقل منه في المهنة أو التخصص أو التنظيم.. وكمثال على قوة تأثير الشهرة، رأينا كيف يقوم صحفيون دجالون وأساتذة سياسيون بشرعنة الإستبداد في مصر عند انقلاب السيسي، وكيف يقوم زعماء أحزاب فاسدون كهتلر في ألمانيا بحشر الناس في الساحات. ثالثا- العصبية : العصبية مطفأة سرج العقول الكبيرة، هذه الآفة الخطيرة، يصعب جدا أن يتحرر العقل من سطوتها، فلسان حال الناس التي هيمن على تفكيرها العصبية يقول: (كل من كان منّا وعلى مِلَّتنا ومن طائفتنا أو حزبنا وله موقفنا فهو صائب وسأصادق على كل ما يقول ولن أقبل كلاما غيره). رابعا- السائد: طلب الحق غربة، أن تخالف السائد، يعني أن تعيش غريبا، فكم من سائد اليوم كان بالأمس مجرد خرافة وتجذيفا وزندقة أو محض هراء علمي، ذلك ليس لأن الحقائق تغيرت، بل لأن في الوقت الذي كان أغلب الناس سلّموا لواقعهم وما كان سائدا زمانهم، بَرُز بينهم أناس استثنائيون عتقاء ومتحررون من كل معوقات التفكير الموضوعي التي ذكرناها، ولنا خير مثال على هؤلاء، علماء من وزن أنشطاين ونيوتين وكوبرنيكوس، حيث كان لهم من الجسارة والجراءة على أن يسألوا أسئلة تناقض السائد، رغم ما واجهوه من شتى أنواع الإقصاء والتهميش والسخرية، ولم يستطيعوا فعلا إثبات ما يعتقدونه صحيحا في حياتهم، لكن مع مرور السنين، تبين أنهم على حق، فأصبحوا سائد الآخرين. وهناك عوائق أخرى كالخوف والكِبر والرأي المسبق، غير أن العوائق أعلاه حسب رأيي تظل أخطرها. أخي، أختي .. لا تجعل(ي) نفسك سائمة في يد صاحب الموقع الرفيع، أو الشهرة الواسعة، ولا تدع السائد يخدعك، كن استثنائا، واستخدم عقلك، ولا تكن مجرد آلة، فالإنسان آية.. لا آلة.