ترامب يعين "كارولين ليفيت" متحدثة باسم البيت الأبيض في إدارته الجديدة        مراهقون يعبثون بالأمن الطرقي بواسطة دراجات نارية مستأجرة في شوارع طنجة    وزير الصحة: نصف المغاربة عاشوا ويعيشون اضطرابات نفسية    سقوط قنبلتين مضيئتين في ساحة منزل نتنياهو (فيديو)    جمعية فنون تقدم أحدث إعمالها الفنية و التراثية أغنية " لالة منانة" من أداء المجموعة الموسيقية لأكاديمية ميزينوكس    وزير الداخلية يدعو الولاة والعمال إلى التصدي للنقل "غير القانوني" عبر التطبيقات الرقمية    أكبر الشركات العالمية تواصل إبداء اهتمامها بالطريق السيار الكهربائي الداخلة-الدار البيضاء    المنتخب المغربي يُحقق الفوز الخامس توالياً في تصفيات كأس إفريقيا 2025    الجامعة الملكية للملاكمة تنتخب بالإجماع عبد الجواد بلحاج رئيسا لولاية جديدة    بالصور.. ارتفاع كمية المؤثرات العقلية التي تم حجزها بميناء طنجة المتوسط إلى أزيد من 188 ألف قرص مهلوس    صحيفة بريطانية تستعرض الوقائع التي تجعل من المغرب الوجهة السياحية الأولى في إفريقيا    فرقة "يوبا للابد المسرحي " تطير عاليا بنجوم ريفية في تقديم عرضها الأول لمسرحية " هروب في ضوء القمر    انعقاد الدورة الثانية للجنة التحضيرية للمؤتمر الثامن لمنظمة الكشاف المغربي بجهة مراكش-أسفي    حاتم عمور يكشف تفاصيل ألبومه الجديد "غي فنان"    ندوة حول موضوع الفلسفة والحرب: مآزق العيش المشترك    حصة تدريبية خفيفة تزيل عياء "الأسود"    الرايحي يقنع موكوينا قبل مواجهة الرجاء في "الديربي"    أسباب اندلاع أحداث شغب في القليعة    الشركة الجهوية متعددة الخدمات الشرق للتوزيع تعلن انقطاع الكهرباء عن أحياء بمدينة الدريوش    انعقاد الاجتماع الإقليمي للمدن المبدعة لليونيسكو بتطوان من 19 إلى 22 نونبر الجاري    حريق ياتي على العديد من المحلات التجارية في سوق الجوطية بالناظور    المغرب يعزز جهوده لإغاثة فالينسيا عبر إرسال دفعة جديدة من الشاحنات ومعدات الشفط    تراجع طفيف في ثمن البنزين في محطات الوقود    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    منظمات مغربية تدين تحيّز الإعلام الهولندي للاسرائيليين في أحداث أمستردام    عمر حجيرة: لا ترضيات في التعديل الحكومي    تعهدات في مؤتمر وزاري في جدة بمقاومة مضادات الميكروبات بحلول عام 2030 (فيديو)    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    من أصول مغربية.. وزيرة هولندية تهدد بالاستقالة بعد أحداث أمستردام    المحامون يتوصلون إلى توافقات مع وزارة العدل    إنعقاد المؤتمر الدولي بالداخلة حول "المبادرة المغربية للحكم الذاتي:نموذج للحكامة الترابية بإفريقيا الأطلسية".    جائزة المغرب للشباب تحتفي بالتميز    السكوري يكشف تشكيل لجنة حكومية تدرس منح دعم للكسابة في العالم القروي لمواجهة فقدان الشغل    الفلبين تأمر بإجلاء 250 ألف شخص    المرتجي: التراث اللامادي بين المغرب وهولندا أفق جديد للتعاون الثقافي        ‪أمن دبي يقبض على محتال برازيلي    حشرات في غيبوبة .. "فطر شرير" يسيطر على الذباب    أنفوغرافيك | أرقام مخيفة.. 69% من المغاربة يفكرون في تغيير وظائفهم    منع جمع وتسويق "المحارة الصغيرة" بالناظور بسبب سموم بحرية    صانع المحتوى "بول جايك" يهزم أسطورة الملاكمة "مايك تايسون" في نزال أسطوري        فريق الجيش الملكي يبلغ المربع الذهبي لعصبة الأبطال الإفريقية للسيدات    السوق البريطاني يعزز الموسم السياحي لاكادير في عام 2024    "طاشرون" أوصى به قائد يفر بأموال المتضررين من زلزال الحوز    دراسة تكشف العلاقة بين الحر وأمراض القلب    الأمم المتحدة.. تعيين عمر هلال رئيسا مشاركا لمنتدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي حول العلوم والتكنولوجيا والابتكار    مغاربة يتضامنون مع فلسطين ويطالبون ترامب بوقف الغطرسة الإسرائيلية    "باحة الاستراحة".. برنامج كوميدي يجمع بين الضحك والتوعية    "طاقة المغرب" تحقق نتيجة صافية لحصة المجموعة ب 756 مليون درهم متم شتنبر    مقابلة مثالية للنجم ابراهيم دياز …    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    وكالة الأدوية الأوروبية توافق على علاج ضد ألزهايمر بعد أشهر من منعه    ارتفاع كبير في الإصابات بالحصبة حول العالم في 2023    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بوبكري يكتب: في عواقب الأحكام المسبقة والرؤى الجاهزة
نشر في العمق المغربي يوم 16 - 08 - 2016

يؤكد مختلف الباحثين أن الناس يتشرَّبون ثقافة مجتمعاتهم وتصوراتها وقيَّمها وسلوكاتها بتلقائية دون القدرة على التمييز بين ما هو صالح للإنسان، وبين ما هو مؤذي له وضار به. كما أن هذه الثقافة والقيَّم تتحول إلى بداهات تختلف حتما من مجتمع إلى آخر. لكن الناس لا يطرحون أي تساؤل حول أصلها، ولا عن كيفية تكوُّنها، ولا حول اختلافاتها رغم أن حياتهم كلها تقوم عليها، حيث يتقبَّلها الإنسان ويتصرف على أساسها دون أن يفحصها أو يُحلِّلَها، بل إنه يبدو وكأنه مغتبط بأن يُحرَم من حقه في التفكير بشكل مستقلّ.
لذلك، فقد قامت الثورة الفكرية التي أطلق شرارتها الفيلسوف الفرنسي "ديكارت"، وتمكَّن عبرها من إرساء مسيرة الحضارة المعاصرة... مبرزا خطورة الأحكام المسبقة، حيث قال في ما يتعلق بالشرط الأول الذي وضعه لخروج البشر من الغبطة بالجهل والانخراط في مسيرة البحث: "إذا أردنا أن نَفْرَغَ لدراسة جدِّية للبحث عن الحقائق، يجب علينا أن نتخلَّص أولا من أحكامنا السابقة، وأن نحرص على طرح جميع الآراء التي سلَّمنا بها من قبل، وذلك حتى نتوصل إلى الكشف عن صحتها بعد إعادة النظر فيها. كما ينبغي أن نراجع ما بأذهاننا من تصورات، وألاَّ نُصدِّق منها إلا تلك التي ندركها بوضوح وتميز. فإذا قارنا بين ما تعلَّمناه حين فحصنا الأشياء بترتيب، وبين أفكارنا عنها قبل أن نقوم بذلك الفحص، اكتسبنا عادة تحصيل تصورات واضحة ومتميزة عن كل ما نحن قادرون على معرفته...".
لقد أيقظ ديكارت بهذه المنهجية الصارمة أوروبا ونبَّهها إلى خطورة الأحكام الجاهزة والآراء المسبقة، فوضع هذه القارة على الطريق السليم للتحقُّق من أفكارها وتطويرها باستمرار. وبذلك فتح أبواب العلم والمعرفة والنمو والتطور في وجه الأوروبيين، ما جعلهم يعتبرونها مصدرا مُهمّا لما يعرفونه من ازدهار وتقدم شامل. كما لفت انتباههم إلى أن الاستسلام للأحكام الجاهزة والآراء والأفكار المسبقة لا يقتصر فقط على عامَّة الناس، وإنما قد يقع في شباكه تلقائيا حتى كبار المفكرين إذا لم يفحصوها وينقدوها ويُحلِّلُوها ويراجعوها، ويعيدوا ذلك بشكل مستمر. وسيرا على هذا النهج، تمكَّن الإنسان من بناء رؤى ناضجة، وصار العقل الناقد هو أساس النمو وتقويض المسلَّمات التلقائية الزائفة...
وهذا ما يفسِّر ما عاناه المفكرون الذين حاولوا نشر أفكار أو مشاريع جديدة، أو تصحيح تصورات خاطئة، أو إعادة النظر في رؤى ومواقف وسلوكات متوارثة، حيث وقفت الأحكام المسبقة والآراء الجاهزة حاجزا في وجه قيامهم بذلك. يقول "رولان بارث" في كتابه (الكتابة في الدرجة الصِّفر): "هنالك عائقٌ كبير يحول دوننا ودراسة المعاني، إنه ذاك الذي يُصطلح على تسميته بعائق البداهة". ويعني بالبداهة الأحكام الجاهزة والتصورات السائدة والآراء المسبقة، كما يرى أن الإدراك الصحيح مشروطٌ بالتخلص من هذه البداهات التي تتم تنشئة الناس عليها ثقافيا بشكل تلقائي، حيث لا تتعرض هذه التنشئة، ولا مضامينها، ولا أساليبها لأي فحص أو نقد أو تحليل. ويشكل الانفلات مما تحدثه من آثار سلبية مغامرة فكرية استثنائية، إذ يرقى الإنسان إلى اكتشاف منطق هذه البداهات والأهداف الثاوية فيها، أو الكامنة خلفها،..
إضافة إلى ذلك، تشكل الأحكام الجاهزة والآراء المسبقة والتصورات الخاطئة المُستقرَّة عوائق كبيرة في وجه التواصل والتفاهم بين الأفراد والجماعات والمجتمعات، إذ قد تقود حتما إلى رفض الآخر وعدم الاعتراف به، كما أنها قد تزجُّ بالمجتمعات في حروب طاحنة لأنها تنتمي أصلا إلى ثقافة القبيلة والطائفة... فضلا عن ذلك، إنها تحول دون انتشار البحث العلمي وشيوع روحه. وتعوق إصلاح التعليم، حيث يسقط في الاجترار المستمر، ما يؤدي إلى إعادة إنتاج أنماط التفكير العقيمة الخاطئة والأحكام المُتسرِّعة السائدة المتعارضة مع روح العصر. هكذا تتم استدامة الأفكار البائدة ويتكلس عقل الإنسان ويجفٌّ وجدانه... وبدون التغلب على هذه العوائق المستحكِمَة في حياتنا، فإننا لن نتمكن من إصلاح مجتمعاتنا ثقافيا وتربويا وتعليميا واجتماعيا وسياسيا، وتعجز بلادنا عن إحداث قطيعة مع الصراع المتوحِّش المستمر على السلطة. كما لن نكتسب أسباب القوة والتنمية، ولن نساهم في بناء الحضارة الإنسانية، إذ سنظل خارج التاريخ، بل قد ننقرض ونختفي من هذه الحياة...
هكذا، فإن تقويض الأحكام المسبقة المستقرَّة والبداهات السائدة والآراء الجاهزة والتصورات الخاطئة والانتصار عليها وممارسة القطيعة معها هو ما يلزم إنجازه. وإذا كان الوعي الناقد الفاحص يشكل طفرة نوعية استثنائية، فهو لا يحدث بشكل تلقائي، ولا يُفرَضُ بالقوة، إذ ينبغي أن تتوفر له شروط ثقافية وبيداغوجية وديداكتيكية ومادية... لتتهيَّأ العقول والنفوس وتكتسب القدرة على طرح الأسئلة والفحص والتحقُّق وبناء الذات عبر تشييد المعارف والقِيَّم... فإذا تمت تربية الإنسان على خلخلة الوثوق المطلق إلى المسلّمات الخاطئة والركون الأعمى إليها، فإن ذلك يفضي إلى انفتاح أبواب عقله ووجدانه، وانخراطه في سيرورة بناء أفكار جديدة واستقبالها من الآخر... وهذا ما يركز عليه كل المفكرين الذين سعوا إلى تخلُّص الإنسان من التصورات الراسخة الخاطئة التي تحجب عنه الواقع وحقائقه وتحول دون قدرته على بناء معارفه وقيَّمه الخاصة، إذ بدون ذلك لن يستطيع التطور والنمو، بل لن يكون إنسانا.
يَقُولُ غرامشي: "لابدَّ من تحطيم الحكم المسبق الشائع". ويؤكد العالم البريطاني كارل بولاني في كتابه (التحول الكبير) أنَّ "لا شيء يشوِّش نظرتنا كما تشوِّشها الأحكام المسبقة". ويكاد يُجمع المفكرون من كل المجتمعات وفي كل العصور على أن التصورات المستقرَّة والأفكار الجاهزة هي عوائق أساسية في طريق تقدم الأفراد والمجتمعات في مجالات الفكر والعلم والتواصل وتبادل الأفكار والرؤى والتفاهم والعلاقات والسِّلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.