قبل أن يتم طحن "المواطن" الشاب محسن فكري رفقة أسماكه داخل شاحنة النفايات على مرآى ومسمع الكل تعرض الوطن ككل لعملية طحن كبرى، فرمت خيراتنا وثرواتنا، فحولتها إلى قصور وفيلات وسفريات وحسابات بنكية… لثلة من اللصوص الكبار. فمن منا لم يطحن؟ التلميذ(ة) الذي يجد نفسه وسط فصل دراسي يضم أزيد من 50 تلميذا، ومقررات بالية، وبنايات مهترئة…تفرمه شاحنة المنظومة التعليمية البئيسة…أليس هذا طحنا؟ الطالب(ة) الذي يجد نفسه بدون منحة، أو بمنحة لا تسمن ولاتغني من جوع، ولا يستفيد من حقه في الحصول على السكن الجامعي، لا لشيء إلا لأنه لا يملك "وجها" (واسطة) يشفع له. ...أليس هذا طحنا؟ المعطل(ة) الذي فرمته المنظومة التعليمية، فيخرج منها مسحوقا، أو مصابا بجروح بليغة أو خفيفة، فيجد نفسه أمام بطالة مكشوفة أو مقنعة، تفرمه يوميا حين لا يلقى عملا يحفظ له كرامته…أليس هذا طحنا؟ تلك الطفلة التي وجدت نفسها متشردة في شوارع تجمع الذئاب والخرفان، فتكبر لينهش لحمها كل جائع جنسيا بدراهم معدودات، وتصير ضحية أمراض مجتمع بأكمله…أليس هذا طحنا؟ الذين ماتوا من أجل الدفاع عن هذا الوطن، وحماية لهذه الأرض…التي سيتقاسمها الخونة فيما بينهم، بينما آلاف المسحوقين وجدوا أنفسهم بلا مسكن ولا عمل…أليس هذا طحنا؟ أولئك الذين فرمتهم أمواج البحر الأبيض المتوسط، وهم في طريقهم إلى الضفة الأخرى، حيث الحلم بالعيش الكريم يمكن أن يتحقق…أليس هذا طحنا؟ العامل(ة)، الفلاح(ة)، الموظف(ة) البسيط(ة)…الذي يصارع من أجل أن يوفر لأبنائه وبناته لقمة نظيفة، وكتبا مدرسية ثقيلة، ولا يجوز له أن يغامر بالتفكير في عطلة "سعيدة" يقضيها…أليس هذا طحنا؟ … إننا نطحن يوميا، في أفق أن نطالب بحقوقنا، ليطحوننا ماديا: وسط شاحنة نفايات، أو وسط سجون أعدت للمسحوقين، أو وسط حروب… ما ينبغي أن يثير انتباهنا أكثر هو كوننا صرنا نطحن بعضنا البعض. هذا(ه) مدرس(ة) يفرم تلامذته حين يجبرهم على الساعات الإضافية… وذاك أستاذ جامعي يطحن طلبته إذ يلزمهم باقتناء كتبه البئيسة… وتلك طبيبة لا ترى في مرضاها سوى جيوبهم، فتفرمهم بالفحوصات والكشوفات والعمليات الجراحية المزيفة… وذلك تاجر يطحن زبناءه بالغش في الميزان، واحتكار السلع…وذلك حرفي يفرم زبناءه بالغش في حرفته… اننا داخل شاحنة نفايات، تفرمنا رمزيا في أفق أن تفرمنا ماديا. بل وداخلها نفرم بعضنا البعض…