أساتذة هشم تلاميذتهم وجوههم وأصابوهم بعاهات أو جروح تتفاوت درجة خطورتها, تعنيف لفظي لأستاذات داخل فصول الدرس , اعتداءات بالأسلحة على التلاميذ من طرف زملائهم داخل المدرسة, تهجم الأسر على حرمة المدارس والاعتداء على أطرها .. عنف ,ضرب وجرح وتوتر,حالات تطالعنا كل يوم من واقع مدارسنا التي تحولت لحلبة للمصارعة .وواقع الحال يحذر من اختلال وظيفة القيم في مجتمعنا وينذر بكارثة تكاد تعصف بنظام المغرب التعليمي. المعطيات المتوفرة حول تنامي وتيرة العنف في الوسط التعليمي ببلادنا صادمة، والعنف ضد الأساتذة أصبح مستفحلا في بعض المؤسسات التعليمية الموجودة في الأحياء الهامشية والمكتظة ,كعلامة صارخة على تغيير القيم التقليدية للأخلاق الفردية والجماعية . 149 حالة اعتداء عرضت على القضاء السنة الماضية للبت فيها وقرابة 33 % من حالات الاعتداء على المدرسين والمدرسات تسبب فيها أولياء أمور التلاميذ, حسب احصائيات التضامن الجامعي المغربي العام الماضي , والعديد من الحالات تم التنازل عنها ولم تصل للقضاء, تعكس بالواضح أن هالة القدسية والاحترام سقطت عن كل من المدرسة والفاعلين تحت سقفها، ولم يعد للأستاذ حق التبجيل والوقوف احتراما، ولم يعد المكلفون التربويون والحراس العامون والإدارة في مركز قوة . و السؤال الذي يطرح نفسه بقوة ، من يتحمل مسؤولية تردي أوضاع المدرسة المغربية وتدهور جودة التعليم وبروز مظاهر مشينة تكون قاعات الدرس وفضاءات المدرسة مسرحا لها، ومن يصلح العلاقة بين التلميذ والأستاذ لتعود إلى سابق عهدها في احترام متبادل واعتراف بحقوق وواجبات كل طرف على حدة .بحسب مكانة كل منهما داخل المنظومة التعليمية. حسب رأي السوسيولوجيين , فإن «ظاهرة العنف داخل الوسط المدرسي ، تعكس أزمة قيمية داخل المنظومة التربوية وداخل المجتمع أيضا، فالمتعلم في حاجة إلى فهم محيطه قبل فهم ذاته ، ولفهم هذا المحيط لا بد من استدماج القيم والمعايير والسلوكات التي تؤثث النسق الهوياتي لهذا الأخير، فالعقل القيمي أو الأخلاقي كما يقول الجابري ، يوجهه نظام القيم وليس النظام المعرفي. لذلك ليس من باب المجازفة القول بأن الأزمة تتجاوز المنظومة التربوية لترتبط بالأسرة والشارع ووسائط تنشئوية أخرى، تنطوي في بنيتها الخاصة على توليفة كاملة من التناقضات والأعطاب». . الأساتذة يخشون على حياتهم من تلامذتهم أصبح الأساتذة يخافون على حياتهم وهو يهمون لأقسامهم، وصاروا يميلون أكثر إلى اتباع «السبل السلمية» في طريقة توبيخ التلميذ إذا ما اقترف فعلا يخالف أعراف المدرسة وتقاليدها, صاروا يتغاضون عن التلميذ إذا لم ينجز واجباته مثلا درءا لأي تصرف عنيف قد يصدر عنه ، كما أنهم صاروا يخشون التلاميذ «المقرقبين» ويتفادون الاصطدام بهم ما أمكن، و يعانون صعوبات عديدة على مستوى التحكم في الفصل وحسن تدبيره بسبب اكتظاظه وارتفاع موجة الشغب ومنع العقوبات الزجرية, التي يعتبر رجال ونساء التعليم أنها ساهمت في تزايد موجة عنف التلاميذ ضد المنظومة التعليمية ، وزادت من تعميق الهوة بين الأستاذ والتلميذ وضاعفت موجة العنف حتى أصبح الأستاذ «كيطلب غير السلاكة». و حدث الاعتداء الذي تعرض له أستاذ وزان الأسبوع الماضي, الذي اهتز له الرأي العام ,حيث أجهز تلميذ بثلاث طعنات على أستاذه في مادة التربية البدنية , اثنتان منها اخترقت ظهره، فيما نالت الثالثة من شرايين يده, ولولا الألطاف الإلهية لقتل الضحية على الفور , أعاد للأذهان سلسلة الأحداث المشينة السالفة للعنف الجسدي الذي تعرض له عدة أساتذة وهم يؤدون رسالتهم ولم تسلم منه حتى نساء التعليم، هن أيضا يمسهن التطاول والتعنيف، حيث يظهر أحد الأشرطة التي يعمد التلاميذ على تسجيلها ونشرها في وسائل التواصل الاجتماعي , وهم يمنعون أستاذتهم باستعمال القوة من مغادرة قاعة الدرس، بعدما عجزت عن مواصلة عملها بسبب الضجيج والأصوات الغريبة، وهمت بالمغادرة احتجاجا منها على انعدام سبل تدريسهم، واعتراضا منها على عدم انصياعهم للقوانين الأخلاقية التي تفرضها المؤسسة التعليمية بشكل عام,وهو الشريط الذي يعكس بعضا مما تتعرض له نساء التعليم. هذه السلوكيات اللاتربوية التي صار ينهجها بعض التلاميذ ضد مدرسيهم وأطرهم التعليمية والتربوية، تمس بسمعة منظومة التعليم بالمغرب، وتؤثر سلبا على مردودية وإنتاجية الأستاذ والتحصيل العلمي للتلاميذ. حيث أن إثارة الشغب داخل الفصل لا تؤذي فقط الأستاذ، بل تؤذي أيضا حتى التلميذ المجتهد المنضبط بالتشويش على عملية تعلمه، كما أنه إن لم يتم ضبط العنف والسيطرة عليه، فإن عدوى العنف وفيروسه، حتما وقطعا ستنتقل لتصيب تلاميذ آخرين. لماذا يعنفون أساتذتهم؟ ولمقاربة الظاهرة من وجهات النظر المختلفة وطرح السؤال على التلاميذ لمحاولة فهم تدهور علاقتهم بأساتذتهم، أكد البعض أن لشغبهم هدفا ومغزى ، فالبعض لا يتوجه إلى المدرسة بهدف الدراسة، وإنما يجبر على ذلك، والبعض الآخر يأتي ليشاغب كنوع من إثبات ذاته وتأكيد حضوره.فيما أكد بعضهم أن الأستاذ هو الذي يدفعهم لممارسة العنف، والبعض الآخر، يعتبر أن الأستاذ يفضل عليه تلميذا مجتهدا ويعامله أحسن منه، كما يعتبر البعض أن الأستاذ صار منافسا أو ندا له لفرض السيطرة على القسم. كما يؤكد آخرون أن الأساتذة يمنحونهم نقطا متدنية بينما يمنحون تلاميذ آخرين نقطا مرتفعة لا يستحقونها، فضلا عن المشاكل الاجتماعية والنفسية التي يعانونها داخل الأسرة وخارجها، والتي بسببها يصبون جام غضبهم على الأستاذ. كما تعتبر بعض الفتيات أن هناك بعض الأساتذة يتحرشون بهن، ويستعملون في ذلك مبرر التنقيط. عدة عوامل أخرى توقد جدوة العنف لدى المتمدرسين يكرسها الواقع السوسيواقتصادي والمعيشي لبعض الاسر الفقيرة,مما يجعل التلميذ يشعر بالنقص والحرمان بين أقرانه،وهذا يدفعه الى الاحساس بالكراهية والحقد تجاه الآخر الذي هو أحسن منه حالا،ويولد تصرفات غريبة تسوقه الى اقتراف بعض الممارسات العنيفة.هناك أيضا العوامل الأسرية,حيث تعيش بعض الأسر حياة الأمية ليس لها مستوى تعليمي يمكنها من تأطير وتربية أبنائها وهم في طور التكوين وفي أمس الحاجة الى العناية والمراقبة،هذا يوسع الهوة بين ما يتلقاه التلميذ داخل المؤسسات التعليمية،وما يتلقاه في البيت. كما أن المحيط المدرسي أصبح اليوم غريبا ,ما يروج أمام أبواب المؤسسات التعليمية كانتشار المخدرات وحبوب الهلوسة،وغيرها من المواد السامة الممنوعة، يجعل التلاميذ عرضة لتعاطيها ،ويولد لديهم بعض الممارسات العدائية,إضافة إلى عوامل تربوية منها ضعف المقررات والمضامين والمحتويات الدراسية المغربية وعدم مسايرتها للتطورات المتسارعة التي تعرفها وسائل الاعلام الحديثة. هناك أسباب أخرى ناجمة عن ظواهر مجتمعية أخذت تظهر حديثا في المجتمع,منها الدروس الخصوصية، وتفاوت إمكانية أسر الطلبة الاقتصادية، الرشوة والمحسوبية في نقط المراقبة المستمرة وتسريبات الامتحانات وبيعها للطلبة من الأسر الميسورة دون شريحة الفقراء , كلها تعزز تفاوت وعدم تكافؤ الفرص بين الطلبة، في التطور والتنافس المدرسي وتنمي الحقد المجتمعي المولد للعنف. هل نجحت إجراءات الوزارة في الحد من العنف أو في تأجيجه ؟ أصدرت وزارة بلمختار السنة المنصرمة مذكرة حول العقوبات التأديبية التي تتخذها مجالس الأقسام في حق التلاميذ، تدخلا منها لضبط ظاهرة العنف المدرسي وتطويقه ، حيث ألغت هذه المذكرة عقوبة التوقيف التي لم تعد تأديبية والتي تعتبرها الوزارة طريقة غير ناجعة لأنها تعمق الهوة بين التلميذ وبين المدرسة وتحرمه من مجموعة من الحصص المدرسية. وفي المقابل قدمت هذه المذكرة مقترحات تأديبية تعوض الإقصاء المؤقت كإنجاز أشغال البستنة وتنظيف المكتبات المدرسية وترتيبها إضافة إلى المساعدة في تحضير الأنشطة الرياضية. كما عملت الوزارة على إرساء المرصد الوطني لمناهضة العنف بالوسط المدرسي يندرج في إطار تفعيل الاستراتيجية المندمجة لوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني في مجال الوقاية ومحاربة العنف بالوسط المدرسي، التي تهدف إلى تقوية القدرات المؤسساتية للمدارس وكذا للمتدخلين في المؤسسات التعليمية، كما تروم الوقاية من العنف داخل وفي محيط المؤسسات التعليمية، ونشر ثقافة السلم واحترام حقوق الطفل، بالإضافة إلى رصد وتتبع حالات العنف بالوسط المدرسي عبر استعمال نظام للمعلومات والمتابعة والتقييم في هذا المجال. قرارات الوزارة هذه اعتبرها العديد من العاملين في الوسط التربوي أنها تساهم في تفاقم الشغب والعنف في الوسط المدرسي دون تقديم حلول ناجعة. وأنها أيضا شجعت العديد من التلاميذ على نهج سلوكيات مستفزة وغير منضبطة دخل القسم خاصة وأنهم يعلمون أن أي سلوك يقومون به لن يعاقبوا عليه كما في السابق. ويبقى الواقع أخطر بكثير من أراء الأساتذة واجراءات الوزارة ,واقع يتطلب إصلاحا جدريا لمنظومة مركبة الأطراف يتقاطع فيها الاجتماعي بالتربوي بالنفسي بالاخلاقي ... تتطلب تدخل كل أطراف هذه المنظومة للحد من كارثة اجتماعية قد تنطلق شرارتها من ساحات المدارس.