يعتبر خطاب الملك الخاص بالدورة العاشرة للبرلمان بمناسبة افتتاح السنة التشريعية رؤية ملكية نحو الإصلاح الإداري حيث اعتبر جلالته ان المناسبة التشريعية ليست مجرد مناسبة دستورية، للتوجه لأعضاء البرلمان، وإنما هو منبر أتوجه من خلاله، في نفس الوقت للحكومة وللأحزاب، ولمختلف الهيآت والمؤسسات والمواطنين. ان الاهتمام بالإدارة أصبح ضرورة أساسية من أجل تأقلم المجتمعات مع المتغيرات الداخلية والخارجية المستمرة في مختلف المجالات، التي تتطلب تحقيق أهداف وخدمات استعصى على الناس تحقيقها فرادى، وبالتالي برزت أهمية الإدارة على اعتبار أنها ذات طابع اجتماعي وإنساني، شُكّلت قصد تلبية احتياجاتهم وتوجيه مجهودهم وتنسيقه. هذا الوضع أصبح شبه متعثر نتيجة مجموعة من العوامل لعل أبرزها غياب الإرادة مما يجعل المواطن يواجه صعوبات تحول دون تحقيق احتياجاته، وقد أشار صاحب الجلالة ان العراقيل تبتدئ من الاستقبال، مرورا بالتواصل، إلى معالجة الملفات والوثائق فمن غير المعقول أن يتحمل المواطن، تعب وتكاليف التنقل إلى أي إدارة، سواء كانت قنصلية أو عمالة، أو جماعة ترابية، أو مندوبية جهوية وخاصة إذا كان يسكن بعيدا عنها، ولا يجد من يستقبله، أو من يقضي غرضه. ومن غير المقبول، أن لا تجيب الإدارة على شكايات وتساؤلات الناس وكأن المواطن لا يساوي شيئا، أو أنه مجرد جزء بسيط من المنظر العام لفضاء الإدارة. فبدون المواطن لن تكون هناك إدارة. كما من حقه أن يتلقى جوابا عن رسائله، وحلولا لمشاكله، المعروضة عليها. وهي ملزمة بأن تفسر الأشياء للناس وأن تبرر قراراتها التي يجب أن تتخذ بناء على القانون. لا يختلف الكثيرون أن الإدارات قد اتسع نطاقها لتصبح بذلك جسما يمتاز بالديناميكية المعقّدة، وبالضخامة والتعدّد، على مستوى مصالحها الإدارية، ممّا فرض عليها إعادة النظر في الأدوار المنوطة بالأجهزة الإدارية، عن طريق توفير الموارد البشرية والمالية الكفيلة بضمان استمرارية تقديمها للخدمات وتحقيقها للأهداف بكفاءة وفعالية. ان تركيز صاحب الجلالة على قضايا نزع الملكية، التي يجب أن تحترم لضرورة المصلحة العامة القصوى، وأن يتم التعويض طبقا للأسعار المعمول بها، في نفس تاريخ القيام بهذه العملية مع تبسيط مساطر الحصول عليه. يعتبر حقا مطلقا، حيث أن لصاحبه كل الحرية للتصرف فيه، بل وكانت معظم الشرائع تعتبر حق الملكية مقدسا يمتنع على المساس به. أما الآن فقد أصبح حق الملكية مقيدا حيث أن مختلف القوانين المعاصرة تعرضت لذلك فالمادة 71 من التصريح العالمي لحقوق الإنسان والمواطن في 62 غشت7171 يعتبر حق الملكية حقا مقدسا لا يمكن أن يحرم أي أحد منه، إلا إذا فرضت الضرورة العامة ذلك شرط أن يكون بصورة قانونية ودفع تعويض عادل. إن الملكية الفردية تصنفها النظم القانونية المقارنة ضمن الحريات العامة، فهي من الحريات الأساسية التي تسعى كل التشريعات إلى حمايتها من كل اعتداء ويمكن الحد من نطاقها وممارستها بموجب القانون، إذا اقتضت ذلك متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبالد. ولا يمكن نزع الملكية إلا في الحالات ووفق الإجراءات التي ينص عليها القانون لقد أحدث المغرب توسعا حضريا كبيرا، أحدث تغييرات جذرية على التركيبة الاجتماعية، وعلى نمط العيش لدى مختلف الفئات الاجتماعية، مما يتطلب تدخل الدولة لتغطية الحاجيات المتزايدة على كافة المستويات الاقتصادية والاجتماعية، وذلك باستنادها على مجموعة من الآليات على رأسها مسطرة نزع الملكية من أجل المنفعة العامة. إن الإصلاح الإداري في الدول النامية يعبر عن ظاهرة حتمية تتمثل في سد الفجوة بين آمال السياسة العامة الوطنية وبين الإمكانيات العملية والعلمية المتوفرة. وهو الشرط الأساسي لبلوغ التنمية، كون الجهاز الإداري القائم يتسم بالضعف وانخفاض الكفاءة مقارنة مع طموح المواطن. وعموما فإن القيام بتطوير الإدارة وتنميتها بما يتلاءم والظروف الداخلية من جهة والمستجدات الدولية من جهة أخرى، يعتبر مؤشرا للتنمية، خاصة وأن التجارب أثبتت أن الإدارة هي محرك التنمية فيها، فلا يمكن التخطيط للتنمية الاقتصادية ورسم الخطط الاستراتيجية للتنمية بدون وجود جهاز إداري كفء يحسن التدبير والتخطيط، فمنذ بداية القرن 20 بدأ الإحساس بضرورة الإصلاح الإداري والرفع من فاعليتها ومردوديتها لما لها – الإدارة – من ارتباط وثيق بالاقتصاد الاجتماعي والتنموي، لدى فإن فعالية الإدارة لا تتوقف عند نوعية وأعداد العاملين بها بل هي ترتبط بالأساس بمدى ترشيد وعقلنة الهياكل الإدارية ووسيلة للتسيير والتدبير العمومي الذي تنهجه الحكومة ليس فقط على المستوى الداخلي بل كذلك على المستوى الخارجي أو في إطار الانخراط في النظام العالمي – العولمة – والتي بلا شك لها انعكاس واسع على الدولة وأجهزتها الإدارية فكان الإصلاح الإداري أحد الرهانات الكبرى وأهم الخيارات الاستراتيجية التي تعطي للبلد أو الدولة القوام لمواجهة التحديات والإكراهات التي تحول دون تحقيق تنمية اجتماعية اقتصادية وإدارية. إن اعتماد الإدارة المغربية في معاملاتها على أساليب وطرق تدبيرية متجاوزة، أصبح يشكل عائقا كبيرا أمامها لتحسين مردوديتها وجودة خدماتها المقدمة للمرتفقين، خاصة وأن جل الإدارات في الدول النامية بشكل عام، تعاني من الانغلاق تجاه تجارب الدول الأخرى في ميدان الإدارة، وبالتالي عدم الاستفادة من التكنولوجيا العالمية والبحث العلمي والمستجدات في مجال الإدارة الذي يمكنه أن يساهم في تقدم وازدهار هذه الأخيرة. وقد بدأت التقنيات الإدارية تتقادم خاصة بعد الثورة التكنولوجية التي شهدتها الدول المتقدمة، فكان لزاما على هذه الدول ومنها المغرب أن تستبدل الطرق والأساليب المتبعة والتي أبانت عن قصورها، واستبدالها بالتقنيات المتطورة كالحاسوب والأساليب التكنولوجية الأخرى التي من شأنها ترشيد عمليات اتخاذ القرارات داخل الإدارات وبالتالي الرقي بمستوى حسن تدبير هذه الإدارات. كما انه لابد أن نستحضر المناظرة الأولى للإصلاح الإداري التي تعد لبنة أساسية من اجل تفعيل الحكامة الإدارية حيث ترتكز على تنمية استعمال تكنولوجيا المعلوميات والاتصال ودعم التمركز الإداري وتحسين علاقة الإدارة بالمتعاملين معها، فأين نحن من تفعيلها على أرض الواقع ؟ ان خطاب صاحب الجلالة يعد ثورة إدارية تحفظ للمواطن حقوقه التي من خلالها يستطيع التمتع بالخدمات المقدمة له من طرف الإدارات سواء تعلق الامر بإدارات الدولة او الجماعات الترابية، وهي حقوق أولية وجب العمل على تجويدها من أجل تحسين العلاقة بين المرتفق والإدارة العمومية التيهي مطالبة بتبسيط المساطر وتكريس دولة الحق والقانون و تخليق الحياة العامة.