قراءة نقدية في مشروع قانون رقم 33.17 المتعلق بنقل اختصاصات وزير العدل الى رئيس النيابة العامة المغرب اختار وبعد نقاش طويل وعميق ان تستقل النيابة العامة عن وزارة العدل بمقتضى توصيات الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة وخاصة التوصية التي تنص على فصل النيابة العامة عن السلطة التنفيذية وإسناد رئاستها إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، مع تخويل وزير العدل صلاحيات إعداد السياسة الجنائية التي يتم إقرارها من طرف السلطات المختصة. وعمل القانونين التنظيميين للمجلس الأعلى للسلطة القضائية و النظام الأساسي للقضاة على وضع الإطار القانوني العام لهذه الاستقلالية، على ان تتولى القوانين العادية التفصيل في باقي الاختصاصات و العلاقات البينية بين مكونات النيابة العامة و ممارسة الدعوى العمومية ومراقبة سيرها. وذلك و خلافا للعديد من الأنظمة القضائية المقارنة، ومنها النموذج الفرنسي الذي يعتبر فيه وزير العدل رئيسا للنيابة العامة و يشرف على عملها0 و في هذا الإطار قدمت الحكومة في شخص وزير العدل مشروع قانون رقم 33.17 يتعلق بنقل اختصاصات السلطة الحكومية المكلفة بالعدل إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة وبسن قواعد لتنظيم رئاسة النيابة العامة. ترى هل هذا المشروع يؤسس لمؤسسة قضائية قادرة على محاربة الجريمة و ممارسة الدعوى العمومية و الاستقلالية الحقيقية عن باقي السلط الأخرى و القوى الخفية ومراكز النفوذ التي ترفض الاستقلال الحقيقي للقضاء الجالس والقضاء الواقف-النيابة العامة؟ اولا : في نهاية مرحلة ابتداء من 7 أكتوبر المقبل سيتم الفصل النهائي بين النيابة العامة ووزارة العدل وسيصبح القضاء الواقف تحت الإشراف المباشر للوكيل العام لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة، وإن كنا من الذين كانوا ضد هذه الاستقلالية في السياق السياسي والديمقراطي بالمغرب، حيث ضعف الرقابة على المؤسسات، و انسياب جزء كبير من السلطات والاختصاصات إلى جهات لا تخضع لأي رقيب أو حسيب، والنيابة العامة لا تُمارس أدوار قضائية خالصة بل إن قراراتها يختط فيها القضائي بالإداري والسياسي و هو ما جعل بعض الدول حتى الديمقراطية منها تسندها لموظفين وليس لقضاة. و للأسف ستكون هذه الدورة التشريعية الربيعية للبرلمان أخر دورة يساءل فيها وزير العدل بصفته مشرفا على النيابة العامة، و عن ملفات حارقة بالوطن وخاصة المتابعات الجارية ضد نشطاء حراك الريف. و بعد 7 أكتوبر سيمنع مساءلة النيابة العامة أمام البرلمان بدعوى الاستقلالية و هو ما أكدته المحكمة الدستورية في قرارها عدد 110 بكون رئيس النيابة العامة مسؤولا أمام جلالة الملك باعتباره السلطة التي عينته. ثانيا : ملاحظات حول مشروع القانون _ من حيث الشكل : يطرح هذا المشروع العديد من الملاحظات الشكلية الجوهرية، والتي يمكن إجمالها في أن هذا المشروع لم يسبق الحديث عنه في الوثائق المرجعية لاصلاح العدالة أو حتى على لسان وزير العدل السابق الذي أشرف على الحوار الوطني للإصلاح منظومة العدالة، كما أنه قانون حرر على عجل و يتميز بالسرعة و الاقتضاب في المقتضيات، إذ ان الكثير من مقتضياته توجد بالمسطرة الجنائية او القانونين التنظيميين او مشاريع القوانين الاخرى كالمسطرة الجنائية أو التنظيم القضائي او المسطرة المدنية. أن الفاعلين في حقل العدالة كانوا ينتظرون قانونا للنيابة العامة وليس قانونا لرئيس النيابة العامة، حيث المطلوب هو تنظيم المؤسسة والعلاقات البينية داخلها وليس تنظيم مؤسسة الرئاسة. كما أن المشروع كان يفترض فيه أن يقتصر على نقل اختصاصات وزير العدل الى رئيس النيابة العامة فيما يخص الإشراف والرقابة على هذه المؤسسة وليس وضع قواعد لتنظيمها. من حيث الموضوع : يتظمن المشروع محورين أساسيين ، الاول يتعلق بنقل اختصاص وزير العدل الى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة والمحور الثاني يتعلق بسن قواعد لتنظيم النيابة العامة. أ : حول الاختصاصات المنقولة نص المشروع في المادة الثانية على حلول الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض على الحلول محل وزير العدل في ممارسة الاختصاصات الموكولة لهذا الأخير فيما يلي: الإشراف على النيابة العامة وقضاتها. إصدار التعليمات والأوامر الى قضاة النيابة العامة. السهر على حسن سير الدعاوى ومجال اختصاصها . ممارسة الطعون المتعلقة بالدعاوى. تتبع القضايا المعروضة على المحاكم. ومما تجدر الإشارة إليه أن الدستور ينص على كون التعليمات يجب أن تكون كتابية وقانونية بمقتضى المادة 110 منه، نجدها قد اختفت في هذا المشروع بالنص فقط على إصدار التعليمات دون تحديد طبيعتها وكيفيتها وهل هي كتابية ام شفوية؟ وهل يجب أن تكون قانونية أم لا؟ كما أن ميثاق إصلاح العدالة المصادق عليه من طرف الملك نص على كون الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض يقوم بتبليغ التعليمات الكتابية والقانونية. ومن جهة أخرى فإن التأسيس لسلطة جديدة مستقلة بحجم مؤسسة النيابة العامة يقتضى مراعاة المعايير الدولية في ذلك، ولا سيما المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة حول إستقلالية النيابة العامة ، وتوصية مجلس أروبا رقم 19 الصادرة سنة 2000، ومن بين المقتضيات الواجب تظمينها بالمشروع: النص على علنية تعليمات النيابة العامة ورئاستها بعد رفع السرية عنها. مساءلة رئيس النيابة العامة بصفة دورية. حظر إعطاء التعليمات بعدم مباشرة قضية معينة. النص على ملاحقة المسؤولين العموميين عن جرائم الفساد و الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان والجرائم المعترف بها في القانون الدولي. الرقابة القضائية على إجراءات النيابة العامة. النص على دورية تواصل النيابة العامة مع الرأي العام في القضايا العامة . ب – حول قواعد تنظيم رئاسة النيابة العامة بالاضافة الى نقل اختصاصات وزير العدل الى رئيس النيابة العامة، فإن مشروع القانون 33.17 تضمن مقتضيات تتعلق بسن قواعد لتنظيم رئاسة النيابة العامة من الناحية الإدارية والمالية و الموارد البشرية، ويمكن إجمالها فيما يلي: الحق في اقتراح قضاة النيابة العامة للقيام بمهمة مؤقتة أو دائمة، و الحق في توظيف الموارد البشرية المؤهلة، و الحق في اعتمادات مالية يكون رئيس النيابة العامة آمرا بالصرف لها، غير أن هذه المقتضيات والقواعد تثير العديد من الاشكالات الدستورية والقانونية وفق ما يلي: الحق في الاقتراح: نصت المادة الثالثة من المشروع على حق الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض في اقتراح قضاة النيابة العامة على المجلس الأعلى للسلطة القضائية لرئاسة هيئة أو لجنة أو لشغل منصب عضو بها، أو للقيام بأي مهمة مؤقتة أو دائمة، عندما يتعلق الامر بالتعيين أو بعد استطلاع رأيه عندما يتعلق بالاقتراح. لكن بالرجوع الى المقتضيات المنصوص عليها بالدستور وكذا القانونين التنظيميين التي وضعت الإطار العام لاختصاصات الوكيل العام لدى محكمة النقض نجدها لم تشر قط الى هذا الاختصاص بل وضعت مقتضيات مخالفة، ذلك أن الفصل 116 من الدستور نص على أن المجلس الأعلى للسلطة القضائية يراعي تقارير التقييم المقدمة من قبل السلطة التي يتبعونها، وهو ما أكدته المادة 66 من القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، وأن القانون التنظيمي للنظام الأساسي للقضاة 106.13 أكد على مبدأ وحدة تدبير الوضعية المهنية للقضاة، و من تمة يكون هذا الاختصاص الجديد يخالف القانونين التنظيميين المشار إليهما أعلاه وبالتالي يخالف الدستور، باعتبارهما جزء من الكثلة الدستورية، وباعتبار أن المحكمة الدستورية صرحت بمطابقتهما للدستور. الحق في اعتمادات مالية مستقلة نص المشروع الجديد في المادة 5 على تسجيل الاعتمادات المرصودة لرئاسة النيابة العامة في الميزانية العامة للدولة، والوكيل العام للملك لدى محكمة النقض هو الآمر بالصرف لها، وله أن يفوض ذلك وفق الأشكال والشروط المنصوص عليها في القوانين والأنظمة الجاري بها العمل، كما يلحق برئاسة النيابة العامة محاسب عمومي يعين بقرار للسلطة الحكومية المكلفة بالمالية بحسب المادة 7 من نفس المشروع. تجدر الإشارة إلى أنه لا اختلاف حول ضرورة توفير الامكانات المالية لرئاسة النيابة العامة، بالنظر لحجم الاختصاصات وأهميتها التي ستنقل إليها. لكن تدبير هذه الاعتمادات المالية يجب أن تكون منسجمة مع الإطار العام الناظم المنصوص عليه في القانونين التنظيميين، حيث أن القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية نص فقط بالمادة 62 على ميزانية واحدة للمجلس الأعلى للسلطة القضائية دون تمييز بين رئاسة النيابة العامة و المجلس الأعلى للسلطة القضائية، كما نص على أن رئيس المجلس هو الآمر بالصرف. وهو ما يجعل هذا المقتضى كذلك مخالف للكثلة الدستورية و يجعله بالتبع نص غير دستوري، بل وإنشاء لمؤسسة موازية للمجلس الأعلى للسلطة القضائية وليس جزءا منها كما أصل لذلك القانون التنظيمي للمجلس. على سبيل الختم إن هذا المشروع المحرر على عجل والذي افتقد للمقاربة التشاركية في إعداده، و المتميز بالركاكة في تحريره، لا يجيب على الاشكالات الجوهرية التي يتعين أن يتظمنها والتي نجملها فيما يلي: الحاجة ماسة لقانون لتنظيم مؤسسة النيابة العامة وليس فقط لرئاسة النيابة العامة كما في العديد من التجارب المقارنة، يحدد بدقة الاختصاصات والعلاقات البينية و الخارجية للمؤسسة. التأصيل لرقابة حقيقية على رئاسة النيابة العامة و كافة أجهزتها، بعد استقلالها عن السلطة التنفيذية. تحديد طبيعة العلاقة التواصلية بين النيابة العامة و الرأي العام، خاصة في القضايا ذات الطبيعة العامة. نشر التعليمات الكتابية لرئيس النيابة العامة عبر وسائل الاعلام وباقي مكوناتها بعد رفع السرية عنها، عبر الأجهزة المعلوماتية داخل المحاكم. وضع الوسائل القانونية والاليات الكفيلة بمحاربة الفساد المالي والاداري و الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان وغيرها من الجرائم المعترف بها في القانون الدولي. الدكتور نجيب البقالي محام بهيئة الدارالبيضاء ونائب برلماني