يعتبر الأستاذ عبد الطبير طبيح أن مشروع القانون 33.17 المتعلق باختصاصات رئاسة النيابة العامة هو الانطلاقة الحقيقة لإصلاح منظومة العدالة في المغرب، خلافا للزمن الذي هدرته الحكومة السابقة في الاجتماعات الماراطونية على طول وعرض المغرب. ويقدم خمس ملاحظات مهمة حول هذا المشروع. كما قدم مداخل لقراءته على ضوء الدستور والقوانين التنظيمية التي لها علاقة بالسلطة القضائية. في ما يلي نص الحوار: ما هي ملاحظاتكم الاولية على مشروع القانون 33.17 المتعلق باختصاصات رئاسة النيابة العامة؟ المطلع على المشروع ستوقفه الملاحظات التالية: الملاحظة الاولى إن الذي اتخذ المبادرة لتقديم مشروع قانوني يتعلق بتنقل اختصاصات وزير العدل إلى الوكيل العام للملك هو جلالة الملك الذي أصدر تعليماته في اجتماع المجلس الوزاري 25/6/2017 والذي أعطى تعليماته للحكومة بضرورة عرض مشروع هذا القانون، للتصويت، عليه على مجلس النواب في دورته الحالية اي دورة الربيع لسنة 2017. وبعد ذلك سيجتمع مجلس حكومي يوم 29/6/2017 أي 4 أيام فيما بعد، ليناقش مشروع قانون 33.17 بينما مشاريع القوانين هي الاختصاص الخاص للحكومة التي كان عليها أن تحضر نفسها له من قبل ذلك. الملاحظة الثانية بخصوص الصيغة التي استعملت في المادة 2 من المشروع الذي تتكلم على أن الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض يمارس سلطته على قضاة النيابة العامة، وأضاف المشروع جملة «التابعين له» وذلك في نفس المادة. فالبقاء على هذه الإضافة ستحصر من هم قضاة النيابة العامة المعنيين بها نظرا لكون قراءة جملة التابعين له مع الفقرة 2 من الصفحة 2 من مذكرة التقديم التي تتكلم على نقل اختصاصات وزير العدل إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض في مجال الدعوى العمومية، وقراءتها في ظل مقتضيات المادة 3 من المشروع التي تتكلم، هي كذلك، عن اختصاصات الوكيل العام في الدعوى العمومية، فإن تلك القراءة تؤدي إلى اعتبار أن قضاة النيابة المعنيين بالمادة 2 من مشروع القانون هم فقط المشتغلون على الدعوى العمومية، مما تعني أن قضاة النيابة العامة أمام المحاكم المدنية والشرعية والتجارية، غير معنيين بالقانون المذكور. لذا، من الضروري إدخال تعديل على تلك المادة: -إما بتوضيح أن قضاة النيابة العامة المعنيين بها هم فقط المشتغلون بالدعوى العمومية. دون غيرهم. -وإما حذف جملة «التابعين لها» لكي يصبح جميع قضاة النيابة العامة، سواء المنشغلين أمام المحاكم الزجرية أو المدنية أو الشرعية أو التجارية، معنيون بذلك القانون. الملاحظة الثالثة هي الإشارة التي وردت في الفقرة الرابعة من الصفحة الأولى من مذكرة التقديم التي تشير إلى أن وزير العدل كانت له سلطة رئاسة النيابة، وهي إشارة التي لابد من تدقيقها لسببين: -الأول: هو أن مذكرة التقديم تعتبر كأسباب نزول، أي قانون مما يتعين معه أن لا تتضمن أي صيغة تتكلم على قواعد قانونية غير موجودة، منها مثلا كون وزير العدل هو رئيس النيابة العامة. ذلك انه لا يوجد أي نص في الدساتير المغربية منذ 1960 إلى دستور 1996، ولا في قوانين المسطرة الجنائية من 1959 إلى اليوم أي قاعدة تنص على أن وزير العدل رئيسا للنيابة العامة. الثاني: أن وزير العدل قبل دخول مقتضيات استقلال السلطة القضائية حيز التنفيذ، لم يكن رئيسا للنيابة العامة، وإنما كانت له هيمنة سياسية بحكم نيابته على الملك في ترأس المجلس الأعلى للقضاء، وبحكم سلطة التفتيش الذي أعطاه اياها القانون. وبالتالي يتعين عدم الإشارة في مذكرة التقديم إلى وضع قانوني، لا وجود له أصلا في المغرب. الملاحظة الرابعة هو أن الوضع القانوني للنيابة العامة في المغرب انتقل من الاستقلال إلى التبعية، وليس العكس كما يقال. ذلك أن قانون المسطرة الجنائية لسنة 1959 كان يعتبر وكيل الملك هو السلطة الوحيدة لتدبير الدعوى العمومية ولم يكن تابعا لأي جهة. فكانت له سلطة تدبير الحراسة النظرية والاعتقال والمتابعة ووصف الأفعال من مخالفة وجنحة وجناية والحفظ والاستئناف، واحتكار صفة ضابط الشرطة القضائية التي يكن تتوفر عليها للوكيل العام لدى محكمة الاستئناف. وبعد ذلك عدلت المسطرة الجنائية، فأصبح الوكيل العام له صفة ضابط الشرطة القضائية وأصبح رئيسا لوكيل الملك ولجميع أعضاء النيابة العامة. وبعد ذلك نص القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاء على أن كل الوكلاء العامين و وكلاء الملك ونوابهم أصبحوا مرؤوسين للوكيل العام لدى محكمة النقض. وهو القانون التنظيمي الذي أحدث لأول مرة في تاريخ المغرب قاعدة تجميع سلطة تدبير الحراسة النظرية والاعتقال ووصف الافعال من مخالفة و جنحة و جناية والإحالة على التحقيق والإحالة على المحكمة والاستئناف والنقض والحفظ بين يد واحدة. بعدما كانت هذه السلط الكبيرة موزعة بين كل وكيل عام من الوكلاء العامين لدى كل محكمة الاستئناف على الصعيد الوطني وهو ما كان يضمن تعددية في تدبير الدعوى العمومية يتلاءم مع التعددية المجالية والديموغرافية والاجتماعية بالمغرب. الملاحظة الخامسة إن هذا القانون وإن كان، عن حق يعتبر آلية جديدة وستكون فاعلة في عملية إصلاح منظومة العدالة، بكل ما تعني هذه العملية من عدالة وإنصاف وتخليق وجودة في المنتوج القضائي، فإنها تطرح سؤال المراقبة. ذلك أن السلطات الثلاث التي تؤسس لكل دولة تراقب بعضها البعض من أجل ضمان توازنها. فالسلطة التنفيذية تراقبها السلطة التشريعية. والسلطة التشريعية يراقبها المواطن عن طريق الاقتراع المباشر. وسلطة قضاة الأحكام تراقب أطراف الدعوى أحكامها عن طريق تقديم طرق الطعن من تعرض واستئناف وإعادة النظر والنقض وحتى إعادة النظر في النقض والمراجعة بعد النقض. كما يراقب قضاتها كأشخاص عن طريق التجريح والمخاصمة والتشكك المشروع. بينما قضاة النيابة العامة لا توجد آلية قانونية وقضائية لمراقبة أعمالهم ومهامهم لا من قبل السلطة التنفيذية أي الحكومة ولا السلطة التشريعية ولا المواطن اذ لا يمكن الطعن في قراراتها ولا تجريح أو مخاصمة قضاتها. لذا، من الواجب على القانون، مثلا، الذي سينظم قواعد التفتيش المنصوص عليه في القانون التنظيمي للمجلس الاعلى للسلطة القضائية، أو أي قانون آخر أن يتناول هذا الفراغ بطريقة تحمي الادوار القضائية وغير القضائية المهمة في الحفاظ على الامن العام والخاص التي تقوم بها النيابة العامة من جهة وتحقق في نفس الوقت للمواطن حقه في التشكي القانوني والقضائي، و ليس الاداري ، من الضرر الحاصل له في بعض الحالات التي لا يد له فيها. مثلا عندما تحفظ النيابة العامة شكاية لمواطن بدعوى مرور أجل التقادم بينما المواطن تقدم بها بمجرد تعرضه للفعل المجرم، أي أنه ليس هو من تسبب في التأخير في إنجاز البحث في شكايته، وإنما إما مصالح النيابة العامة أو مصالح الشرطة التابعة لها هي المسؤولة على حلول أجل التقادم دون انجاز البحث في شكايته، فلماذا يعاقب المواطن وتضيع حقوقه بسبب عدم قيام، إما النيابة العامة أو الشرطة، بعملها في التحقيق في الشكاية قبل أن يحل أجل التقادم. هذه واحدة من عدة إشكالات تستوجب وضع آلية تتيح للمواطن حق التشكي القانوني والقاضي لأعمال النيابة العامة. ما هو موقع مشروع القانون 17.33 في ظل الدستور والقوانين التنظيمية التي لها علاقة بالسلطة القضائية هذا السؤال هو سؤال جد مهم ومركزي لفهم الغرض من المشروع. ذلك أن المناقشة والبحث إذا ما انصبت فقط على المواد والفصول المضمنة في ذلك المشروع، فإن تلك المناقشة لا تنفد إلى جوهر وإرادة المشروع، إذ لمعرفة كنه وجوهر والغاية من المشروع يجب قراءته في ظل الدستور وفي ظل القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية وفي ظل القانوني التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة. لذا فللجواب على هذا السؤال لابد من المرور من المداخل التالية : المدخل الأول: هو الفصل 108 من الدستور التي يضع تمايزا بين قضاة الأحكام وباقي القضاة، أي قضاة النيابة العامة، عندما حصن ذلك الفصل فقط قضاة الأحكام من العزل والتنقيل، بينما لا يوجد بالدستور أي نص يحمي قضاة النيابة العامة من العزل و التنقيل. المدخل الثاني: هو الفصل 110 الذي يؤكد ذلك التمايز بين قضاة الأحكام الذين ألزمهم بتطبيق القانون فقط وليس غير القانون، بينما ألزم قضاة النيابة العامة بتطبيق القانون، وكذلك تطبيق تعليمات السلطة التي تتبعون لها، أي الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض وفق ما تنص عليه المادة 25 من القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة. المدخل الثالث: الفصل 116 من الدستور الذي يلزم المجلس الأعلى للسلطة القضائية عند اتخاذ أي قرار بخصوص قضاة النيابة العامة مراعاة تقارير التقييم المعدة من قبل الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض. المدخل الرابع هي المادة 75 من القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية الذي تلزم لترقية قضاة النيابة التوفر على شروط إضافية غير تلك التي يجب تفورها في قضاة الأحكام منها مدى تطبيقه للتعليمات الكتابية لرئيسهم. هذه المداخل الأربعة عندما نقرأها سنلاحظ أن الدستور والقوانين التنظيمية التي هي مكملة للدستور وضعت في الحقيقة بنيان قانوني خاص بقضاة الموضوع، وبنيان قانوني خاص بقضاة النيابة العامة. هذان البناءان القانونيان هما اللذان 1 -يفسران لماذا نص مشروع القانون في المادة 5 على ضرورة توفر النيابة العامة على: – بنية إدارية ومالية وتقنية تحدد اختصاصاتها بقرار للوكيل العام للملك – حق الوكيل العام في توظيف أطر إدارية وتقنية خاصة بالنيابة العامة لديه. – حقه في التوفر على موارد بشرية من قضاة وموظفين وخبراء 2 – يفسران لماذا نص المشروع في المادة 6 على: -توفر النيابة العامة على اعتمادات من الميزانية العامة للدولة – كون الوكيل العام هو الآمر بالصرف 3 – يفسران لماذا نص المشروع في المادة 7 على مقر خاص به بإلزام الدولة بوضع رهن إشارة النيابة العامة العقارات والمنقولات اللازمة لقيامها بعملها. وهكذا فإن أهم مقتضى الذي يتناغم وينسجم مع المداخل الأربعة المشار إليها أعلاه التي تكلمت فيها على وجود بناء قانون بقضاة الأحكام يتمايز عن بناء قانون آخر خاص بقضاة النيابة العامة، هو ما تنص عليه المادة 6 التي أعطت للنيابة العامة استقلال ماليا واضحا و ربطت ميزانيته مباشرة ميزانيته بالميزانية العامة للدولة التي تصوت عليها البرلمان , وجعلت من الوكيل العام آمرا بالصرف من جهة . وكذا المادة 7 من نفس المشروع التي الزمت الدولة بأن تضع رهن إشارة رئاسة النيابة العامة العقارات الضرورية للقيام بمهامه , وهو ما يعني أن النيابة العامة سيكون لها مقر خاصة بها , ليس بالضرورة بمكتب في نفس النيابة التي بوجد بها مقر المجلس الأعلى للسلطة القضائية. وهو ما يبين إرادة المشرع في استقلال النيابة العامة حتى عن المجلس الأعلى للسلطة القضائية ، و هذه النقطة تحتاج إلى شرح خاص آخر ليس اليوم وقته. لما تتكلمون عن التمايز؟ وماذا تقصدون به؟ هذه الصيغة يحكمها كثير من التحفظ بدل استعمال كلمة التمييز، ومرد ذلك هو الوضع المستحدث للسلطة القضائية في المغرب. و الذي يفرض على الجميع عدم التسرع في تحليل بعض الاوضاع القانونية الى ان تنطلق التجربة بخصوصها اليوم بالمغرب . حيث نعلم أن القضاء كان تحت التأثير المباشر للسلطات التنفيذية، وليس لسلطة وزير العدل وحده , واليوم بفضل دستور 2011 اختار المغرب نموذجا خاص به، متقدم، ويجب أن نقولها بافتخار، حتى على ما هو عليه الأمر في فرنسا، التي لا ينص دستورها على مثل القواعد الدستورية التي أتى بها دستور 2011 بخصوص القضاء، وأقول بكل ذلك في انتظار ما سيؤول إليه تطبيق الدستور في مجال استقلال السلطة القضائية على أرض الواقع، وليس تنزيله كما اغرقتنا بذلك الحكومة السابقة بهذه الكلمة. علما أن تطبيق الدستور شيء وتنزيل الدستور هو شيء آخر والفرق جوهري وكبير جدا. ذلك أن تطبيق الدستور يعني رفع واقع المجتمع إلى المستوى الأعلى الذي أحدثه الدستور الجديد لترتقي الدولة والمجتمع في تعاملهما مع بعضهما ومع المواطن، بينما مفهوم تنزيل الدستور هو العكس تماما، لانه يعني إنزال الدستور إلى الواقع، اي إلغاء الغرض من كل ما هو جديد في الدستور، لهذا فإني لا أفهم لماذا يصر البعض على كلمة تنزيل وهي تتضمن حمولة تذهب الى إبقاء الحال على ما هو. وأعود للجواب حول صيغة «التمايز» الغرض من استعمالها هو الوعي بكون قضاة النيابة العامة متمايزين عن قضاة الأحكام في المهام المكلفين بها. فإذا كان قاضي الحكم هو ملزم بتطبيق القانون وحده، أي له مهمته قضائية صرفة لا يمكنه تجاوزها , فإن قاضي النيابة العامة ملزم بتطبيق القانون في ممارسته لمهامه القضائية, لكن له مهام ذات طبيعة تنفيذية تظهر للعيان من: 1 -خضوع كل الوكلاء العامين و وكلاء الملك و نوابهم لسلطة الوكيل العام لدى محكمة النقض. 2 -إلزامهم بتنفيذ تعليمات الوكيل العام لدى محكمة النقض. 3 -إلزام المجلس الأعلى للسلطة القضائية بمراعاة التقارير التي يقدمها الوكيل العام في كل القرارات التي يتخذها بخصوص قضاة النيابة العامة لكن، أهم قاعدة تترجم وجود طابع تنفيذي في مهام النيابة العامة هو ما قررتها القوانين التنظيمية المتعلقة بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية و تلك المتعلقة بالنظام الأساسي للقضاء في هذه القاعدة المتمثلة في: 1-أن مرتب الوكيل العام و التعويضات والمزايا التي سيستفيد منها منصوص عليها في القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاء، من جهة كما أنها تماثل تلك المخصصة للوزاراء. 2 -بينما التعويض ومختلف المزايا العينية المتعلقة بالرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية هي تماثل ما هو يستفيد منه لرئيس مجلس النواب. أي أن رئيس المجلس الأعلى يماثل رئيس السلطة التشريعية، بينما الوكيل العام للملك يماثل عضو في الحكومة . هل يمكن أن تجرى مقارنة بين الوضع المالي والإداري لرئاسة المجلس الأعلى للسلطة القضائية و نفس الوضع لرئاسة النيابة العامة بالفعل هناك وجه آخر للتمايز بين وضع يستند الى القواعد الدستورية وهي القوانين التنظيمية التي تعتبر مكملة للدستور، وبين وضع يستند الى القواعد العادية اي الى القانون العادي. ذلك أن المجلس الأعلى للسلطة القضائية أسند له بصفته كمؤسسة وليس لرئيسه، الاستقلال المالي والإداري وألزم الدولة بوضع رهن إشارته الوسائل المادية والبشرية و وفر له مقر خاص بمقتضى قانون التنظيمي اي القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية. بينما في المقابل، لا نجد هذا الاعتراف القانوني بالنيابة العامة كمؤسسة، وإنما نحن أما اعتراف قانوني برئاسة النيابة العامة التي عهد لها بصفتها تلك، باعتمادات مالية من ميزانية الدولة وخولت لرئيسها صفة الأمر بالصرف و ألزمت الدولة بأن تضع رهن إشارته العقارات والمنقولات الضرورية للقيام بعملها. لكن كل ذلك بمقتضى قانون عادي وهو مشروع القانون موضوع نقاش. وليس بمقتضى قانون تنظيمي مكمل للدستور. هذا الفرق بين الوضع القانوني للمجلس الأعلى للسلطة القضائية المنظم بمقتضى قانون تنظيمي ، والوضع القانوني للنيابة العامة المنظم بمقتضى قانون عادي يدفع إلى القول بأن الوضع القانوني الجديد لرئاسة النيابة العامة هو وضع قانوني هش. لماذا، وصفت الوضع القانوني للنيابة العامة في مشروع هذا القانون بالهش؟ يجب أن نعلم أن القانون التنظيمي هو قانون مكمل للدستور، وبالتالي لا يمكن تعديله بمقتضى مقترح من قبل عضو من أعضاء البرلمان وحتى بمقترح من الحكومة، وإنما لابد من أن يعرض ذلك المقترح على المجلس الوزاراي. هو التنبيه الذي وجه إلى الحكومة السابقة عندما قبلت بعرض مقترح لتعديل قانون تنظيمي بدون علم المجلس الوزاري. لكن، عندما يتعلق الأمر بقانون عادي فإن أي عضو من البرلمان يمكنه أن يتقدم بمقترح تعديله او يمكن لاي حكومة ان تقوم بذلك بدون اي الزام دستوري بعرضه أمام المجلس الوزاري. هذا الوضع القانوني الذي وصفته بالهش مفاده أن القانون هو يخضع لسياسة الحكومة ولأغلبيتها البرلمانية التي تستطيع، دستوريا، أن تدخل عليه كل ما تريده من تعديلات أو أن تلغيه حتى، دون اي التزام دستوري، يفرض عليها عرض قرارها على المجلس الوزاري، وإن كان من الناحية العملية سنكون في وضع آخر. هذا التخوف هم مبرر وصفي لوضع النيابة العامة الهش في مشروع القانون. ما هو تقييمكم العام حول هذا المشروع؟ في تقديري هذا المشروع هو الانطلاقة الحقيقة لإصلاح منظومة العدالة في المغرب، خلافا للزمن الذي هدرته الحكومة السابقة في الاجتماعات الماراطونية على طول وعرض المغرب، والتي لم تنتج منه أي شيء بل حتى خلاصات 5 سنوات من النقاش لم تقدم رسميا لأي جهة و لم تنظم الندوة الوطنية التي وعد بها وزير العدل السابق من جهة اخرى. وهذا يعني أن كل تلك الندوات لم تنتج أي شيء يمكن أن تفيد في تطوير العدالة، إلا ما فرض على القضاء بما سمي بالزمن الافتراضي للبث في أي ملف، وهي السياسة التي دفعت بالقضاة إلى الاهتمام اكثر بعدد الاحكام التي يصدرونها فأصبح عدد الأحكام القاضية بعدم القبول يتجاوز ما كان معروفا في السابق . بينما مشروع القانون يتكون فقط 11 مادة فقط استطاع أن يخلق التحول الاستراتيجي في الأول منذ نشر دستور 2011، هو التحول الذي أكدت عليه ورقة التقديم لمشروع القانون في الفقرة الأخيرة من ذلك التقديم الذي ورد فيها: «إن مشروع هدا القانون يعد دعامة إضافية لقيام سلطة قضائية مستقلة وفق أحكام الدستور والتوجيهات الملكية السامية. وهي إشارة واضحة لمرجعية هذا القانون المحددة في الدستور وللتوجهات الملكية السامية.