خلال السنوات العشرة الماضية على الأقل تحولت زراعة الكيف في منطقة الريف إلى موضوع حسابات حزبية وسياسية قوية خاصة خلال الحملات الانتخابية. وكان حزب الأصالة والمعاصرة بالأساس مع بعض الجمعيات في مقدمة من قاد حملة قانونية بغطاء علمي للمطالبة بتقنين هذه الزارعة، وباستغلالها طبيا. وبموازاة ذلك، دعا إلى فتح نوع من المصالحة التاريخية عبر التخلي عن متابعة عدد من المزارعين والتجار المحكوم عليهم بتهم زراعة أو تجارة مسموح بها في الواقع ومحرمة في القانون يشتغل بها حوالي مليون شخص. إن فهم هذا الملف الشائك وتفكيك خلفياته قد يساعد كثيرا في فهم ما تعرفه منطقة الريف اليوم من أزمة ومن تهميش تنموي من بين أسبابه، بالذات، زراعة الحشيش. هذه الزراعة الملعونة التي جعلت المنطقة تعيش منذ عقود طويلة وضعية نفسية صعبة ومعقدة جعلت من سكانها منبوذين في وطنهم، وأصبحت أرضهم المفعمة بالتاريخ والنضال أرضا تقرن بالفساد الفلاحي والأخلاقي. إلى جانب حزب الأصالة، كان بعض رجال الأعمال شبه الليبراليين، يواكبون هاته الحملة وينظرون لها لأغراض لا علاقة لها بالليبرالية أو يفهمون منها فقط الأكل والشراب. لكن هدفها الحقيقي كان هو تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية تتمثل في تكريس التسلط وتقوية قبضته، وإبقاء الحال على ما هو عليه خاصة بعد مظاهرات 2011 وتأثيراتها على توازن السلط ومطالبها بالمزيد من الدمقرطة. وكانت الناطقة الرسمية بهذا التيار هي بعض الأوساط الإعلامية الإقتصادية المعروفة بتبخيس السياسة والسياسيين، التي تضع باستمرار جميع الأحزاب في نفس السلة إذا جاز التعبير. بحيث أنها صارت تحمل مسؤولية زراعة الكيف لجميع الأحزاب بدون استثناء منذ الإستقلال إلى اليوم ناسية أو متناسية مسؤولية الإستعمار والسلطة في ذلك، ومسؤولية من جاء بعدهم من لوبيات سياسية ومافيات اقتصادية. وخلال الإنتخابات الجماعية في 2015، تفجر صراع كبير بين حزبي الأصالة والمعاصرة والعدالة والتنمية، تم خلاله استعمال حجج الدين والسياسة ووسائل أخرى، حول مسألة تقنين زراعة الكيف بل إن بعض مرشحي حزب الأصالة دعوا إلى تمرد السكان المزارعين على رجال الدرك وعدم احترام منع الزارعة والتجارة فيها. ومن المعروف، عبر التاريخ الإنتخابي المغربي، أن العديد من تجار المخدرات هم من مرشحي الإنتخابات في المناطق الشمالية وخاصة في الحسيمة وفي طنجة. في تقرير صدر مؤخرا، كشف المرصد الأوربي للمخدرات، مرة أخرى، أن المغرب يبقى هو المصدر الرئيسي للحشيش إلى أوربا. وقدر المرصد القيمة الإجمالية لهذه التجارة بحوالي 13 مليار أورو وهو ما يبين أن قيمة مداخيل هذه الزارعة في المغرب تعرف تزايدا رغم تراجع المساحات المزروعة. كما كشف تقرير الخارجية الأمريكية (جريدة لوموند 30 مارس 2017) أن تجارة الحشيش تمثل 23 بالمائة من الناتج الداخلي الخام المغربي (يقدر بحوالي 100 مليار دولار في 2016). وهي زراعة يستفيد منها تجار الدول الأوربية وشبكات التهريب أكثر من صغار الفلاحين المهمشين في الريف. وتعتبر بعض الأوساط الليبرالية أن هناك تراجعا للدخل في المنطقة بسبب تراجع تجارة الكيف لتبرير الأزمة والحراك الذي تعيشه المنطقة. وهي قراءة، إذا ما صحت، فإنها تسقط في تفسير اقتصادوي يستبعد الأسباب السياسية للأزمة المرتبطة بحاضر التحكم وماضي الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. وكان حزبا الأصالة والإستقلال قد تقدما بمقترحي قانونين إلى البرلمان من أجل تقنين زراعة الحشيش لكن الحلول القانونية وحدها تبقى قاصرة ولا يمكنها أن تثمر، حسب الخبراء، بدون مقاربة شمولية سياسية واقتصادية تقطع مع التوظيف الإنتخابي القصير الأمد الذي يهدف فقط إلى ربح المقاعد في البرلمان. فالنقاش حول تقنين الكيف واستعمالاته الطبية والعلمية يجب أن ينطلق أصلا من المواطنين أنفسهم، كما ينص على ذلك الدستور، وليس من منصات بعض الأحزاب والجمعيات المسخرة. الخبراء يدعون إلى استراتيجية تنبني على مقاربة تشاركية لإقناع السكان، تدريجيا، بالتخلي عن الزراعة وبتحويل المنطقة إلى مركز للسياحة الجبلية والبيئية نظرا للثروات الطبيعية الهائلة التي تتوفر عليها. لكن المزارعين ما زالوا مترددين أمام هاته المشاريع الداعية إلى التقنين. فهم إما يعارضونها معارضة تامة، وإما يؤيدونها ولكنهم يتخوفون في نفس الوقت من أن يستفيد منها في المستقبل أصحاب شركات الصيدلة فقط، بعد أن كان يستفيد منها تجار الحشيش وتجار السياسة.