بعد أن كان من المحظورات في النقاش السياسي بالمغرب طيلة عقود، دخل القنب الهندي، أو الكيف، حلبة السباق السياسي بالدعوة إلى تقنينه لاستعماله في الصناعات الطبية، إسوة بعدد من البلدان الأوروبية، التي سارت في هذا الاتجاه منذ سنوات. الدعوة جاءت مؤخرا من لدن حزب الأصالة والمعاصرة، الذي نظم يوما دراسيا بمقر البرلمان في الأسبوع الماضي حول «الاستعمالات الإيجابية لنبتة الكيف في خلق اقتصاد بديل»، تم خلاله إطلاق الدعوة إلى رفع المنع عن زراعة الكيف، وهي دعوة كان الحزب قد تبناها قبل حوالي أربع سنوات. وجاء اليوم الدراسي لحزب الأصالة والمعاصرة عقب النقاش الذي كان قد فتح قبل أشهر من طرف حزب الاستقلال، بعد خروجه إلى المعارضة، وهو أول حزب سياسي يثير مثل هذا النقاش علنا، بعد التصريحات التي أدلى بها أمينه العام حميد شباط في عدد من جولاته بالأقاليم، حيث طالب بتقنين زراعة القنب الهندي في المناطق التي تعيش على هذه البنية المحظورة. وفي الشهر الماضي طرح رئيس فريق الوحدة والتعادلية فريق الحزب نور الدين مضيان الموضوع خلال اجتماع بمناسبة مناقشة الميزانيات الفرعية للوزارات، بحضور مسؤولين من وزارة الداخلية، حيث طالب بتقنين زراعة القنب الهندي بالمناطق الشمالية، مبررا ذلك بأن زراعة نبتة الكيف تشبه سائر المزروعات الأخرى مثل الشعير والعنب اللذين تستخرج منهما مواد مسكرة ومخدرة، وربط ذلك بالأوضاع الاجتماعية بسبب الإجراءات القانونية المعمول بها ضد هذه الزراعة، حيث أشار إلى أن المزارعين في شمال المملكة، البالغ عددهم 40 ألفا، يعانون من صعوبات جمة، بسبب إصدار مذكرات بحث في حقهم، مما يجعلهم محرومين من حقوقهم الإدارية. وفي نفس السياق كان شباط ومضيان قد عقدا لقاء في منطقة كتامة مع بعض مزارعي الكيف، وكرر الحزب مطلبه بتقنين تلك الزراعة لاستعمالها في الأغراض الطبية في معالجة بعض الأمراض. واليوم، تعتبر الدعوة إلى تقنين زراعة القنب الهندي والاعتراف به دليلا على فشل سياسة الدولة في القضاء على هذه الزراعات، التي رمت إلى محاربتها مقابل إيجاد زراعة بديلة والبحث عن نموذج تنموي في الأقاليم الشمالية يوفر للساكنة اقتصادا بديلا، بضغط من الاتحاد الأوروبي، الذي يشكو من غزو الحشيش المغربي لأراضيه، حيث يقدر أن ثمانين بالمائة من حجم الحشيش المستهلك في الأسواق الأوروبية من إنتاج مغربي. وبالرغم من أن زراعة الكيف في المناطق الشمالية للمغرب تشتغل فيها 100 ألف أسرة تقريبا، فإن تقريرا صادرا في وقت سابق عن المرصد الدولي للمخدرات، التابع لمنظمة الأمم المتحدة، ذكر أن هؤلاء الفلاحين لا يجنون من زراعة الكيف سوى 214 مليون دولار، مقابل 12 مليار دولار هي حجم معاملات سوق القنب الهندي في أوروبا. وهذا يعني أن الفارق بين الرقمين يذهب إلى جيوب أباطرة المخدرات، ويكشف بالتالي أن المستفيد الأكبر من زراعة الكيف بالمغرب هم هؤلاء الأباطرة بدرجة أساسية. ومن شأن تقنين زراعة الكيف أن يحد من شبكة الاتجار الدولي فيها على الصعيد الداخلي، بسبب أن أباطرة المخدرات يستفيدون من إجراءات المنع للتحايل على هذه التجارة غير المشروعة اليوم عبر نسج شبكات تتداخل فيها التجارة مع السياسة والإدارة، كما ظهر ذلك من خلال العديد من حالات الاعتقال في السنوات الماضية، التي كشفت عن وجود تواطؤ بين تجار المخدرات الدوليين ومسؤولين في عدد من المواقع. وقد دفع هذا الوضع بعض الناشطين القريبين من الملف إلى المطالبة في وقت مبكر بتقنين زراعة الكيف، قطعا للطريق على الاتجار الدولي، وكان من بين هؤلاء شكيب الخياري، الذي يعمل اليوم منسقا ل «الائتلاف المغربي من أجل الاستعمال الطبي والصناعي للكيف»، والذي اعتقل عام 2009 وحكم عليه بثلاث سنوات بسبب نشاطاته في مجال محاربة زراعة القنب الهندي وعمله على كشف الخروقات التي تنتشر في هذا المجال، إثر اتهامه ب»تسفيه جهود الدولة» في محاربة المخدرات. غير أن الجانب السياسي من الموضوع يظل حاضرا، في سياق التوقيت الحالي الذي يطرح فيه الموضوع من قبل فريق حزبي من المعارضة. فزراعة الكيف تشغل الآلاف من الأسر في الشمال والريف، وهو ما يجعل التحرك في هذا التوقيت ذا طابع انتخابي، خصوصا أن الانتخابات الجماعية على الأبواب، وهناك توجس من حزب العدالة والتنمية، الذي يتخوف البعض من احتمال حصوله على موقع متقدم في هذه الانتخابات، حتى إن كانت المعارضة تنتقد أداءه الحكومي، وتعتبر أن هذا الأداء ضرب شعبية الحزب الانتخابية.