المكان: أحد أفخم الفنادق في منطقة كتامة، الزمان: الأحد 17 ماي 2009، الحدث: فؤاد الهمة يدافع شخصيا عن حق الفلاحين في زراعة “الحشيش” باعتبارها زراعة معروفة منذ القدم(..) المصدر: عامان بعد ذلك يظهر حميد شباط قرب نفس المنطقة بصفته عضوا في اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال ليوجه رسالة إلى الوزير الأول وقتها “عباس الفاسي” يطلب منه العفو عن مزارعي الحشيش الهاربين حتى يتمكنوا من التصويت على دستور 2011 “موقع زابريس: 22 يونيو 2011 ″. مرت الأيام ولم تتحقق رغبة الهمة في “تقنين الكيف”، ولم تتحقق أمنية شباط في العفو عن مزارعي “العشبة الخضراء”(..) ولكن النقاش نفسه يتكرر اليوم مع وصول شباط إلى الأمانة العامة لحزب الاستقلال، بينما يظهر أن حزب الأصالة والمعاصرة هو الذي سيحل محل “فؤاد الهمة” للدفاع عن تقنين الكيف، فموقعه اليوم إلى جانب الملك لم يعد يسمح له بإلقاء خطابات من النوع الذي كان يلقيه سنة 2009 وقبلها . الرباط: سعيد الريحاني قد يعتقد البعض أن الدعوة إلى تقنين الحشيش صادرة عن حزب الاستقلال على اعتبار أن رئيس الفريق نور الدين مضيان القادم من الحسيمة هو أكثر البرلمانيين تحمسا لهذا الموضوع، “زراعة الكيف مثلها مثل زراعة الكرموص” (حواره مع الأسبوع عدد 31 يناير 2013)، ولكن أول برلماني دافع بشكل صريح عن تقنين “الحشيش” كان هو فؤاد الهمة، الذي كان قد خرج للتو من وزارة الداخلية ليتفرغ لممارسة الشأن السياسي (..). فقد أخذ الهمة سنة 2009 مكانه بين المدعوين للقاء حزب الأصالة والمعاصرة في منطقة كتامة سنة 2009، ليسمع شكايات أبناء المنطقة الذين كانوا يتحدثون عن مسلسل الرعب الذي يعيشونه نتيجة المتابعات القضائية، التي تشنها السلطات المحلية ضدهم (..) وقتها أعلن الهمة عن تنظيم أيام وطنية من طرف حزب الأصالة والمعاصرة “لمصالحة سكان المنطقة مع السلطات فيما يخص المتابعات القضائية ضدهم والتي أعلن عن مشاركة كل السلطات فيها سواء الحكومية أو الإدارية حتى لا يبقى سكان المنطقة فريسة في أيدي لوبيات المنطقة”، حسب ما تداولته القصاصات الإخبارية، التي نسبت إلى الهمة قوله:”إن الهاربين خاصهم يهبطوا من الجبل ونجلسوا معاهم”. في هذا اللقاء كان الهمة حاضرا إلى جانب الأمين العام السابق للحزب الشيخ بيد الله، وعلي بلحاج الأمين العام السابق لحزب رابطة الحريات الذي وجد ضالته في حزب الأصالة والمعاصرة (..) بينما تكلف القيادي إلياس العماري بالهجوم على الوزير الأول عباس الفاسي، وكان لافتا للانتباه أن اللقاء بدأ بتلاوة القرآن الكريم: “يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي…” وتلاها النشيد الوطني، وربما لن ينسى سكان كتامة ذلك المشهد عندما كان الهمة يلقي خطابه بينما تقاطعه جموع الحاضرين برفع شعار عاش الملك، قبل أن يتكلف نائب رئيس الجماعة المذكورة برفع برقية ولاء وإخلاص للملك باسم سكان كتامة. شكيب الخياري.. أول مدافع عن “تقنين الكيف” تسلسل للأحداث كان له طابع المفاجأة فهذه هي المرة الأولى التي يتجرأ فيها ممثل مؤسسة رسمية على الدفاع عن شريحة معينة من السكان لم يتجرأ أحد في الدفاع عنها، باستثناء مبادرات المجتمع المدني والتي كانت تواجه بالقمع والسجن أحيانا(..) “فبينما كان الهمة يدعو إلى تقنين زراعة القنب الهندي في كلمة له أمام سكان منطقة كتامة، الشهيرة بتجارة المخدرات، كان شكيب الخياري، الناشط الحقوقي، مازال يقبع في سجن عكاشة بسبب دعواته المتكررة إلى تقنين هذا النوع من الزراعة، واتهامه بتسفيه مجهودات الدولة في مجال محاربة القنب الهندي”، (المساء 20 ماي 2009). حالة الناشط شكيب الخياري الذي تولى فيما بعد مهمة منسق “الائتلاف المغربي من أجل الاستعمال الطبي والصناعي للكيف” تتشابه مع حالة أخرى، وهي حالة “أصحاب رسالة إلى التاريخ” عندما تحدث بعض المحامين عما أسموه «تفشيا لمظاهر الفساد بمحاكم الشمال»، و”تأثير تجار المخدرات على سلك القضاء”، إذ التمست النيابة العامة التشطيب على ثلاثة منهم وهم: الحبيب حاجي، وعبد اللطيف قنجاع، وخالد بورحايل، والتوقيف لمدة محددة في حق شرف شقارة، ومحمد أجعوب، باعتبارهم أخلوا بالمروءة والشرف وقاموا بسب وقذف هيئة يفترض أنهم ينتمون إليها. كل هذه القضايا تؤكد أن معركة “الدفاع عن تقنين زراعة الكيف” انطلقت مبكرا في المغرب، لنصل اليوم إلى “شبه إجماع برلماني” على ضرورة مناقشة الأمر، أليس في ذلك ظلم لهؤلاء المناضلين؟ ألا يستحقون جلسات للإنصاف والمصالحة طالما دخلوا إلى السجن في سبيل ذلك (..)؟ هذا هو السؤال الذي يمكن طرحه في حالة تقنين الزراعة التي ظلت محرمة على المغاربة. أموال المخدرات في البرلمان الحديث عن تقنين زراعة القنب الهندي، أمر عادي إذا أخذنا بعين الاعتبار أن بعض الدول الأوربية تناقش نفس الأمر، لكن في الحالة المغربية تظهر تخوفات كثيرة من إمكانية استغلال هذا الملف لأغراض سياسية وربما التأثير في نتائج الانتخابات، خاصة أن السياسيين أنفسهم يشهدون باختراق أموال المخدرات للبرلمان المغربي، أليس القيادي الاتحادي وبرلماني منطقة السطات عبد الهادي خيرات هو من قال: “ثلث البرلمان المغربي يتكون من تجار المخدرات” مباشرة على شاشة التلفزيون في شتنبر سنة 2009، أليس خيرات هو من قال في نفس اللقاء التلفزي إن ثمن الأصوات خلال انتخابات المجالس الجماعية والبلدية الأخيرة بلغ 6000 درهم، وفي مناطق أخرى 10 آلاف درهم(..). تصريح من هذا القبيل كان يتطلب دخول وكيل الملك على الخط لكن الدولة سكتت، لتترك الباب مفتوحا على مصراعيه أمام التأويل وتنامي الإشاعات(..) بل إن السؤال الذي يغدو مطروحا في هذه الحالة بمناسبة هذا التحرك البرلماني الغير مسبوق هو: كيف يمكن التأكد من حسن نية البرلمانيين الذين يدافعون عن “تقنين الحشيش”؟ فوجود تجار داخل البرلمان حسب ما قاله خيرات يفترض وجود برلمانيين يمكنهم دفع الملايير لزملائهم من أجل سن تشريع على المقاس (..). داخل قبة البرلمان تروج اليوم لوائح لجمع التوقيعات من أجل المطالبة بالعفو عن مزارعي الحشيش، بل إن كنزة الغالي البرلمانية الاستقلالية عن دائرة تاونات صاحبة المبادرة تقول: “إن عدد المزارعين المبحوث عنهم يفوق 140 ألف شخص وليسوا 40 ألفا كما يقال، مما يعني أن أسرا كثيرة تعيش معاناة اجتماعية غير مسبوقة تستوجب انخراط الجميع فيها..”. لكن البرلمانية المعنية باللائحة والتي يبدو أن مقترحها لم يلق المساندة اللازمة، ولربما ذلك راجع إلى التخوف الذي عبر عنه البعض من إمكانية استغلال هذا الموضوع ل”دس” أسماء أباطرة مخدرات مسجونين وسط لوائح طلب العفو الخاصة بالمزارعين المساكين (..). ثم إن الحديث عن تقنين الكيف مازال إلى حدود اليوم غارقا في الحديث عن مميزات زراعة القنب الهندي من الناحية الاقتصادية لكن لا أحد تحدث عن انعكاس ذلك على محاربة ظاهرة تجارة المخدرات التي انخرط فيها المغرب منذ مدة طويلة (..). أموال المخدرات والحملات الانتخابية بات مألوفا أن يتم الحديث عن بعض البرلمانيين بمناسبة تفكيك شبكات تهريب المخدرات، لكن المثال الأبرز حتى الآن كامن في ارتباط بعض النواب بشبكات دولية للتجارة في المخدرات، يبقى هو حالة البرلماني الريفي السابق سعيد شعو، هذا الأخير تمكن من الهروب من المغرب، وطويت الصفحة بالحكم على زعيم الشبكة الزعيمي بالإعدام بينما أدين العميد محمد جلماد الرئيس السابق للمنطقة الإقليمية للناظور، بالسجن ثلاث سنوات، “ولعله من غرائب هذا الملف الذي هرب بسببه البرلماني سعيد شعو إلى هولندا، أن يقف العميد جلماد اليوم أمام محكمة الاستئناف بالدار البيضاء ليبحث عن براءته من المنسوب إليه والحال أنه قضى عقوبته كاملة داخل السجن وهي ثلاث سنوات، (الأسبوع 5 شتنبر 2013). ارتباط “مافيا المخدرات” ببعض النواب يظهر جليا في قضية البرلماني سعيد شعو، لكن مادام سعيد شعو نفسه هاربا في هولندا محملا بأطنان الأسرار ومادام يكتفي بإلقاء التهم من الخارج، حيث لا يتردد في القول إن الملف مفبرك، فإن لغز هذه العلاقة يبقى مبهما، وربما رغم ان شعو ما فتئ يقول بأن “أعداء النزاهة والديمقراطية” هم الذين من مصلحتهم تدبير مؤامرة ضده، (حوار سعيد شعو مع موقع “هسبريس” 8 مارس 2013). عندما طالب الاستقلاليون بالتحقيق في طريقة نجاح بنشماس من الملفات القديمة والتي لم يعد لها أثر، ذلك اليوم الذي انبرت فيه العصبة المغربية لحقوق الإنسان للدفاع عن الإنسان، لتطالب بالتحقيق في تصريحات مستشار جماعي ببلدية تمارة قال إن التصويت لصالح قطب الأصالة والمعاصرة حكيم بنشماس في الانتخابات الجماعية سنة 2009 حصل بمقابل مادي (..). تصريح من هذا النوع “الطائش” والذي لم يفتح أي تحقيق بشأنه، تزامن الخوض فيه مع الحديث عن “رجل أعمال” تم اختطافه بطريقة هوليودية من مدينة تمارة، قالت عنه جريدة “العلم” بأنه “الممول الرئيس لعدد من الوجوه السياسية الريفية خصوصا المنتمية لحزب الأصالة والمعاصرة (العلم 1 يوليوز 2011). ورغم تقل الاتهامات المتبادلة بين الاستقلاليين و”الباميين” (نسبة على البام) فإن الملف ظل جامدا في مكانه، رغم أن بنشماس نفسه طالب بالتحقيق في ذلك في رسالة وجهها إلى وزير العدل وقتها.
أنصار زراعة الكيف يسابقون الزمن قبل سنة 2016 ماذا يريد مناصرو “تقنين زراعة الحشيش”؟ لا أحد يعرف الجواب بالضبط طالما أن النقاش اليوم مازال غارقا في “الحلال والحرام” تحت قبة البرلمان (..) غير أن بعض المقترحات بهذا الخصوص تظهر جلية في “نموذج لمقترح قانون لتقنين زراعة واستغلال الكيف الطبي والصناعي” تقدم به الناشط الجمعوي شكيب الخياري بدعم من طرف عدة جهات (..). “يقوم المكتب الوطني للكيف بإنتاج الكيف وبذوره للأغراض الطبية والصناعية مع الأخذ بعين الاعتبار مجموع التقديرات الخاصة بالكيف بالنسبة للمغرب، ويزود المؤسسات الصيدلية بالكيف المجفف(..) يتم تنظيم بذور الكيف الطبي والاتجار فيها واستيرادها وتصديرها وفق التشريعات المنظمة لإنتاج البدور والاتجار فيها واستيرادها أو تصديرها..” (المادة 69 و70 من مقترح قانون تقنين الكيف الذي توصل به بعض الفرق البرلمانية من لدن رئيس “الائتلاف المغربي من أجل الاستعمال الطبي والصناعي للكيف”. هكذا يظهر أن زراعة الكيف ستتحول إلى نشاط عادي مثله مثل زراعة البذور وربما سيحظى هو الآخر بالدعم من طرف مخطط المغرب الأخضر والقرض الفلاحي مستقبلا، في حالة مرور قانون من هذا النوع.
إلى هنا يطرح سؤال: لماذا يصر الناشطون السياسيون والمدنيون على تمرير قانون لتقنين زراعة الكيف في هذا الوقت بالذات؟ الجواب على لسان شكيب الخياري نفسه يقول فيه ما يلي :” لأن هناك قمة عالمية سنة 2016 ستبدأ في نقاش الاستهلاك الترفيهي للكيف وإمكانية السماح به، وعلى المغرب أن يحسم في موضوع الاستعمالات الطبية والصناعية، حتى تكون عنده حصيلة يقدمها للعالم حينذاك”(..) المتحدث نفسه يقول إن ظهور هذا القانون لا يجب أن يتعدى سنة 2015، علما أن أنصار تقنين زراعة الكيف: يعتبرون: “أن فكرة تقنين زراعة واستغلال الكيف لأغراض طبية وصناعية قد طرحت كبديل واقعي للاتجار غير المشروع في هذه النبتة ومشتقاتها، بعد ثبوت عدم جدوى الحرب عليها من لدن الدول بتوجيه من الأممالمتحدة والاتحاد الأوربي، وهي الحرب التي ثبت لاحقا حتى بالنسبة لعدد من دعاتها على أنها كانت حربا خاطئة من أساسها، حيث لم تزد سوى في معاناة مزارعي الكيف وأسرهم(..)”. هكذا يتضح أن مساندي مقترح القانون الجديد يعتقدون أن القانون سيحل مشكلة المزارعين، لكن الجزئية التي غابت عن الجميع هي أن الزراعات المزروعة في المغرب اليوم أكثر بكثير مما سيكون عليه الحال بعد التقنين وربما لن يحتاج المغرب إلا لعشر المساحات المزروعة حسب بعض المتتبعين.