قد يعتقد البعض عن وعي أو بدونه، أن منح أو توشيح مجموعة من الأفراد بالأوسمة، هو من قبيل الرضى عنهم أو مباركتهم على أفعالهم في مختلف الميادين، لكن هناك جانب آخر يجب التركيز عليه في نظري، يتعلق بنتائج التوشيح والعطايا والمنح لهؤلاء الناس. فالعادة، اقتضت منذ زمن بعيد أن يتم تقديم الهدايا والأعطيات من الحكام والأمراء، لبعض من رعايا شعوبهم، إما جزاء على عمل ما، أو تقربا منهم لقضاء غرض معين، أو منعا لسخطهم على من يقودون الأوطان ضدا عليهم (شراء الضمائر بلغة السياسيين). لذلك، خلال السنوات القليلة الماضية، من عهد حكم الملك محمد السادس، منح الأوسمة والكريمات (رخص الريع)، لا يكون اعتباطا أبدا، بل هو تقليد، دأب عليه من يحكمون البلاد، لتطويع رؤوس أغلب العباد، وتوجيه عقولهم نحو هدف معين بعد حصولهم على عطايا السدة العالية، بما يجعل من المتوجين أناس طيعين وموافقين لجل ما يقوله النظام دون تردد أبدا. والملاحظ، أن من بين الفئة المستهدفة بالتوشيح، جمع من الشباب، جيل صاعد يتميز بنوع مختلف في التفكير والثقافة، سماته اللهو والطرب، والرقص والغناء، جل حياته، هو الركح فوق خشبات المسرح والصراخ عاليا، بقوة من غير فائدة تذكر. هذا ما جعل العديد من الناس، يتساءلون عن سبب تكريم هؤلاء البشر، دون غيرهم من شباب الوطن أو كهوله الذين قدموا الشيء الكثير في ميادين شتى داخل المغرب أو خارجه، ولا عجب في استغراب المواطن اليوم إن هو سمع أن خير ما يمكن أن يتبع في بلادي للحصول على المناصب والرتب هو عمل فعل منكر، الشيء الذي يضرب في العمق، منظومة القيم والتعليم والتربية، رغم علاتها، ويهدم صرح العز والشرف المعتبر. ما هو حلمك يا صغيري؟ حلمي أن أصير مثل فلان المغني ... لماذا؟ لأنه نموذج يُحتذى به ويُشكر. قد يقول قائل إن هؤلاء هم أيضا مغاربة بشر، صبروا واشتغلوا، كونوا أنفسهم في مجالات عملهم، وجعلوا حياتهم مثالا لبني البشر، أليس من حقهم في الأخير هدية ولو كانت من يد ملك البلاد أو أكثر؟ نعم كلامك صحيح، أو قل أن شئت هو كلام حق أريد به باطل يُنشر، لأن تكوين الشخص و اجتهاده في عمله، شيء حسن ورائع معتبر، لكن دعني أسألك: ما الفائدة التي عمت البلد بعد صدور منتوجاتهم لعموم الأفراد والمجتمع؟ هل تم القضاء على البطالة أو وُجد حل لمرضى داء السكر؟ هل تفوقنا على باقي الأمم في البحث العلمي أو تم اختراع جديد فيه خير للبشر؟ هل أصبحت إداراتنا وفضاءاتها العمومية تعرف تحسن في الخدمات أو وقع فيها تغير؟ لا، لا شيء مما سبق قد تحقق أو أنجز...آه.شكرا على التذكير، فالحال شاهد على ما أقول، بل أصبح لدينا غضب أكبر. إذن، ما الغاية من توشيح هؤلاء، إذا لم يكن لديهم تاريخ في العلم أو الثقافة أو الأدب؟ ما الهدف الذي يريد المخزن وحكام البلاد إيصاله للناس، خصوصا شباب الأمة والمراهقين منهم بدرجة أولى على خطر؟ إن غياب المثقف (أو تغييبه عن عمد عن صح التعبير) عن ساحة التغيير، سواء بيننا في العالم الواقعي، أو على مواقع التواصل الاجتماعي الافتراضية، دليل على التأثير الكبير لهذا النوع من الغيابات، لفئة يفترض فيها قيادة الأمة وتخطيط معالم النهوض الحضاري فيها، وبناء الوعي الجمعي، وحض الناس على ضرورة التفكير باعتباره فعلا أساسيا من أفعال الرقي بالمجتمع وفهم مشكلاته الحقيقية، وإيجاد حلول ناجعة لها. إن ما نعيشه اليوم، دليل على وجود فجوة كبيرة بين ما يريده الشعب وما يحتاجه، وفكر القائمين على شؤون البلاد والعباد، فلكي تستطيع التحكم والسيطرة بشكل شبه كلي على الناس، يجب عليك أن تركز انتباههم وشغلهم الشاغل في أمور تافهة لا علاقة لها بمعيشهم اليومي، تقديم نماذج وأنماط من سبل الحياة مُمَيعة وذات مغزى فارغ، وتحيط هذا الكم الهائل من الترهات بقبضة إعلامية دورها الأساس تسطيح الوعي، وتنويم الفكر المجتمعي، داخل غرفة من الأحلام بديكورات مزركشة لا أبيض فيها ولا أسود، تؤدي دور الحياة البراقة الزاهية وتعطي مغالطات عن واقع وردي لا يتم للحقيقة بصلة. نعوم تشومسكي، المفكر الأمريكي وعالم اللسانيات، ذكر في أحد كتبه أن من بين أهم العناصر التي تستطيع من خلال الأنظمة الاستبدادية التحكم في شعوبها هناك عنصران هما: " الإلهاء، ومخاطبة الجماهير كالأطفال ". وبالتالي، فعندما يتم إلهاء الشعب بتفاهة تضخم إعلاميا، ويتم تمريرها في خطابات تُحدِث الناس بعقلية الأطفال، تقع الكارثة. في الأخير أود القول بأن التوشيحات ستظل، لكن هل ستعطى لأهلها في المرة القادمة أم أننا سنرى وجوه البؤس مرة أخرى أكثر؟ جواب هذا السؤال سيُظهر مدى وعي المجتمع وإحساسه بنفسه أكثر، أو أن الأمة لازالت نائمة الى وقت غير معلوم. إلى اللقاء في مناسبات أخرى، شكرا.