عكس كثير من الدول العربية، اتخذ المغرب موقفا محايدا من أزمة الخليج التي فجرتها 4 دول بإعلان مقاطعة قطر، معلنا استعداده لرأب الصدع بين الأشقاء الخليجيين عبر الحوار، تلته خطوات عملية بانتقال وزير الخارجية إلى الإمارات والكويت والسعودية، وإرسال طائرات محملة بمواد غذائية إلى قطر. العلاقة القوية التي تجمع المغرب بدول الخليج تؤهله، وفق محللين، إلى القيام بوساطة حاسمة لحل الأزمة باعتباره أكثر دولة عربية مقربة من الخليج، خاصة في ظل المصداقية التي يتمتع بها لدى مختلف الأطراف الخليجية، فهل ستكون وساطة المغرب خطوة لإعادة قطر إلى البيت الخليجي، أم أنها تبقى مجرد موقف للحفاظ على قوة علاقاته مع كل الأطراف؟ أفضل وسيط محمد العمراني بوخبزة، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة عبد المالك السعدي بطنجة، قال إنه لا يوجد أي طرف يمكنه أن يقوم بدور الوساطة في أزمة الخليج أفضل من المغرب، نظرا للمصداقية التي يتمتع بها لدى جميع الأطراف، خاصة وأن الأشقاء الخليجيين يحتاجون الآن لقنوات للتواصل، لذلك وجود وزير الخارجية ناصر بوريطة في المنطقة، يأتي من أجل الدفع بخيار الوساطة إلى الأمام. وأوضح بوخبزة في تصريح لجريدة "العمق"، أن المغرب لم ينسق وراء الموقف السعودي أو الإماراتي رقم قوة العلاقات معهما، وبالرغم من كون العاهل السعودي كان قد جعل من مدينة طنجة عاصمة سياسية لبلده حين أقام فيها طويلا واستقبل فيها قادة دول، مشيرا إلى أن المغرب واكب موقفه عبر خطوات عملية، من خلال إجراء اتصالات مع قادة الخليج وإرسال المساعدات لدولة قطر، ثم زيارة وزير الخارجية إلى الإمارات والكويت، لافتا إلى أن المغرب يعي جيدا أنه لن يستفيد إطلاقا من صراع الخليجيين. وأضاف أن المغرب يراهن على بقاء دول الخليج مجتمعة لأن مصلحته في وحدة الخليج، مشيرا إلى أن الموقف المغربي ليس محايدا بل حاول التذكير بضرورة الرجوع إلى الحوار والتفاوض، وهو لم يتسرع في اتخاذ الموقف عكس عدد من القوى الدولية الإقليمية، بل تريث وقام بقراءة متأنية لما وقع وقرأ المواقف الدولية قبل الإعلان عن موقفه، لذلك لم يصدر بلاغ الخارجية مباشرة بعد إعلان قطع العلاقات، بل تأخر لأيام. واعتبر بوخبزة، أن المغرب لم يبد أي موقف تابع لطرف معين، بل نادى باستقلالية القرار الدبلوماسي وألا يعتمد على توجيهات معينة، خاصة وأنه أصبح مؤخرا يقول "لا" في وجه الدول الكبرى في عدد من الملفات، وهو ما جعله يناشد دول الخليج بأن تستقل برأيها وتكون براغماتية في الحفاظ على مصالحها. موقف للحفاظ على موقع بالمقابل، اعتبر عبد الرحيم العلام، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش، أن المغرب لجأ إلى ورقة الوساطة من أجل الحفاظ على موقعه لدى دول الخليج في ظل العلاقات القوية التي يتمتع بها مع جميع الأطراف، ولم يكن منطلقه الوساطة لحل الخلاف، وذلك باعتباره عنصرا محايدا رغم أنه بدا منحازا لقطر في موقف شبه إنساني بإرساله المساعدات الغذائية، وفق تعبيره. وأضاف المحلل السياسي في تصريح لجريدة "العمق"، أن موقف المغرب فاجأ الخليجيين وكان غير متوقع، بالنظر للعلاقات التاريخية بينه وبين السعودية والإمارات والدعم المادي والسياسي الذي يتلقاه من طرفهما، خاصة في ملف الصحراء المغربية، غير أنه لم يستجب إلى جانب تونس لخيار مقاطعة قطر كما فعلت عدد من الدول العربية. وأشار إلى أن المغرب لا يراهن على نجاح وساطته بقدر ما يريد إرسال رسائل للسعوديين والإماراتيين "بأننا لا نرغب أن نراكم إلا متوحدين جميعا في الخليج"، وظهر ذلك من خلال تطرق بلاغ الخارجية لتدخل قوى خارجية في الأزمة، في إشارة إلى تركياوإيران، حسب قوله. وأوضح المتحدث أن المغرب استفاد من خطأ 2009 حين قطع علاقاته الدبلوماسية مع إيران بسبب البحرين وجلب العداء مع الدولة الفارسية، بينما حافظت دول الخليج على سفرائها في طهران، قبل أن يتدارك الخطأ ويعيد العلاقات مؤخرا، مشيرا إلى أن ما سماها "علاقة التبعية" بالسعودية أدى المغرب ثمنها عبر الجانب الآخر من خلال علاقته بقطر، قبل أن يقرر تطبيع العلاقة مع الدوحة وهو ما أكسبه حياد قناة الجزيرة في قضايا المغرب، ونزول قطر بثقلها في مشاريع كبرى في عدة قطاعات بالمغرب. واعتبر العلام أن المغرب له عناصر قوة تجعله يتفادى غضب الإمارات والسعودية عليه، أبرزها دعمه لسيادة الإمارات على جزرها الثلاث، وقطع علاقاته الدبلوماسية مع إيران تضامنا مع البحرين، ثم مشاركته في التحالف العربي في اليمن، حيث سقط جنود مغاربة قتلى هناك، وهو ما يجعل موقفه شبيها بموقف تركيا وسلطة عمان. وتابع قوله: "سلطة عمان هي نموذج يحتدى به للمغرب بالنظر لكونها صديقة للجميع وفتحت منافذ جوية وبحرية لقطر، عكس الأردنموريتانيا ودول أخرى استجابت لضغط السعودية والإمارات"، إضافة إلى أن التجربة الدبلوماسية المغربية أظهرت أخطاء، جعلت المغرب يفكر ببراغماتية في مواقفه الخارجية. وشدد على أن المغرب يُحسب له تاريخيا أنه يحاول ما أمكن ألا يرتمي كليا بين أحضان الخليج رغم استفادته من دعمهم، لكن ليس على حساب استقلالية قراره، خاصة بعد الأخطاء الدبلوماسية التي ارتكبها سابقا، على حد قوله.