تحدثت جرائد ورقية وإلكترونية عما نشرته إحدى الكويتبات في صفحتها على الفايسبوك، هي "كاتبة رأي" في إحدى الجرائد التابعة لشخصية قالت إنها جاءت لمحاربة الإسلاميىن، وقالت عن إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم إنها تنشر فكر الإرهاب والتطرف.. ولست مهتما بما "يحرره" كتبة الرأي في تلك الجريدة أو غيرها من الجرائد التافهة التي لا يخرج قارئها بطائل سوى أن يرتفع ضغطه أو تنسد شرايينه. بيد أن الجرأة عند تلك الكويتبة كانت أضعافا مضاعفة تخطت كل حدود "المقدس" كما يسميه أناس. والحق أني ما إن عرفت اسم الكويتبة: "زينب بنموسى" حتى لاحت أمامي مفارقات عدة، وتداعت إلى مخيلتي شخصيات تشاطرها الاسم واللقب كليهما؛ لقد تذكرت زينب أم المؤمنين، وزينب بنت النبي الأمين، وزينب بنت علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، وزينب النفزاوية زوج ومستشارة ابن تاشفين... وكل هؤلاء نساء عظيمات سطر التاريخ أخبارهن إقرارا بفضلهن وتخليدا لذكرهن. أما اللقب فأحالني على شخصية وحيدة، إنه القارئ المرحوم عبد الرحمن بنموسى، الذي كانت تبث الإذاعة الوطنية تلاوته لربع حزب من الكتاب العزيز كل صباح، فكنت أتأثر كثيرا بقراءته العذبة وبصوته المفعم بالحنان، فورث قلبي حب ذلك الرجل إلى الآن... المفارقة أن كويتبة الرأي تجازوت كل الحدود، وتركت الحبل على الغارب، فأعلنت على الملإ إلحادها، وذاك شأنها، فمشكلاتنا كثيرة، ولا وقت لتبديده في الرد على امرأة تافهة تبحث عن الشهرة، كالأعربي الذي بال في ماء زمزم... وإذا كانت كويتبة العصر اختارت لنفسها فوضى فكرية، فإنه ليس لها أن تتطاول على الشعب المغربي المسلم وعلى نبيه الكريم، فقد شبهت غار حراء مُتَحَنَّثُه –صلى الله عليه وسلم- بالمرحاض، ولو كانت تعقل لعرفت أن تحنث سيدي وحبيبي في الغار كان اختلاء بالنفس وتأملا للكون وفرارا من الوثنية... وفي تطاولها على النبي الكريم اتهمته –عليه السلام- بالجبن في إشارتها إلى كتمان دعوته المباركة في سني الدعوة الأولى، وما علمت أنه أشجع الشجعان وسيد الفرسان... ولم تقف وقاحتها عند هذا الحد، بل تجازوته إلى إظهار الفرح بالتفجيرات الإرهابية التي نالت مدينته المنورة التي ذاب شعراء المغاربة شوقا إليها، فقالوا في ذلك القصائد المهيجة على البكاء الفياضة بالحنين إليها وإلى ساكنها، عليه أفضل الصلاة والسلام. وبغض الطرف عما في الفرح بمصاب المدينة النبوية من إشادة بالإرهاب مما يعاقب عليه القانون، فإن فيه دلالة واضحة على البغض الدفين الذي تكنه الكويتبة لشخص النبي الكريم. وللقارئ أن يقارن هذا الموقف الصفيق بما كان عليه مالك، إمام المغاربة، من عدم ركوبه الدواب في المدينة وتربها المعطار الذي يحضن رسول الله، توقيرا له وتعظيما. ولما كانت الكويتبة قد شهدت على نفسها بالإلحاد، فلا عجب إذا من قلة أدبها مع سيد البشرية، بيد أن وقاحتها لا تتوافق مع ما يتبجح به الملاحدة من احترام الأديان ورموزها، فهم ما يفتؤون يعبرون عن تقديرهم لديانات مغرقة في الخرافة والوثنية واحترامهم لأتباعها ورموزها، فكان الأولى بالكويتبة السخيفة أن تداري بغضها للنبي –صلى الله عليه وسلم- مراعاة للشعب المغربي الذي تقيم بين ظهرانيه، وهو شعب مسلم، محب لنبيه، لا يكاد يخلو بيت من ابن يحمل اسمه تعبيرا عن حبه، شعب شغوف بكتاب "الشفا بتعريف حقوق المصطفى"، شعب إذا خرج فلاحوه إلى حقولهم ترنموا بالصلاة والسلام على نبيهم؛ فإذا حانت ذكرى المولد، مولد الهدى والنور والطهر والخير، فرحوا بالذكرى العظيمة ورجوا الشفاعة المخبوءة... لقد كان حريا بتلك الوقحة أن تغالب قيأها النتن في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا توقيرا وتعزيرا له فذاك شرف لا يناله أي كان، بل احتراما لهذا الشعب الذي يحبه... وإذا تركنا هذه الصفحة السوداء من التطاول على المقام الشريف وقلة الأدب معه، فإن الحرية الفردية والتعايش في ظل الاختلاف في ملة الكويتبة واعتقادها ليس سوى سراب؛ فكل الكتاب الذين يصفون أنفسهم بالحداثيين، ما يفتؤون يتغنون بقيمة الحرية وأنه لا يعلى عليها وأن الناس أحرار في اختياراتهم... إلا أن كويتبة الرأي تتبجح بأمنية حقيرة، وهي تفجير قنينة غاز في جموع المسلمين، معلنة كفرها بما يرفعه أمثالها من شعارات رنانة، من مثل "تقديس الحياة الإنسانية"... وهؤلاء المسلمون الذين ترغب الكويتبة في إبادتهم، هم مغاربة إخوانها في الوطن، غير أنهم أبوا أن يكونوا إخوانها في الإلحاد والسخرية من هادي البرية وسيد البشرية. وللمرء أن يتساءل: ما سر ولع هذه الكويتبة "الحداثية" بالتفجير؛ فمرة تفرح بتفجير الحرم النبوي وأخرى تتمنى لو قامت بتفجير إرهابي توقع به أكبر عدد من الضحايا... فأي فكر هذا الذي يفرح بالإرهاب، بل يتوق إليه؟! إن تتبع سفاهات الكويتبة يطول... وحسبي أن أتوقف عند بعض أمانيها؛ فهي تتمنى إعدام الرئيس المصري محمد مرسي، وسجن السيد محمد الفزازي، وتعذيب الشيخ العلامة يوسف القرضاوي.. والحق أني عجبت كثيرا لقسوة هذه المحسوبة على "الحداثيين" المحبين للحياة الذين ما يزالون يملأون الدنيا ضجيجا بالدعوة إلى إلغاء عقوبة الإعدام، حتى على عتاة المجرمين والقتلة! ولكنها تريد الإعدام لمرسي، الرئيس الشرعي المنتخب الذي بغى الخير لشعبه ووطنه، ولكن كويتبة العصر كفرت بالديمقراطية وبإرادة الشعب، وكان الأولى بها أن تدافع عن الديمقراطية الموؤودة لا أن تدعو إلى الإجهاز على أحد رموزها، ولكن مرسي إسلامي، وتلك جريمة لا تغتفر، فلا بد من إعدامه... أما الفزازي فقد تمنت له السجن، وهذا دليل أنها تكره النموذج الذي يجسده، فقد تراجع عن آراء شاذة كان قد اختارها في يوم من الأيام، وتاب عن تكفير الديمقراطية والحكام ، وأنشأ اليوم جمعية لنشر فكره الجديد في العلن، بل صلى خلفه ملك البلاد.. فماذا تريد صاحبتنا، أن يبقى الرجل على ضلاله القديم؟؟ أما يوسف القرضاوي الشيخ العلامة والمفكر العظيم، فمنى الكويتبة تعذيبه! أليس التعذيب جريمة في عرف القانون؟؟ أليس دليلا على الانحطاط الخلقي؟؟ أليس من تجليات التخلف؟؟ ولم يعذب القرضاوي في كبرته وقد شاب شعره ووهن عظمه وتهدج صوته؟؟ لم يعذب القرضاوي وهو إمام العصر والعالم الفذ الذي نذر حياته لدينه وأمته؛ يطوف العالم منافحا عن الوسطية والاعتدال ومحاربا الغلو والتشدد، يؤلف الكتب العظيمة بفكر نير وتحليل عميق وجرأة في المواقف في إيثار بديع للحق على الخلق؟ ثم إن الرجل قد نال نصيبه الوافر من التعذيب أيام عبد الناصر، ففي مذكراته البديعة: "ابن القرية والكتاب" من ذلك ما تهنأ به "صاحبتنا" وتطيب نفسها وتقر عينها... فاعجب إن شئت من هذا الفكر الشائه الكسيح المكب على وجهه، وهيهات هيهات لو كان يجدي العجب... جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "العمق المغربي"