مديرية الدراسات: 58 مليون مشترك في الهاتف المحمول مع نهاية العام الماضي    خط جوي مباشر بين أتلانتا ومراكش بمعدل 3 رحلات أسبوعية ابتداء من أكتوبر 2025    طاقم تحكيمي صومالي يقود مباراة المغرب والنيجر في تصفيات مونديال 2026    توقعات الطقس ليوم غد السبت: أجواء باردة وتساقطات ثلجية متوقعة    تتطلب إعادة النظر في الأنشطة الملكية المعتادة خلال شهر رمضان المبارك .. جلالة الملك محمد السادس يواصل حصص التأهيل الوظيفي عقب العملية الجراحية    شهر رمضان في مازاغان : تجربة طهي تجمع بين الأصالة والرقي    قمة نهضة بركان والوداد في الواجهة ولقاءات مصيرية في أسفل الترتيب    الوقاية المدنية تحتفي بيومها العالمي بجهة طنجة-تطوان-الحسيمة    موسوعة "أنطولوجيا الكاتبة المغربية" للكاتب حسن بيريش    ندوة لاس بالماس: شيوخ القبائل الصحراوية يدعون لحل سلمي لقضية الصحراء المغربية ويؤكدون دعمهم للحكم الذاتي    المكسيك.. رئيس لجنة التنسيق السياسي لكونغرس مكسيكو يدعو الحكومة لمراجعة موقفها بشأن قضية الصحراء المغربية    حوامض المغرب تصل السوق الياباني    الصين تتهم الولايات المتحدة بالابتزاز    الناظور.. حجز 1160 قرصا طبيا مخدرا وتوقيف مشتبه فيهم    النيران تلتهم سوق خضر في تطوان    إعفاء المدير العام لطنجة المتوسط بسبب تورطه في أنشطة تجارية تتعارض مع مسؤولياته الرسمية    قاض فدرالي يأمر بإلغاء قرار ترامب بإقالة عدد كبير من الموظفين    أكادير تحتضن اجتماع التخطيط النهائي لمناورات الأسد الإفريقي 2025    مسجد باكستاني يتعرض للتفجير    الكلفة ترتفع في الصناعة التحويلية    من بينها مطار الناظور.. العربية تطلق عروض تذاكر ابتداء من 169 درهم    "مورينيو" يعاقب بالإيقاف والغرامة    توقيف هولندي في المغرب متورط في ترويج الأسلحة النارية    تقديم خدمات استشارية في إسبانيا يطيح بالمدير العام لميناء طنجة المتوسط    النائب البرلماني محمد لامين حرمة الله يشيد بهذا القرار الملكي    هذا هو موضوع خطبة الجمعة    أخبار الساحة    «طاس» تؤكد انتصار نهضة بركان على اتحاد الجزائر وتصدر حكمها في قضية القمصان    شمس الدين طالبي يتوج بجائزة "لاعب الشهر" في كلوب بروج    "أگورا الحقوق والتعبيرات الثقافية".. بوعياش تدعو إلى وضع استراتيجية وطنية متكاملة لحماية التعبيرات الثقافية وإلى النهوض بإدماجها في الدورة الاقتصادية    عرض منتوجات بخسة للبيع على مواقع التواصل الاجتماعي يطرح أسئلة السلامة وحفظ الصحة . .إتلاف أكثر من طنّ من المواد الغذائية الفاسدة في درب السلطان بالدار البيضاء    استئناف المناقشات بشأن المرحلة الثانية من الهدنة في قطاع غزة    حذر من إلغاءها في حالة عدم تلقي جواب . .فرنسا تمهل الجزائر شهرا إلى ستة أسابيع لمراجعة جميع الاتفاقيات معها وعلى رأسها اتفاقية الهجرة    مصطفى الزارعي يكتب: مستحيلان على أرض مستحيلة.. مهما انتصر الغزاة وطال انتصارنهم فإن ساعة هزيمتهم لا ريب فيها    «مول الحوت» يستأنف نشاطه بعد تدخل والي مراكش    المغرب يشارك في احتفالات الذكرى الستين لاستقلال غامبيا بوفد عسكري رفيع المستوى    "نصاب" في الرباط يقنع متابعيه في فايسبوك بجمع المال بهدف بناء محطة بنزين واقتسام الأرباح!    تنسيق نقابي بقطاع الصحة يحذر من تأزم وضعية القطاع ويحمل الحكومة مسؤولية "انفجار الوضع"    في الحاجة إلى مثقف قلق    في بلاغ توضيحي لأعضاء المكتب التنفيذي لاتحاد كتاب المغرب: أغلبية الأعضاء قدموا اقتراحات لحل الأزمة، لكن الرئيس المنتهية ولايته لم يأل جهدا لإجهاضها    ملعب بنسليمان سيكون جاهزا في دجنبر 2027    رحيمي ثالث أغلى لاعبي الدوري الإماراتي    الفريق الاشتراكي بمجلس المستشارين يستغرب فرض ثلاث وكالات للأسفار بأداء مناسك الحج    الصين تعتزم رفع القدرة المركبة لتوليد الطاقة إلى أكثر من 3,6 مليار كيلوواط في 2025    المياه الراكدة    في لقاء تاريخي بالجديدة.. عزيز أخنوش يلتقي بمناضلي حزبه ويستعرض أهم إنجازات ومشاريع الحكومة    بنسعيد وقطبي يفتتحان متحف ذاكرة البيضاء لاستكشاف تاريخ المدينة    ندوة تلامس النهوض باللغة العربية    السعدي يطلق السنة الدولية للتعاونيات بشعار "المغرب في قلب الحدث"    أخنوش ينوّه بمضمون الرسالة الملكية حول عدم القيام بشعيرة ذبح أضحية العيد    "حضن الفراشة" .. سلاح فتاك لمواجهة التوترات النفسية    غاستون باشلار : إنشاد صامت    مراوحة الميتافيزيقا عند نيتشه وهيدجر بين الانهاء والاكتمال    بنزاكور يقدم "عملاق من الريف"    شبكة صحية تدعو إلى تكثيف الحملات التطعيمية ضد "بوحمرون"    بعد مليلية.. مخاوف من تسلل "بوحمرون" إلى سبتة    متى تحتاج حالات "النسيان" إلى القيام باستشارة الطبيب؟    دراسة علمية تكشف تفاصيل فيروس جديد لدى الخفافيش وخبير يطمئن المواطنين عبر "رسالة24"    









جولات إدارة الصراع في ظل مشروع المقاومة قراءة في وثيقة المبادئ لحركة حماس

هل كان من فعل الترتيب العارض أن تستبق حركة المقاومة الإسلامية-حماس- موعد انتخاب قيادة جديدة للمكتب السياسي باعتماد وثيقة مرجعية مستجدة يتسع فيها هامش المناورة؟ ثم ألا يصح أن يكون انتخاب إسماعيل هنية رئيسا لذات المكتب ضربا من الجنوح نحو توطين القيادة السياسية و استردادها إلى الداخل بعد سنوات من الاغتراب٬ و بعد أن ضاق المحيط العربي و الإسلامي عن رحابة مشروع التحرير الشامل الذي تحمله الحركة منذ تأسيسها و عن تبعاته الجسيمة؟ هل أدركت الحركة بالتجربة المحضة أن اغتراب قيادتها كان من شأنه تعطيل قطار التحرير و تحوير مساره ذات اليمين و ذات الشمال ؟ ألا يبدو لافتا أن يتم انتخاب رجل من قادة الداخل أياما بعد تطعيم وثيقة المبادئ بمفاهيم "الشراكة الحقيقية بين الفلسطينيين" و"تعزيز أصول الوحدة الوطنية" ثم " إنشاء دولة على حدود حزيران 67 كصيغة توافقية وطنية مشتركة" ؟؟
لقد اعتدنا من قيادة "حماس" بجناحيها السياسي و الميداني تلك القدرة الهائلة و المؤيَّدة على المواءمة العسيرة بين سلوك الحزم و القوة الحَرِية بكتائب تقاتل على الأرض٬ وبين ضرورة لزوم القدر اللائق من التبصر الذي هو حِلْية السياسيين على الطاولة. ثم إنها ٬من قبل و من بعد٬ حركة مقاومة وطنية٬ تصطف كتفاً مع شركاء المشروع الفلسطيني لتحرير الأرض و دفع المحتل. لذلك٬ لم يكن من الحكمة في شيء-ربما- أن يعهد بقيادة الحركة لرئيس حكومة التوافق ٬المقال٬ وهو يحمل أوراقا تفاوضية بسقف مشروع مبدئيا٬ دون أن يكون صيغة وطنية توافقية. و تفصيلا؛ إذا كان مقتضى الشراكة لا يسقط حزمة الثوابت الوطنية ذات الصلة بحق العودة و وضع القدس و بطلان الاحتلال و استعمارية قيام "دولة إسرائيل".
ربما تكون حماس قد أدركت بعد ثلاثة عقود من المقاومة الشاملة٬ و بعد انحسار الإسناد العربي "الممانع" و انكشاف ردته القومية٬ و انفضاح عورته الانتهازية٬ و بعد عشر سنوات ثقال من حصار الإخوة و خذلان الأقارب٬ أن مشروع التحرير لن تقيمه أمنيات الزحف المرتقب للجيوش الشقيقة٬ ولا تهديدات بعض العواصم بمحو إسرائيل من الوجود. بل إن الحق الفلسطيني في دولة كاملة السيادة على أرض فلسطين التاريخية لن تشتد أعواده الا بإجماع و توافق وطني يحتضن خيار المقامة بكل أشكالها و يمضي بتصورات موحدة و إيقاع لا ترى فيه من تفاوت. ثم إن إلحاح هذا المسلك يعظم أكثر إذا نظرت حواليك٬ لتدرك حجم التمالؤ و وسعار التنادي الدولي و العربي لتصفية القضية من جذورها ٬ بل و تصفية الحق العربي و الإنساني في حياة كريمة لشعوب الأرض.
واستنادا لما سبق٬ فإن المقاومة الفلسطينية عموما تظل محتفظة بحقها الأصيل في أن ترتب أولوياتها٬ وأن تخوض الحرب بصلاحية مطلقة في تقدير المواقف٬ وأن ترتد بين جولات التصعيد و التهدئة كما قدر لها ٬ما دامت تخوض الحرب وحيدة مكشوفة الظهر ٬عارية الصدر. من حقها الأصيل أن تفكر و تقدر وهي تقتحم مهالك الحرب بصدور أطفالها و ثَكْلات نسائها٬ مكتفية من جهتنا بفصول إسناد افتراضي مدجج بقصائد شعر و دموع باردة على منصات التواصل الاجتماعي. وعليه٬ فليس لنا من أحقية الإملاء شيء٬ لا حق لنا -معشر القاعدين- أن نعلم المجاهدين ذوي البأس من أين يؤتى العدو و كيف. لذلك٬ لا يؤبه لتلك القراءات التخوينية التي تنحو باللائمة الثقيلة على المقاومة الإسلامية ؛ لأنها ببساطة لم تكن يوما من يؤدي ضريبة الحروب التي خاضت حماس٬ بل لم تكن هذه الجهات تنزه الأخيرة من وصم العبثية و عوز البصيرة ٬يوم كانت تشنع عليها التغرير بشعب و قذفه في حمأة "حروب غير متكافئة".
لقد رفعت حركة المقاومة الإسلامية-حماس "وثيقة المبادئ و السياسات العامة" لعموم الأمة ابتداءً ٬ ثم تخصيصا٬ لمن يثق بصدق مسعاها نحو التحرير الشامل٬ ولمن يرى فيها حركة حاضنة لذمم مترفعة ٬بإيمانها و صمودها٬ عن مساقط المساومة في الدين و الوطن. و لهؤلاء جميعا أكدت حماس على استمرارها على خط المقاومة ״حتى انجاز التحرير و تحقيق العودة و بناء الدولة ذات السيادة الكاملة و عاصمتها القدس״[المقدمة]. ثم أكدت على قدسية أرض فلسطين و عدم التنازل عنها وطنا خالصا للفلسطينيين و أن ״ طرد الشعب الفلسطيني من أرضه …لا ينشئ أي حق للكيان الصهيوني الغاصب فيها״[المادة 2] ٬ كما ״ترفض حماس أي بديل عن تحرير فلسطين تحريرا كاملا״ ٬ وتقر أنه ״ لا تنازل عن أي جزء من أرض فلسطين…و لا اعتراف بشرعية الكيان الصهيوني [المادة18]. زد على ذلك التأكيد على أن ״كلا من تصريح بلفور٬ و صك الانتداب البريطاني..وقرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين و قيام دولة إسرائيل باطل من أساسه״[المادة18] ٬ دون أن تفوت حماس الفرصة لتأكيد رفضها المتجدد لاتفاق أوسلو و ملحقاته و ما ترتب عليها من التزامات [المادة21].
إن جولة سريعة بين مواد الوثيقة يكشف للمتتبع أن "حماس المقاومة و التحرير" لا تزال تمسك بحزمة الثوابت الوطنية و الدينية وأنها لا زالت تؤمن أن ״المقاومة و جهاد التحرير ستظل حقا مشروعا و واجبا و شرفا״[المادة23]. غير أن المتغير الدولي و الإقليمي الشديد الوطء٬ والالتزامات الداخلية بالمشروع الفلسطيني حدت بالحركة إلى القبول٬ في إطار المشروع الوطني و״ بما لا يعني إطلاقا الاعتراف بالكيان الصهيوني و لا التنازل عن أي من الثوابت الفلسطينية״ بإقامة ״دولة فلسطينية مستقلة٬ كاملة السيادة و عاصمتها القدس٬ على خطوط الرابع من حزيران ٬1967 مع عودة اللاجئين و النازحين إلى منازلهم التي أخرجوا منها״[المادة20] بالنظر إليها صيغة توافقية وطنية مشتركة. هكذا إذن٬ يبدو التقدير الجديد القديم لحركة حماس لمآلات الصراع ضد المحتل موقفا بأكثر من بعد؛ فهو ٬من جهة إيمانه بخط العمل الوطني المشترك٬ راض بالصيغة التوافقية المشتركة "حزيران67". أما من جهة حرصه على ثوابته الوطنية و الدينية بالتحرير الشامل٬ فهو متشبث بالسيادة الكاملة على الأرض ٬ على النحو الذي تجسده عودة اللاجئين و النازحين إلى أراضيهم و بيوتهم التي أخرجوا منها. أي أن منطق إدارة الصراع حدا بالحركة لتطور صيغة مرحلية تعتمد بناء الدولة على حدود حزيران إلى جانب الاستيطان التوسعي للاجئين العائدين إلى أراضي 48.
إن التأمل العميق في الصيغة التي تقترحها حماس لينتهي بنا إلى خلاصات ذات دلالة بارزة؛ منها أن نموذج الدولة هذا لا يقبل التعايش مع الكيان الصهيوني في صورته الحالية٬ بحيث إنها دولة ذات سيادة على الأرض و الأجواء و المعابر و الثروات البحرية و الباطنية٬ تمتلك جيشا نظاميا أو كتائب مقاتلة تتبنى خط الدفاع عن الوطن و مؤسساته. و أنه لن يتساهل مطلقا مع السلوك الاستيطاني و المساعي التهويدية المعهودة من دولة الاحتلال. كما أن القدس تظل عاصمة للدولة و ملكا بمقدساتها للفلسطينيين. كما أن الفلسطينيين العائدين –كشرط للقبول بحدود67- سيستوطنون مساحات هامة من الكيان الغاصب بمقتضى صكوك ملكية الأراضي و العقارات التي يحملون. ثم إن هؤلاء سيقاومون على أرضهم المستردة و ينقلون المعركة الفاصلة للداخل الصهيوني. و لعل هذه الخلاصات ذاتها هي التي جعلت رئيس الحكومة الصهيوني يلقي خطابه الانفعالي المضحك بعد صدور الوثيقة ٬ قبل تمزيقها و قذفها بسلة المهملات٬ لأنه يعلم جيدا أن حماس لن تتغير أبدا ٬ و أنها لن ترضى يوما بغير الأرض الكاملة لشعبها٬ و أن قيام الدولة بصيغتها المقترحة يعني ٬بالتداعي٬ زوال "دولة إسرائيل". فهل ندرك ما أدركه نتنياهو بسابق علم و تجربة ؟
لا شك إذن أن حماس باتت اليوم أقوى٬ لأن الزمن لا يزيدها الا رسوخا في لحمة الشعب الفلسطيني و سداه. ثم انها لاتزال تحافظ على رصيد مناورات أوسع من عدوها المركون في الزاوية٬ وهاهي ذي وثيقة المبادئ تفاجئه من حيث ظن أنها استنفدت خياراتها٬ كما فاجأته بترسانة التسليح الآخذ في التطور و النوعية. ولعل من خواص قوتها تلك القدرة على ادارة جولات الصراع و تنويع آلياته بما لا يمس مشروع المقاومة كخيار استراتيجي ولا يستعيض عن أفق التحرير الكامل قدرا وطنيا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.