تعتبر مدينة مكناس منطقة فلاحية بامتياز،اضافة الى انها تكتسي طابع ثقافي وحضاري،تعد من خلاله معلمة تاريخية معمارية خصوصا أنها صنفت ضمن الثرات العالمي الإنساني من طرف منظمة اليونسكو سنة 1996، نظرا لما تمثله من ارث ثقافي يرمز إلى هويتها التاريخية،إلا أن المدينة تسجل العديد من الاختلالات المرتبطة من جهة بالعامل السوسيواقتصادي والبيئي ومتطلبات التنمية وما يرتبط بها من أسس التخطيط الحضري والحفاظ على المواردالطبيعية والعقارية،إلى جانب الاكراهات التى تجعلها من بين ابرز المدن المغربية التي تعاني من وطأة العقارات الجامدة والتي تتصل بعقارات الأوقاف والجيش ثم عقارات النخبة اوالاعيان. فإذا أضفنا مساحة أراضي الجيش والتي تقدر ب650 هكتار تقريبا حسب جرد جزئي سابقا على مساحة الأملاك المخزنية ، فان المساحات الإجمالية تشكل وعاءاعقاريا غنيا تزخر به المنطقة، ومخزون ثروة حقيقية للتنمية والإقلاع الاقتصادي ،إن أريد لها المساهمة في الدفع بحركة الاستثمار وخلق دينامية اقتصادية على المستوى المحلي والوطني ،لاسيما أن هذه العقارات تتوزع بين أراضي فلاحية جيدة تقع بمحيط المدارالحضري، لا تستفيد منها المنطقة ولها صلة بالعديد من القطاعات الحيوية المباشرة ذات أبعاد استثمارية صناعية وفلاحية ضلت لسنوات ولايزال لها تأثير سلبي مباشر على موارد وإمكانيات المنطقة، إلى جانب عقارات مبنية تقع داخل المدار الحضري ،وهي عبارة عن أنماط من البنايات العتيقة والمهترئة غالبيتها تشكل خطرا على الأسر المرتبطة بها وبحنين الماضي وبدافع الاكراه تحتمي بها من حمى اثمنة ما يعرف بالشقق الاقتصادية المخصصة لفائدة السكن الاجتماعي ،إذ ترامت الشركات على صفقة المشاريع الاجتماعية بامتيازاتها المعفية من الضرائب،وبعد أن توقف العمل بالحل السحري "فوكاريم ". عمدوا إلى عرضها بشروط مجحفة واثمنة جعلت المعنيين بها خارج التغطية،متحدية بذلك مخططات الدولة وبرامج الحكومة. وقد لاحظ المتتبعون لمجال الاستثمارات العقارية بالمدينة، أنها قد ألت إلى الأعيان والنخبة والمحظوظين ممن سخرت لهم سواء بفعل محابات المسؤولين او بطرق ملتوية عبر الزبونية والمحسوبية وسماسرة العقار، تم تفويتها باثمنة رمزية لا تتناسب وقيمتها الحقيقية،بعضها تحولت في حين غفلة من أراضي صالحة للزراعة – أراضي الذخسية نموذج وغيرها التي تم إغتصبها والتي تم تفويتها لكبار القوم بالعاصمة الأسماعيلية– هذه الأخيرة أصبحت مشاريع و تجزءات سكنية خلخلت مقتضيات وثائق التعمير التي تنص على توجيه التطور العمراني نحو الاراضي غير الصالحة للزراعة، فضلا عن ما شاب هذه العملية من خروقات وما ارتبط بها من رخص التجزيء واستيلام التجزئات/ كتجزئة السلام أو الأسم الأ خر التي يطلق عليها السكان تجزئة الأوحال بجماعة سيدي سليمان مول الكيفيان وماعرفته من خروقات وغش في التجهيز والتي لازال ملفها رائج بمحكمة جرائم المال بفاس ،كما عرفت هذه المدينة الحزينة تشييدتجزءات سكنية محادية لوحدات صناعية اضرت بساكنتها مثل ما حدث بحي ويسلان وعلاقته بمعامل الاسمنت وحي السلام المجاور لمعامل الزيوت وما نتج عن هذين الآخرين من خلل بالتوازن البيئي وتبعاته على صحة ساكنتها بفعل تلوث الهواء من جراء ما تلفضه فواهات المدخنات من أكوام الدخان و الروائح الكريهة التي تخنق الأنفاس. وعلى صعيد اخر، فان ملف التعمير بمكناس عرف بدوره إنشاء مستوطنات عشوائية نتيجة نهج سياسة غمض العين ،فتفرخت أحياء هامشية لأغراض انتخابوية في ظل المجالس المفبركة والمتعاقبة ،والتي عمد المسؤولون خلالها إلى القضاء على المساحات الخضراء وتعرضت تصاميم التهيئة إلى عدة تغييرات كان الهدف منها السطو على الفضاءات متنفس المدينة والمواقع الاستراتيجية على الشوارع في بعض الأحياء وإحداث بقع أرضية إضافية شوهت الأحياء وخنقت ساكنتها كما يحدث الآن في المدينة القديمة ، إضافة إلى ظاهرةتفشي المحسوبية في تتبع ومراقبة أشغال البناء، مما أدى في غالب الأحيان إلى عدم احترام التصاميم الموضوعة وانتشار البناء العشوائي باحياء تعتبر بمثابة نقط سوداء تسيئ لجمالية الحاضرة والتطور المعماري الذي تعرفه البلاد و المثير أن هذه المظاهر والاختلالات التي اعترت المجال العقاري بالمنطقة، تسببت في هدر ميزانية الجماعة وما ينتج عنها باثقال كاهل المدينةبالمديونية،مما يتضح أنها لم تكن تعير اهتمام المجالس المفبركة، حيث انغمس فيها من وجدوا ظالتهم في احتياجات المواطنين ،ولم يستشعروا وزر الامانة الملقاة على رقابهم،كما أن الأحزاب المتعاقبة لم تقم وزنا لتراكمات فوضى التدبير الجماعي على المجتمع المحلي،من فرط ما جمع ممثلوها من حولهم من ساسويين واتباع طامعين ومن تبعهم من الانتهازيين والمتشدقين والمهرولينبهدف كسب المعارك الانتخابية ولنا أن نتأمل كم من تركيبة بشرية تعاقبت على إدارة الشأن الجماعي أجهضت تطلعات التدفق البشري القاطن بمدينة تعيش حالة حصار في وجه الطاقات المعطلة. وخلاصة القول من افواه الغيورين تنحو باتجاه المسؤولية المشتركة بين العديد من الفعاليات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحقوقية، اطر وتقنيين ،والمسؤولون عن تدبير المجال على المستوى المحلي والجهوي،باعتبار موقفها السلبي أمام التدبير الفاشل لموارد ومؤهلات المنطقة، التي تعيش حالة حصار وخمول اقتصادي وإجتماعي ،علما أنها أخذت بأسباب المنفعة الخاصة من اقتصاد الريع وتملص ضريبي وتشجيع مضاربات عقارية التي لاتعزز العرض السكني الملائم لعملية استفادة عموم المواطنين،علاوة على أنها لم تضع في صلب اهتماماتها المساهمة في تحسين ظروف العيش للفئات الهشة والفقيرة ،ومراعاة معضلة البطالة والأبواب الموصدة في وجوه الطاقات البشرية الشابة المعطلة ، بغية الرفع من وتيرة حركية التنمية الاقتصادية كخصوصية لازمة ترفعها شعارات رسمية وبرامج حكامةالتدبير المحلي والمعنية بمضامين التنمية الاجتماعية.