إن المتتبع لمسار الأحداث الذي طبع انقلاب تركيا هذه الأيام و الذي باء بالفشل يعكس على الرغم من كل ما قيل و روج له، بأن المؤسسة العسكرية في تركيا الحديثة فقدت سيطرتها على سياسة الدولة و قراراتها، يعكس أن هذه المؤسسة ما زالت لها القدرة على قلب نظام الحكم في أية لحظة إذا توفرت لها الشروط الكافية و التي لم تتحقق في هذه المحاولة، ومن هذه الشروط دعم فيالق و عناصر قوية من الجيش و التي تشكل قلبه، و تأييد كبار الضباط لهذه العملية. وهذا ما كان في محاولة الصخيرات، فالملك مثل أردغان كان يستجم حتى فوجئ بكتيبة من الجيش تقتحم القصر قصد محاصرته و عزل رؤوس الدولة إلى حين تشكيل مجلس للثورة، وتمت السيطرة على الإذاعة و التلفزة في العمليتين، وتم إذاعة بيان الانقلاب، بل تلتقي العمليتان حتى في رتبة الضابط الذي قاد الانقلاب و هو كولونيل. وقد تمت محاصرة رئيس أركان الجيش التركي، أما في المغرب فقد تم القبض على الجنرالات الذي يسيرون المناطق العسكرية وتم قتل الماجور العام للقوات المسلحة الملكية، لكن الفرق يكمن في أن الجيش التركي رغم ما قام به إلا أنه نظيف إلى حد ما لأنه لم يتعامل بالدم مع جموع الناس التي رفضت هذا الفعل الذي يطعن الديمقراطية الحديثة التي تنادي بها تركيا، ورسخت لثقافة جديدة رائعة في العرف السياسي لدول المنطقة ألا و هي : انصر شعبك ينصرك، وقد تجليت بشكل واضح بعد أن لبى الناس نداء رئيس الجمهورية لإنقاذ الطريق الذي قطعته الديمقراطية خلال هذه السنوات، بل وقطعت الطريق على الجيش ليستعيد سطوته و هيبته في الحاضر التركي بعد أن اشتهر بالانقلابات و الخيانات و التي كان أهمها و أعظمها و أقذرها الانقلاب على الخلافة العثمانية و الإطاحة بخليفة المسلمين عام 1924م، و كان عكس محاولة الصخيرات ومحاولة الطائرة الملكية و التي لم يتأخر فيها الجيش عن إطلاق الرصاص والقتل و سفك الدم، مع العلم أن الشعب المغربي لم يتحرك أنذاك بعد العلم بالمحاولتين. نحن نشهد في حاضر الأيام و التاريخ يسجل ذلك، نشأة تركيا جديدة تكون فيها السلطة المطلقة للشعب، ويكون فيها احترام هذا الشعب وخدمته واجبا مقدسا على كل رجل سلطة تركي، لأن من يفشل انقلابا بهذا الشكل و دون تدخل فعال من أي جهة أخرى في الجيش هو شعب يستحق كل التقدير والاحترام من الشعوب الخنوعة و المغلوب على أمرها، ويستحق أن يقتدى به سلوكا و قناعات.