بعد خمسة أشهر من "البلوكاج السياسي" الذي عرفه المغرب بسبب تعنت الأحزاب السياسية وتشبثها بمواقفها من تشكيل الحكومة، قام جلالة الملك بإعفاء السيد عبد الإله بن كيران وتكليف السيد سعد الدين العثماني بمهمة تأليف الحكومة التي عجز عنها الأول، مهمة ليست بالسهلة كما هو واضح بالنسبة للفقيه والطبيب البشوش الذي لا تفارق الابتسامة وجهه ذا الملامح الأمازيغية البريئة، لكن هناك مؤشرات توحي لنا بأن هذا الأخير سيقوم بتذييل الصعاب التي واجهت سلفه السابق بفضل ثقافته الواسعة والحكمة التي يتميز بها باعتباره فقيها وطبيبا نفسانيا، وكذا بالإضافة إلى القبول الذي تحظى به شخصيته لدى جميع الفر قاء الحزبيين الفاعلين في الساحة السياسية الوطنية. ولا يمكننا أن نقول بأن هذه الصفات وحدها كافية بأن تحدث تغييرا ايجابيا على المشاورات الحكومية وبالتالي إخراج الحكومة إلى الوجود، بل هناك مؤشرات أخرى بنفس مستوى الأولى أو ربما أكثر أهمية منها، جزء منها مرتبط بالأحزاب السياسية والجزء الأخر مرتبط بالمؤسسة الملكية، فبعد تكليف جلالة الملك لسعد الدين العثماني بمهمة تشكيل الحكومة لاحظنا مجموعة من الإشارات الإيجابية التي صدرت عن أحزاب كالأصالة والمعاصرة والتجمع الوطني للأحرار، ناهيكم عن التصريح الذي خرج به رئيس الحكومة المكلف والذي قال فيه أنه سيتشاور مع جميع الأحزاب السياسية الموجودة تحت قبة البرلمان دون أن يستثني حزبا واحدا من هذه الأحزاب وهذا عكس ما كان يقوم به سلفه عبد الإله بنكيران الذي كان يقول دائما بأن التحالف مع حزب الأصالة والمعاصرة خط احمر باعتباره امتداد لما يسميه ب"التحكم" ، لكن السياسة لا يمكن أن تسير بهذا المنطق أبدا خاصة في دولنا العربية، بل يجب أن تمزج بشيء من الحكمة وبعد النظر والعمل بمبدأ "السياسة فن الممكن" وهذا ربما ما يسير عليه الآن السيد العثماني بعد أن أمحى الخط الأحمر الذي رسمه سلفه وأبدى شيئا من الليونة تجاه حزب "البام"،أما الجزء الأخر من المؤشرات والمرتبطة بالمؤسسة الملكية، فتتجلى في كون هذه الأخيرة لازالت ترغب في العمل مع حزب العدالة والتنمية حيث كان ذلك واضحا من خلال الرسالة التي نقلها رئيس الحكومة المكلف إلى أعضاء حزبه،وهذه الرسالة ليست موجهة إلى حزب العدالة والتنمية فقط، بل إنها موجهة كذلك إلى الفاعلين الآخرين في الساحة السياسية الوطنية بأن يتعاموا بشيء من المرونة مع حزب لازالت له مكانة لدى القصر وان يتركوا جانبا الحسابات السياسية الضيقة التي أدت إلى خمسة أشهر من "البلوكاج السياسي". لكن ورغم كل هذه المؤشرات، فهناك العديد من التساؤلات المرتبطة بالمشهد السياسي المقبل والتي يمكن أن نطرح منها ما يلي: هل سيتحالف حزب العدالة والتنمية مع الأصالة والمعاصرة؟ هل سيصبح أعداء الأمس أصدقاء اليوم؟طبقا للقاعدة السياسية التي تقول "لا أعداء دائمون ولا أصدقاء دائمون" . كيف سيتعامل العثماني مع أخنوش وكتلته الحزبية؟ والأهم من هذا كله هو كيف سيتعامل العثماني مع الإرث البنكيراني المتمثل في مجموعة من المفاهيم السياسية والتحالفات العجيبة والخطوط الحمراء ك"التحكم،والتحالف مع حزب التقدم والاشتراكية، والرفض القطعي التحالف مع البام، وكذا رفض دخول الإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إلى الحكومة" ؟؟ هذه الأسئلة كلها تبين لنا مدى تعقيد المتاهة السياسية التي يوجد بداخلها سعد الدين العثماني وحزبه، والتي إما أن تساعده حكمته في إيجاد مخرجها بسرعة وقبل انتهاء المهلة المحددة لتشكيل الحكومة أو يحدث العكس وبالتالي سنصبح أمام سيناريوهات أخرى،والأيام القليلة القادمة كفيلة بان تجيبنا جوابا قاطعا على كل هذه الأسئلة المطروحة،إذن فما علينا سوى انتظار ما سيحدث وما ستجود علينا به من أحداث ووقائع.