ليس تبريرا ولا تنظيرا ،وإنما هي قراءة بسيطة ساذجة لواقع تتداخل فيه الخيوط وتتشابك، الفائز في التعامل معه من ساهم في فك العقد، أو على أقل تقدير من لم يزدها تعقيدا. الديموقراطية قواعد وأسس ومساطر تتبع ،وإن جانبت الأخلاق في الكثير من تنزيلاتها ، فالعدالة والتنمية في نازلتنا هذه للديموقراطية لا يملك أغلبية لتشكيل حكومة ،بغض النظر عن معيقات تجميع هذه الأغلبية ،والمغرب لا يمكن أن ينتظر إلى ما لا نهاية . المغرب ليس ساحة فارغة للعدالة والتنمية يفعل فيها ما يشاء ، في المغرب أفكار تخالف فكر العدالة والتنمية، وفيه مواطنون لا يتقاسمون مع العدالة والتنمية قناعاته ،بل منهم من يناضل ضدها وهو محق في نضاله من منطلق ديموقراطي عددي . ديموقراطيا استطاع المخالفون والرافضون والناقمون والمتقلبون أن يجمعوا أغلبية واضحة مكنت الحبيب المالكي من رئاسة البرلمان ، لا مجال ديموقراطيا للسؤال عن حيثيات تجميع هذه الأغلبية ،لأن في ذلك خروج عن منطق الديموقراطية وفيه توسل بالأخلاق، ما دامت الأخلاق ليست متفقا حول المقبول منها أو المرفوض. الإصلاح في ظل الاستقرار قناعة راسخة لدى حزب العدالة والتنمية لكن الآليات المؤدية لهذا الهدف ينبغي مراجعتها وتقييم المعتمد منها ، فليس إصلاحا في ظل الاستقرار أن يتشبث بالحكم من لا يملك أغلبية عددية ،لأن ذلك ببساطة مخالف للديموقراطية ، وليس إصلاحا في ظل الاستقرار من يرى في عدم الانضمام لأغلبيته إهانة للشعب لأن الشعب نفسه هو الذي انتخب الذين شكلوا أغلبية أخرى ، ليس إصلاحا في ظل الاستقرار من يرى كل قرار أو موقف مخالف لمبتغاه خروجا عن أدبيات الديموقراطية لأن الديموقراطية ليست هوى شخص أو ما تشتهيه جماعة من المواطنين، بل هي عملية محسومة بالعدد وفقط بالعدد وقد حسمت عدديا . تدافع الأفكار مسار طويل محفوف بالتعثرات والإخفاقات ،تتخلله عدم الثقة ويغشاه الحرص على المصالح ،وتعترض السائرين فيه المقاومات والتوجسات ، لكن صدق النوايا يجعل ذلك هينا مستساغا منتظرا غير مفاجئ ، فترى السالكين لهذا الطريق يتفهمون، ويقدرون ،ويلتمسون الأعذار ، يتهمون أنفسهم بالقصور في إعداد الزاد الكافي والوسيلة الأمثل ، يراجعون المنهج المعتمد ويحينون الأهداف والعُدَد ، يستحضرون المبادئ والمنطلفات ،فيراعون الواقع الذي يكتنفهم ،ويخطون الخطوات الصائبة وإن كانت إلى الوراء. لقد ساهم العدالة والتنمية ولا يزال في تدير الشأن العام الوطني والمحلي وفي ذلك فرص كافية ليطلع المواطنون والمواطنات على أفكاره ورؤيته للإصلاح ، وأصبحت تجربته واقعا معاشا يمكن مقارنته بغيره وملامسة الفروق والميزات. لا شك أن مساهمة العدالة والتنمية أثرت تجربة المغرب وبحثه عن الإقلاع التنموي بمفهومه الشامل ،قد يختلف الناس حول نسبة هذا الإثراء ، لكن المؤكد أن البصمة قد وُضعت وأن آثارها ستنعكس لا شك في ذلك على الوطن أمنا واستقرارا وعلى المواطنين تجديدا للنخب السياسية وزيادة في منسوب الوعي السياسي وإيمانا بالمصداقية والانضباط للقوانين والتشريعات . أليس العدالة والتنمية هو من ظل يكرر على مسامع المغاربة أن لا رغبة لأطره وقياداته وأعضائه في المناصب والمغانم ، أليس أثمن مغنم فاز به الحزب هي مساهمته الوازنة في الحفاظ على استقرار الوطن ، أليس أشرف منصب فاز به قادة الحزب وأطره أنهم جميعهم خرجوا من الامتحان بأيد نظيفة وإصرار على الاستقامة ، ألا يكفي أن يكون الحزب نموذجا يحتذى في الانضباط للمؤسسات والهيئات. ليس فشلا أبدا أن يعفى الأستاذ عبد الإله بن كيران من مهمة تشكيل الحكومة ، بل ليس فشلا بالمرة حتى ولو أخفق من يليه في هذه المهمة ،إن ما تحقق كثير وما سيربحه الوطن من تفهم العدالة والتنمية لأسباب وحيثيات رفض الأحزاب للتحالف معه، هو أكثر وأفيد لمسار الإصلاح في ظل الاستقرار.