أحترم بنكيران في كثير من الأشياء، لأنه أراد أن يحافظ على نسبة معينة من استقلالية قراره حول مشاورات الحكومة، ورفض الخضوع لكل إملاءات أخنوش.. لأنه عزّز المركز الأول لحزبه رغم كل أصناف الحرب القذرة التي تعرّض لها.. لأنه قرّب السياسة من المواطن وأنسى المغاربة في كارثة سياسية اسمها عباس الفاسي لم يكن يسعل حتى أمام الكاميرا. أحترمه لأنه كان صادقا في كثير من تصريحاته، ولأنه أراد الإصلاح حتى وإن لم يستطع أن يضع يده في عش الدبابير. لكن أجد نفسي غير متعاطف معه كثيرا في إعفائه من رئاسة الحكومة، ليس شماتة في الرجل أو احتفاء بقرار ملكي. بل لأن بنكيران مهّد لهذا الإعفاء منذ زمن، منذ أن قبل انتظار تنظيم حزب الأحرار لمؤتمره لأجل انتخاب صوري لأخنوش، حتى يُدخل معه هذا الحزب إلى الحكومة ويعض على وجوده بالنواجذ رغم أن بنكيران يعلم أن أكبر من عرقل انسجام حكومته في سنتها الأخيرة كان هو حزب الأحرار. بنكيران مهّد لإعفائه عندما قبل استبعاد حزب الاستقلال والتخلي عن وعده وطبعا كان المبرّر تصريحات شباط التي نُفخ فيها كثيرا. ثم مهد بنكيران للإعفاء عندما قبل، وفق اعترافاته في آخر لقاء مفتوح له الأسبوع الماضي، دخول الاتحاد الدستوري إلى الحكومة (قال إنه لم يكن لديه مشكل أن تصل الحكومة إلى 220 مقعدا في رده على الأحرار). بنكيران مهّد لإعفائه منذ زمن بعيد، عندما قبل دخول موجات التكنوقراط إلى الحكومة بعد انسحاب الاستقلال، وعندما اختزل معركته مع الأحزاب في حزب الأصالة والمعاصرة رغم أن أحزاب السلطة موجودة معه في الحكومة، وعندما لم يعد قادرا على حتى تبرير ما تقوم به وزارات داخل حكومته من سلوكيات هو لا يتفق معها، واليوم عندما يقول بنكيران إنه لا يعارض القرار الملكي، يعلم جيدا ما يقوله لأنه لم يقم يوما بما يتيح له معارضة هذا القرار، بل أكثر من ذلك، دافع أكثر من مرة عن تدخل الملك في عمله ولم ير في ذلك مشكلا. بنكيران مهد لإعفائه بسلسلة طويلة من التنازلات.. ومن عجائب الزمن أن بنكيران كان يحتاج تنازلا وحيدا للاستمرار رئيس الحكومة، هو السماح بدخول الاتحاد الاشتراكي إلى الحكومة، لكن يبدو أن قدر بنكيران أن يخرج من الباب الكبير لرئاسة الحكومة، لأنه قال لا - حتى وإن قالها لحزب متهالك، كان ذات يوم ضحية عدم احترام المنهجية الديمقراطية-، وليس لأنه فشل في الانتخابات أو عجز عن حشد دعم أنصاره في حزب المصباح.