إن المؤسسة التعليمية اليوم، لا تكاد تكون مؤسسة مادام أحد أركانها محطما، منكسرا، مغيبا تحت تأثير مخدر الإهمال واللامبالاة. وحديثي هنا، حديث عما يقع على ركن ركين ، وحصن قوي متين،يتبدى به مبدأ التربية وما يتشعب عنها من آداب وأخلاق وسلوكيات،إذ لا يتصور في العقل السليم ذو النظر القويم وجود مؤسسة تعليمية تتجنب هذا المبدأ الرفيع، الذي به نصنع إنسانا صالحا يخدم نفسه ومجتمعه. ولعل الناظر والمتتبع لأحوال المجتمع الجريح الذي يئن بين الفنية والأخرى تحت وطأة الضمور،و الدارس لواقعه الهش جراء رشفه بأسهم الأزمات المتتالية المتعاقبة، التي باتت معروفة وكأنها فصول السنة الأربعة،سيجد بلا شك أن المؤسسة التعليمية التي هي بمثابة الأم الثانية في التربية قبل التعليم والتلقين ،والتي كان لها الدور الكبير في بناء عقل التلميذ(ة)،حتى تكون ذاته(ا) قادرة على الإنتاج،وتحدي الصعاب؛قد تغيرت صناعتها وتلاشت أهدافها وتبخرت أحلامها،وصار التلميذ غارقا في المشاكل حتى الركب،وذلك حينما كان التلميذ بالأمس القريب نموذجا حيا للأخلاق والآداب الظاهرة في أفعاله وأقواله،التي ما أن تمعن فيها بعين فاحصة تجدها خاضعة لمعيار الأخلاق ومقياس الأدب،أصبح اليوم علة على المجتمع،لما تبنى الفكر الغربي و أخذ به على نحو مقلوب،وسار له مقلدا ،وهذا يظهر جليا في سلوكياته(ا)وأفعاله(ا) ولباسه(ا) التي تفتقد لمعيار الحشمة و الوقار،لدرجة طأطأ الحياء رأسه خجلا من هول الحال الذي آل إليه التلميذ(ة). السؤال الذي يطرح نفسه،ما موقع المؤسسة بمديرها وأطرها من هذا المشكل العويص؟ الجواب عنه بسيط،وهو أن المؤسسة تمثل الأسرة الثانية من جهة ، والملقنة للمعرفة من جهة أخرى،فالتربية هي أساس الأخلاق الرفيعة،والخصال الجليلة،فعندما سميت الوزارة الوصية بهذا القطاع(بوزارة التربية والتعليم) فإن هذا الترتيب لم يكن عشوائيا،بل كان قائما على حكمة بليغة وغاية فريدة،لذلك قدمت التربية على التعليم،لأنها اللبنة الأساسية في بناء حياة الإنسان ،قال تعالى (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) سورة الجمعة الآية 02. فإذا صلحت التربية صلح كل ما بني على أساسها، و إلا فالخراب نتيجة محتومة. أما التعليم فهو تلك العملية التي يمارسها المعلم بهدف نقل ما في ذهنه من معلومات ومعارف إلى المتعلمين، وهنا يأتي دوره باستغلال هذه المعارف وتمريرها عبر قنوات الأخلاق والتربية مما يزيد التلميذ ثقة بنفسه، ويكون تحصيله العلمي والمعرفي وفق المستوى المطلوب. إذا فالتربية أوسع نطاقا واشمل من التعليم، لكنهما ليسا متعارضين ولا منفصلين، بل هما أمران متلازمان متكاملان، لا يتصور عزل احدهما عن الأخر، فلكل منها دوره الخاص في بناء شخصية التلميذ. لكن هل المؤسسة التعليمية اليوم تبنتهما وفق منهج الموازنة والازدواجية ؟ببساطة لا،والدليل هو الواقع، التي يعتبر دليلا حيا لا يقبل الطعن من أي جهة كانت،فمن بين الهفوات نجد(لباس الفتيات من منبت شعرها إلى أخمص قدميها،لباس الأولاد الذي لا يكاد يختلف عن لباسهن،وطريقة التواصل كذلك،والأخدانية كما أطلق عليها فريد الأنصاري ، وهي العلاقة الثنائية المبنية على غير سند شرعي ، إضافة إلى ما يترتب عن هذه العلاقات من فضائح ، إلى آخره من السلوكيات التي لم أجد لها في الأدب عنوانا ولا في التربية مكانا). بلا شك،أن قارئ هذه الأسطر البريئة سيطرح سؤالا مفاده :من المسؤول إذا؟ أقول إن المؤسسة بكل أجهزتها وطاقمها والتلاميذ والتلميذات كلهم شركاء في تحمل المسؤولية لكن يبقى الجزء الكبير ملقاً على كاهل المؤسسة، التي قد يذهب الرأي بالقول إن دورها يتجلى في التعليم فقط أما التربية فمردها الأسرة،لكن بتبنيها لهذه الفكرة ستكون قد ارتكبت خطأ لا يغتفر،بل ووضعت قدم التلميذ(ة)على شفا حفرة من نار،وسبب هذا المعتقد عند بعض الأساتذة والمدراء هو عدم استيعابهم لهذه الرسالة العظيمة،حيث يرى بعضهم أن دوره ينحصر في التلقين والتعليم،وهنا بالذات يسقط التلميذ في ضحالة التيه ،وتصبح رقبته على مقربة من حبل المشنقة،في ظل التطور التكنولوجي وعالم الشبكة العنكبوتية،كمواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من المواقع الهادمة ،التي راح ضحيتها كثير ممن افتقد للدرع الواقي والصمام الحامي ألا وهو التربية والبناء الخلقي الصحيح. فيا أيها الأستاذ إن لم تكن لك كلمة توجيه وإرشاد، ولسان حكمة وانتقاد، ويد عون وإنقاذ، فما حاجتك باسم الأستاذ؟أدورك هو الصراخ والشتم واستعراض العضلات ؟ لكن لا تعجب من رقص الصغار إذا ضرب الكبار على الدف. فيا أيها الأستاذ لا تنسَ انك قدوتهم، فاحرص على تربيتهم وعاملهم بصورة لبقة، وحاورهم بالتي هي أحسن، فمعاملتك لهم هي مرآة تعكس تعاملهم مع دواتهم، مع أصدقائهم، مع أهليهم. إذا كان للبيت رب يسيره ويسهر على حماية من فيه،فإن للمؤسسة التعليمة رب يتمثل في شخص المدير،الذي يعمل على تجويد العمل الإداري والحرص على التحصيل العلمي والمعرفي ،سواء من جهة التلميذ أو الأستاذ،كما يحرص على إبقاء راية التربية والأخلاق ترفرف في أعالي المؤسسة،وذلك من خلال وضع قوانين داخلية للمؤسسة تأطر مركزية التلميذ داخل المؤسسة،من خلال لباسه وسلوكه،ومظهره،فالمدير هو صاحب السيادة والريادة،وله يرجع الأمر في الأول والأخر،سلطته مقررة بالقانون يخضِعُ لها كل خرق أو تجاوز. لكن قلَّ فيهم من يرى أن التربية هي أولى الأولويات،و أصعب التحديات ، وأسمى الأهداف ، التي وجب عليه وعلى الأطر التربوية العناية بها والحفاظ عليها وتلقينها موازاة مع المعرفة في نفس الخط حتى يكون المنهج سديد وسليم. وما أكثرهم،حين تعدهم،فمنهم من يبحث عن الشهرة،وفيهم من يعمل من أجل العمل لا رسالة له،وفيهم من يحمل هم المسؤولية قبل أخد زمامها،وهؤلاء قلائل ،تكاد تحصيهم على رؤوس الأصابع. لكن، حديثي يقع على ذلك المدير الجامد، الذي يرى أبناءه وبناته على حافة الضياع ولا يحرك ساكنا، فتجد داخل المؤسسة شباب يدخن المخدرات(.....)و أما الفتيات فأكاد اخجل من ذكر بعض الأصناف منهم(التبرج بكل أشكاله)، لكن عندما تسأله كيف يحدث هذا فيجيبك بكل ثقة، وكأنه حرر القدس، إنه التحرر يا بني، الحداثة، الحرية الشخصية.......إلى آخره، وهو لا يدرك انه قد وضع قانونا داخليا يمنع فيه اللباس المخل بالحياء، والتأخر عن الدرس،ومعاقبة من يسب أو يشتم،إلى آخره من الضوابط التي تبقى مجرد حبر على ورق،أما الواقع فأمر ثان ينذر بالخطر وعاقبته مخيفة لا محالة. فإن دل هذا فإنه يدل على عدم ثقة المدير بنفسه،أو انه غير قادر على ضبط سير مؤسسته، أو انه يكتفي بتدخين سيجارة بئيسة في مكتبه ولا يبالي،في حين نجد مؤسسات تعليمية كالبيت تماما،يسودها الوقار والاحترام المتبادل . فالفرق واضح، الأول يعمل من أجل كسب المال، والثاني همه إيصال مركب التربية إلى بر الأمان، لأنه يحمل رسالة، وعليه إيصالها لأصحابها فنعم الأخيار. انطلقنا من الأستاذ، فمررنا بالمدير، والآن وصلنا للتلميذ ومركزيته داخل هذا المشكل. لا يخفى على شريف علمكم أن التلميذ هو نواة المجتمع الحية، بل وهو اللبنة الأساس، في بناء مجتمع قوي متراس،لكن في ظل هذه المشاكل والأزمات، التي يمكنه أن يكون له فيها يد فعلا،أو تلك التي تكون خارجة عن إرادته ،فيكون حينها كبش فداء يذبح أو يُعقَر أو ينحر،فيقدم فداء من أجل الحفاظ على المصالح،لكن لا نقول أنه معذور أو مستثنى ،بقدر ما يجب عليه أداء تكاليف هذه المسؤولية ،لأنه طرف ضمن العلاقة السببية في اختفاء التربية، ولذاك كان عليه لزاما إزالة غبار الغباء ومراجعة نفسه بذل الاستياء،و أن يترك التقليد وتجنب لغة التعقيد،والرقي بالذات نحو الهدف المرغوب وتحقيق المستوى المطلوب . يقال إن معالجة المرض، تقتضي معالجته من أصله واستئصال ما يشوب جذوره، وعليه فإن معالجة مشكل التربية، ليس بالأمر السهل، بحيث يستوجب ذلك إعادة النظر في أصلها وتصفية منبعها، حيث، سننطلق من الأسرة، وصولا إلى المدرسة. المدرسة الأولى( الأسرة): مما لا شك فيه، أن للأسرة دورا هاما في بناء شخصية الأبناء، كما لها الوقع الكبير في نفسيتهم. فمن بين الحلول، التي من شأنها إعادة بعث الروح في جسد التربية لدى التلميذ، نذكر ما يلي: 1-يتعين على الآباء تخصيص وقت كاف للجلوس مع الأبناء. 2-التركيز على التربية الأخلاقية والمُثُل الطيبة، وأن يكون الوالدان قدوة حسنة لأبنائهما. 3-احترام الأبناء عن طريق الاحترام المتبادل، وتنمية الوعي، والصراحة، والوضوح. 4-عدم ترك المجال مفتوح أمام الأبناء فيما يخص اللباس والمظهر. الحذر ثم الحذر من إهمال تربية الأبناء، فإنها جريمة، لا تغتفر وفق قانون الفطرة السليمة، ومبدأ التنشئة الرشيدة. دور المدير في رعاية التلاميذ: نذكر بعضها على سبيل الذكر لا الحصر : اطلاع التلاميذ على النظام المدرسي وتذكيرهم بحقوقهم وما عليهم من واجبات. تأطير علاقة التلميذ بالمعلم وكذا علاقته إدارة المؤسسة. . إلزام التلاميذ بالقانون الداخلي للمؤسسة. مواجهة مشكلات التلاميذ النفسية المتعلقة بالأسرة أو المدرسة دور الأستاذ تجاه تلامذته: إن رسالة المعلم لم تعد منحصرة في التعليم فقط، بل تتعدى ذلك، فالمعلم المربي هو عبارة عن خليط متماسك حيث يجتمع فيه الأب والأخ والصديق، وهذا يظهر جليا من خلال: تثبيت القيم والاتجاهات السليمة من خلال التعليم. توجيه التلاميذ وإرشادهم باستمرار. تشجيع التلاميذ ومكافأتهم. القدوة الحسنة لتلامذته في تصرفاته وسلوكه . المساواة في التعامل مع التلاميذ. فيا أيها الآباء والمعلمون،خذوا بأيدي هؤلاء الفتية و أرشدوهم إلى الطريق الصحيح،وأهدوهم إلى مكارم الدين بغرس محبته في قلوبهم ،فنحن اليوم بحاجة ماسة إلى إحياء القيم،و إعادة بعث الروح فيها من جديد،حيث أصبح علينا لزاما البحث والتنقيب عن حبل النجاة وسط كومة المشاكل والأزمات،لنخرج من هذا النفق الضيق المظلم.