عودة إلى أصول الخلاف الذي أحدث التحول التاريخي في حياة الإسلام بالنسبة للرواة والمؤرخين، عدت واقعة "سقيفة بني ساعدة"، نقطة تحول تاريخي في حياة الإسلام التي لازالت ترخي بظلالها على العالم الإسلامي إلى الآن. طرحت الواقعة إشكالية الخلافة، وسؤال من له أحقية خلافة المسلمين، وقضية الشورى، كإحدى أهم نقاط الخلاف التاريخي الديني الذي أوقع تصدعا بين المسلمين، ليفرقهم بين سنة وشيعة. هي عودة تاريخية، نحن بحاجة إليها اليوم، لفهم ما جرى خلال وقائع حادثة السقيفة، سقيفة بني ساعدة، رغم اختلاف الروايات بشأنها، أين جرت أول مفاوضات علنية بين المسلمين لاختيار ومن يقوم على سياستهم بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، نوردها بقراءات الأطراف المتصارعة. 13- ما حدث في السقيفة برواية معاوية أشار معاوية خلال أيام حكمه على الشام الى ليلة السقيفة تلك في كتاب أرسله لعلي أثناء معارك "صفين"، ما جاء فيه: "وأعهدُك أمس تحمل قعيدة بيتك ليلاً على حمار ويداك في يدي ابنيك الحسن والحسين يوم بويع ابو بكر الصدّيق، فلم تدع أحداً من أهل بدر والسوابق إلاّ دعوتهم إلى نفسك ومشيت إليهم بامرأتك، وأدللت إليهم بابنيك، واستنصرتهم على صاحب رسول اللّه، فلم يجبك منهم إلاّ أربعة أو خمسة، ولَعَمري لو كنتَ مُحقّاً لاجابوك ولكنّك اُدعيت باطلاً وقلت ما لا يعرف ورُمت ما لا يدرك. ومهما نسيت فلا أنسى قولك لابي سفيان لمّا حرَّكَك وهيَّجك: لو وجدتُ أربعين ذوي عزم منهم لناهضتُ القوم". ( "ابن سبأ" للعسكري، باب السقيفة، وأيضا في "شرح نهج البلاغة" ج2 ص67. ووورد في رسالة آخرى من معاوية إلى علي بن أبي طالب، يذكر فيها كذلك بعض ما جرى في السقيفة، كتب معاوية: "وعلى كلهم بغيت عرفنا ذلك في نظرك الشزر، وقولك الهجر، وتنفسك الصعداء، وإبطائك عن الخلفاء، تقاد إلى كل منهم كما يقاد الفحل المخشوش حتى تبايع وأنت كاره". (كتاب "صفين"،لنصر المنقري). وكان رد علي بن أبي طالب مثلما أورده نفس الكتاب: "أما بعد، فقد أتاني كتابك.. وقلت: إني كنت أُقاد كما يقاد الجمل المخشوش حتى أبايع.. ولعمر الله لقد أردت أن تذمّ فمدحت، وأن تفضح فافتضحت، وما على المسلم من غضاضة في أن يكون مظلوماً ما لم يكن شاكّاً في دينه ولا مرتاباً بيقينه.."، (ضمنتها أيضا رسائل علي في "نهج البلاغة"). تجدر الإشارة هنا، إلى أن الشيعة تورد هذه النصوص للتدليل على ان عليا بن أبي طالب إنما أُجبر على بيعة أبي بكر، وتدلل به كذلك بأنه "هو وصي النبي (ص) وأنه الأولى بالخلافة"، حسب منظورها. كما تورد رواية اليعقوبي الآتي: "واجتمع جماعة إلى عليّ بن أبي طالب يدعونه إلى البيعة، فقال لهم: أُغدوا عليّ محلّقين الرؤوس؛ فلم يغد عليه إلاّ ثلاثة نفر". (عبد الله بن سبأ للعسكري، فصل السقيفة .وأيضا عن "تاريخ" اليعقوبي ج 2 ص 105، و "شرح نهج البلاغة" لابن أبي الحديد ج 2 ص 4). وورد أيضا: "ّثم إن علياً حمل فاطمة على حمار وسار بها ليلاً إلى بيوت الانصار يسألهم النُصْرة وتسألهم فاطمة الانتصار له فكانوا يقولون: يا بنت رسول اللّه قد مضت بيعتنا لهذا الرجل، ولو كان ابن عمك سبق إلينا أبا بكر ما عدلنا به، فقال عليّ: أفكنتُ أترك رسول اللّه (ص) ميتاً في بيته لم أُجَهزه وأخرج إلى الناس اُنازعهم في سلطانه؟ فقالت فاطمة: ما صنع أبو الحسن إلاّ ما كان ينبغي له، ولقد صنعوا ما اللّه حسيبهم عليه!" ( "ابن سبأ" للعسكري، باب السقيفة، ثم كتاب "السقيفة" للجوهري، و "الامامة والسياسة" لابن قتيبة ج1 ص12).