في عالم يعرف تغيرات اقتصادية واجتماعية وأخرى قيمية أخلاقية، بات يستوجب على أفراد الإنسانية جمعاء الاشتغال معا بطريقة تستثمر رأس المال البشري من أفكار وطاقات وكفاءات لمحاولة إيجاد طريقة لخلق التوازن وتحسين طريقة عيشه على هذه الأرض. والإنسان العربي حاجته للاستقرار والحرية والعدالة الاجتماعية كبيرة، مما يجعلنا نقول أن الخوض في معارك جانبية مجرد هدر للوقت والجهد في أمور غير أساسية، سيفوت على الإنسان العربي اللحاق بركب التنمية وسيستمر سنوات ضوئية وهو يبكي حاله ويشكو غدر الزمان و تكالب الأعداء و قلة الحيلة وكثرة الحساد. ومن الظواهر الاجتماعية التي تصنفنا في قائمة التخلف، قضية الصراع والتصادم وعدم إدراك أولوية الوقت الراهن؛ قضية الصراع المفتعل بين الرجل والمرأة ومحاولة كل طرف إثبات تفوقه العقلي والنفسي والإنجازاتي على حساب إنسانية الآخر، هذه القضية التي أرادوا لها أن تتحول لقضية رأي مجتمع وخصصت لها أقلام وأعمار للدفاع عن أطروحتها ومطالبها لا تزال مؤشر على المستوى الثقافي المتراجع الذي وصلت إليه مجتمعاتنا العربية. قضية نقلت الحدة والتصادم من الفضاء العام والمشترك لتتزع التراحمية والتعايش في الفضاء الخاص ، هو صراع أرادوا له أن يتحول إلى عقيدة و فكرة أزلية تورث لجيل بعد جيل، علاقة متوترة متشنجة تسود في أغلب نقط الاحتكاك بالجنس الآخر سواء دراسة أو عمل أو اشتراك في عمل تطوعي ومبادرات خيرية. ليس الواقع سيئا جدا فلا ننكر وجود بعض مساحات من الأمل والوعي بأهمية التكامل والتعاون، لكن ليس كل الواقع اليومي الذي نعيشه يترجم هذه الصورة الوردية، فلا زلنا نحتاج لجهود كثيرة؛ تغير من سلوكياتنا وتصحح تصوراتنا غير السليمة عن الآخر الذي يمثل انعكاس الوجود، فلا تستقيم الحياة بغياب شروط استمراها إذا غيبنا أحد عناصرها. و يمكن القول أننا لا زلنا نعيش في مجتمعات ما قبل التحضر كما قال مالك بن نبي في كتابه " مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي " ، عالم يتمركز حول الأشياء تحول فيه الرجل والمرأة إلى كائنات مادية جردت من خصوصيتها الذاتية فغدت قابلة للتشيء والسلعنة، عالم اقتنع بأفكار جاهزة و اتخدها آلهة يتقرب لها ليلا ونهارا ولا يبخل كل حين أن يقدم لها روح الإنسانية قربانا. في خضم هذا الواقع الذي نأمل أن يقوم أصحاب الضمائر الراقية وذوي الأقلام الحرة في تغيير ما استطاعوا إليه سبيلا، أشارككم بعض الأسئلة التي هي في عمقها دعوة جماعية لنفكر في وسيلة نطور فيها الاجتماع البشري، فكم من الوقت ضاع وراء معارك مجانية وكم من علاقات خربت بسبب تبادل اتهامات ونكات وسخريات رسخت في عقلنا اللاوعي. ألسنا نحتاج لتوبة جماعية من سيكولوجية التنقيص والإحساس بالتفوق الجنسي وتبخيس الآخر؟ لمصلحة من تروج هذه العقليات الغارقة في التجريد والمادية وتشييء الآخر؟ من المستفيد الحقيقي من تشجيع الفكر التصادمي وإذكاء النفس السلبي؟ ألسنا بحاجة إلى ثورات فكرية عميقة، نعيد فيها ترتيب بيوتنا الداخلية بشكل منظم، فهل يحق لمن يعيش فوضى وجدانية أن يخاطب الناس بنظريات ميتافيزيقية بعيدة عن الحاجات المطلوبة؟ ألم يحن الوقت أن نتوقف عن هدر مشاعرنا وأعمارنا في معارك أصلها فاسد وهدفها مغرض؟ أليس توقفنا عن التزود المعرفي وعشق السفر عن الحكمة هو ما يجعلنا نعيد إجترار كلام وصراعات مجتمعات أخرى وأجيال سابقة؟ أليس من واجبنا أن نهيئ مناخا فكريا سليما وعلاقات راقية متوازنة للأجيال المقبلة ؟ وكيف يتحقق كل هذا ولم نقرر أن نبدأ التغير من أنفسنا أولا؟ لكي نغير واقعنا لابد أن نستمر دوما في طرح السؤال، تفكيك الواقع، رفض الجاهز، التطلع للأفضل .