في حديث الجمعة الأخير أشرنا إلى بعض القضايا التي أثارها أحد المستشرقين في موضوع تصادم العالم الإسلامي مع العالم المسيحي أو الشرق والغرب كما يعبر البعض ويخرج البعض من هذا الإشكال في التعبير فيتحدث عن صدام الإسلام والغرب. وقد كانت النية مواصلة الحديث عن هذا الصدام من خلال كتاب (أين يكمن الخطأ؟) الذي حاول فيه صاحبه الحديث عن نتائج هذا الصدام سلبا وإيجابا غير أن حدثا طارئا حال دون إتمام الكلام عن هذا الموضوع في حديث اليوم ولعل ذلك سيتم في الحديث المقبل إن شاء الله. وحتى يبقى حديث الجمعة في نفس السياق فقد آثرت أن أقتبس فصلا من فصول كتاب سبق نشر فصوله ما بين خريف 2010 وخريف 2011 تحت عنوان أزمة الشعوب مع القيادة في المجتمعات الإسلامية والفصل يتناول موضوعا تمت الإشارة إليه في الحديث الأخير وهو: ما هي النتائج الإيجابية لثورات التحرير في العالم الإسلامي على الشعوب التي ثارت في وجه الاستعمار الأوربي؟ وهل تحقق لهذه الشعوب ما كانت تريده من الحرية والتحرر في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية؟ وهو موضوع له ارتباط وعلاقة وطيدة بأحداث وتواريخ عرفها شهر نونبر في كثير من أقطار العالم الإسلامي ففي هذا الشهر كان وعد بلفور لارتكاب أكبر سرقة لأرض شعب وإعطاءها لعناصر من شعوب مختلفة أسست دولة بفعل تحرك عصابات من هؤلاء الأفاقين ولا تزال محنة أهل هذه الأرض مع هذه العصابات مستمرة والأحداث الجارية حاليا في مدينة القدس التي يسعى الصهاينة لتهويدها كاملة دليل على السعي لتثبيت الوعد بالسرقة وفي نونبر كانت انتصارات الحركة الوطنية المغربية وفيها انطلقت الثورة الجزائرية وكثير من هذه الأحداث، يستحق التعليق والحديث ولذلك كان السؤال هو:
********
من قرن إلى قرن والحالة كما هي؟ انتهينا في الحلقة الثالثة عشرة من هذه الحلقات التي خصصناها للحديث عن أزمة القيادة في المجتمعات الإسلامية إلى نتيجتين اثنتين لأوضاع المجتمعات الإسلامية في القرن الثامن عشر وهما السقوط في براتن الاستعمار، والنهضة ومحاولة التجديد. ومما هو أكيد أن الحالة التي أدت إلى ذلك السقوط لا تزال ملامحها ماثلة في المجتمعات الإسلامية ونحن نجتاز سنوات العقد الأول من القرن الواحد والعشرين بل أن مجتمعاتنا في السنة الأولى من العقد الثاني من هذا القرن كما انهينا الثلث الأول من القرن الخامس عشر الهجري وقد كانت بداية هذا القرن بداية تفاؤل لدى هذه القيادات وان كانت الأوضاع في العالم الإسلامي في مفتتح القرن الخامس عشر الهجري لم تكن مشجعة على التفاؤل إذ كانت الحروب الأهلية والحروب البينية وقمع الحريات وسيطرة نظام الحزب الوحيد وإعلان الأحكام العرفية في كثير من العالم الإسلامي هي السمة البارزة ولا تزال الأوضاع تراوح مكانها مع الأسف الشديد. فوضى أم نهضة؟: ومما لا شك فيه أن تلك الوضعية المزرية التي تحدثنا عنها في الحلقة الأخيرة يمكن بعملية إسقاط بسيطة أن نلحظها في كثير من المجتمعات إن لم يكن في كل مجتمعات العالم الإسلامي، وأهم ما يلحظ هو عدم وجود الانسجام الضروري بين القيادات على اختلاف أصنافها وبين هذه المجتمعات مما جعل الأوضاع تتردى في أكثر من بلد، وتعم القلاقل والفوضى لأن الشعوب شعرت انها مرة أخرى تدنيها أوضاعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وإغراقها بالديون من لدن حكومات الغرب الاستعمارية القديمة والجديدة ومن لدن المؤسسات المالية العالمية، وحتى الدول التي لديها من الرصيد المالي ومن الثروات ما يمكنها من تحقيق الرفاهية والتنمية الضرورية لشعوبها لا تفعل ذلك وليس الوضع في دولها بأحسن من غيره في دول أخرى لا تتوفر على نفس الإمكانيات. عناء وفقر وتعرف الشعوب من خلال التقارير التي تنجزها وسائل الإعلام الغربية والمؤسسات المالية حجم الأموال المودعة لدى الأبناك الأجنبية هنا وهناك والتي تقدر بمآت الملايير من الدولارات والشعوب تتضور جوعا وتعيش في بطالة وفقر مدقع دون توفير العلاج من الأمراض التي تفتك بجزء مهم من هذه الشعوب ودون السعي لبناء نهضة صناعية واقتصادية، وأحرى أن تعمل هذه القيادات للدخول في تنافسية مع العالم الأخر فيما وصل إليه في المجالات العلمية والتقنية وأخرى أن تلج وتدق أبواب الحضارة الرقمية. ما هو المصير؟ فهل ننتظر من هذا الواقع المؤلم والبئيس والتشبيه بالأوضاع التي أدت إلى السقوط في يد الاستعمار ان تعود الأمة الإسلامية مرة أخرى إلى الوقوع في براتن الحكم الأجنبي والاستعمار الجديد الذي غير الأسلوب مع بقاء الأهداف هي هي؟. انه سؤال مؤرق وملح، ومن يراقب ما يقرر في دوائر الغرب العدو التقليدي والمتربص بهذا العالم وخيراته لا يمكنه إلا أن يتوجس ويضع يده على قلبه ان كان لا يزال لدى ذوي الغيرة من هذه الأمة قلوب تتحمل، وأكباد لم تتفطر من هول ما يجري وما يحدث. نماذج من الماضي: ان البعض تفاءل فيما يحدث هنا وهناك، والإنسان الذي اكتوى بالطغيان والاستبداد والقهر والنظام البوليسي الذي يحصي الأنفاس ويطبخ الملفات ويدفع بالكثير من شرفاء الأوطان والمجتمعات إلى غياهب السجون أو العيش في ملاجئ الغرب ودوله رغم ما يكنه ويكنونه له من التربص الأناني في المجتمعات الإسلامية والحالة كما هو معروف لا يسعه إلا أن يتفاءل وهو يرى الطغيان يتهاون ويسقط. عبرة من الماضي ولكن، لا بد من اليقظة ونحن نقارن حالة بحالة الم يحدث ذلك عندما تهاوى النظام الاستبدادي في السلطة العثمانية وأعلن الدستور وسقط نظام السلطان عبد الحميد الثاني عام 1909 حيث عمت الفرحة كل أرجاء السلطنة العثمانية وعاد المقيمون خارج السلطنة الم يحدث ذلك كذلك عندما أعلن الدستور في إيران 1906 الم يبتهج المغاربة وهم يحررون البيعة المشروطة وينصبون ملك الجهاد؟ ألم يحدث ما يشبه ذلك عندما أعلن العرب ما أسموه بالثورة الكبرى وعند نهاية الحرب قال شوقي البيت المشهور: وأردنا من الغنائم حظا *** فدخلنا الوغى وكنا الغنائم وقِسْ على ذلك ما حدث في غير ما ذكرنا من البلدان. ولكن لماذا نوغل في التاريخ وهذه الثورات التي أعلنت ضد الاستعمار وانتصرت ماذا كان الواقع بعدها؟ الذي حصل هو ان الشعوب سلخت عقودا ليتم إعلان ما نشاهد اليوم من ثورات ومظاهرات. ضرورة الحذر واليقظة: إن الأمر يتطلب الكثير من الحذر والحيطة ذلك أن مسارعة بعض الدول التي لها حساباتها الخاصة مع الشعوب وتاريخها وحضارتها وما تقوم به في أجزاء كثيرة من المجتمعات الإسلامية يطرح مسؤوليات كبرى في هذه المرحلة الدقيقة حتى لا يخطئ الناس الحساب من جديد، وحتى لا يكونوا على خلاف مع موعد التاريخ. لقد كان مالك بن نبي رحمه الله ينظر دائما بعين الريبة لتصرفات المستعمرين ويضع ما يجري هنا وهناك آنذاك في دائرة الصراع الفكري أو الصراع مع الاستعمار. والصراع الفكري يرى فيه محاربة الأفكار الجيدة بوسائل دنيئة لا يتقنها ذووا الأفكار النظيفة والنيرة. ثم ان لنا من الخبرة مع نتائج ثورات سابقة ضد الاستعمار ما يجعلنا نخشى من نتائج ما يحدث، فالثورات التي قامت بها هذه الشعوب ضد الاستعمار آل أمرها إلى أن الاستعمار خرج من الباب وعاد من الشبابيك بل من الأبواب الخلفية التي تركها مشرعة بترتيبات سابقة. تضحيات وجهات متربصة: إن الداعي إلى هذا الحذر الذي رأيت من الضروري التعبير عنه هو الحرص على ان لا تذهب الجهود والتضحيات التي يبذلها الناس هنا وهناك وتكون القوات الاستعمارية المتربصة والمتعطشة للمحافظة على المكاسب بل تحصينها بمزيد من المكاسب في المجال السياسي والاقتصادي والحضاري؛ اذ يجب ان لا ننسى ان الصراع بالأساس هو صراع حضاري مهما حاول البعض إخفاء ذلك لأن الكتابات والتصريحات والتقارير الاستخباراتية وحتى الصحفية والتاريخية تقول ان الصراع حضاري بامتياز. ان الإنسان لا يمكنه ان يتجاهل التاريخ ولا ان يتجاهل ما حدث في الماضي وما يحدث الآن وإذ كان ما يجري الآن هو في طور المخاض. فان الحديث عن الماضي الذي افرز الواقع الحالي لا بد ان نستحضره كما دونه مؤرخوا المرحلة فصاحب ( حاضر العالم الإسلامي) ( لتوروب ستودارد) الذي أرخ للمرحلة السابقة لما قلنا. سيطرة وتأثير؟: إن سيطرة الغرب على الشرق هي القوة الهائلة الشاغلة مكانا خطيرا في تطور الشرق في هذا العصر، وبسبب هذه السيطرة ما برحت لواقح المؤثرات الغربية تنبث وتنتشر، لا بل تتدفق على بلاد وتطمو على كل رقعة، حتى غدا التغرب من أكبر عوامل التبدل والانقلاب في العالم الإسلامي، حتى وفي الشعوب الأسيوية والإفريقية غير المسلمة ولكن الاحتراز أن تؤخذ من هذا أن السيطرة الأوروبية هي السبب والعامل في جميع هذه الاستحالات والانقلابات الحديثة في العالم الإسلامي. انفعال متبادل ويشير الكاتب إلى أنه سبق له الكلام في هذا المجال فقد سبق لنا الكلام مبسوطا، مبينا فيه كيف أن عناصر المزاج الإسلامي ما انفكت طيلة القرن الأخير ينفعل بعضها ببعض انفعالا شديدا، فيدثر منها ما يدثر، ويستجد فيها ما يستجد، وتتلاشى قوى وتتولد أخرى، وذلك جميعه، على ما نقيم من الوزن لما هو متدفق من العوامل الغربية الطارئة من خارج، إنما هو بحد ذاته تجدد قائم في الباطن؛ فعله بالغ كل البلوغ من طبائع ذلك المزاج وعناصره مما لا مندوحة لسنة النشوء والتجدد عنه. وعلى ذلك فما هو واقع مشهود في العالم الإسلامي اليوم من التبدل والتحول والتطور يجب ألا يعتبر مجرد محاكاة للغرب وتشبه به فحسب، بل إنما ذلك هو نتيجة تفاعل العناصر تفاعلا مكونا لشيء جديد، وهو الأخذ عن الغرب أخذا مفرغا في بوتقة شرقية وفي قالب إسلامي. حضارة وحضارة: ويجب فوق ذلك ألا يغيب عن الأذهان ان الشعوب الأسيوية التي يتألف منها سواد المسلمين ليست، كما يقول بعضهم، شعوبا متدلية منحطة كزنوج افريقية والجزائر الاسترالية، بل أنها لذات حضارة بديعة حية منذ القرون الخوالي، حضارة هي نتاج إسلامي صرف، متكون من صنع المسلمين وثمرات جهودهم. ومتى ما أخذنا نعتبر ما قد استطاعته هذه الشعوب الإسلامية من تشييد المعالي، وفروع ذروات المجد فيما مضى، أمنا الحطل بقولنا الآن اننا نستبين خلال هذا الغليان الهائل في العالم الإسلامي تجددا حقيقيا، صحيحا رائعا، ولا غرابة في ذلك ان عاد الإسلام يستعيد من عزه الغابر وعلاه السالف، وهذا تاريخه المجيد شاهد له على ما كان عليه المسلمون قبلا من الحضارة والعمران. بين سيطرة وسيطرة: إن سيطرة الغرب الحديثة على الشرق لا مثيل لها في التاريخ من حيث العظامة والخطورة، والمدى والمجال. فما كان لليونان ورومية من قبل من السيطرة المحدودة النطاق على بعض من العالم، لا يعد بالإضافة إلى سيطرة الغرب اليوم شيئا مذكورا. والغريب في حديث هذه السيطرة الغريبة انها بنت خمسة عقود من السنين لا أكثر، بدأ سيلها يتدفق على الشرق منذ نحو منتصف القرن التاسع عشر، ومنذ ذلك الحين لم تزل وسائلها وأسبابها تنتشر وتعم؛ ذلك كالطرق، والمسالك الحديدية، والبرد، والبرق، والكتب والصحف والمجلات، وكشيوع جديد الآراء والأفكار المتوالية الازدياد في كل مصر شرقي. وباتت السفن التجارية تمخر عباب بحور الشرق وترسو في كل ثغر من ثغوره، وطفقت التجارة تمتد ناشرة وفر البضاعات والأرزاق. الطبقة الأكثر تأثير؟: وأظهر ما يكون التغرب في الطبقتين العليا والوسطى، ولا سيما في أولئك المتهذبين على الطراز الغربي، وهم الأقلون في كل بلد من بلدان المسلمين، وعددهم ومبلغ مالهم من السلطة ونفاذ الكلمة فعلى تفاوت في موضع موضع: يقولون باقتباس الأفكار والآراء الغربية، ولكنهم يختلفون في القدر الذي يقتضي الحصول عليه. فمنهم من يقول باقتباس الفضائل الغربية الصحيحة مضافة إلى ما في تراث آبائهم وأجدادهم من الفضائل العليا والفلسفة السامية بحيث يكون لهم من هذا وذاك مزيج جامع بعناصره ومواده لاحاسن الحاضرتين الشرقية والغربية، ومنهم من يقول بإهمال هذا التراث ولو كان شأنه حسنا مهما كان، وبالاندفاع للتغرب والانكباب عليه بأوسع نطاق. ومنهم من يتظاهر بالتغرب تظاهرا من ورائه المقت والشنأة للحضارة الغربية، ان هذا الواقع لا يزال مستمرا وقد طفا على السطح عاليا في تونس وفي مصر. الاستعمار والحضارة: وقد وصف العلامة «رمسي موير» وهو من كرماء أرباب مذهب التوسع الإمبراطوري، هذه الحقيقة بقوله: «من الحق الذي لا يماري فيه ان توسع الأمم الأوروبية التوسع الاستعماري، كاد يكون الذريعة الوحيدة التي انتشرت على يدها الحضارة الغربية في جميع رقاع العالم المعمور، فبات على أثر ذلك وحدة اقتصادية كالحلقة المفرغة، وأمست جميع شعوبه وأممه تسير على نظم سياسية أدناها صائر إلى مماثلة أرقاها. وهذا مما يحملنا على الاعتقاد أن العالم بأسره هو مسوق إلى الانضواء تحت نظام عالمي عام، قائم على طراز شامل لم يحلم بمثله المتقدمون.» ان النص أعلاه الذي يحلل السيطرة الغربية على العالم الإسلامي في القرن التاسع عشر يوضح بجلاء. 1/ ان الأمر هو بداية ونهاية أمر حضارة في مواجهة حضارة أخرى وهو يحلل إلى أي حد تأثرت النهضة التي يؤرخ لها بالاحتلال والاستعمار الغربيين: فيرى ان التأثير هو مزاح بين الحضارة الأصلية الإسلامية وبين ما جاء به الغرب. 2/ ان هذا الرأي الذي يذهب إليه المؤرخ الأمريكي لا يسانده فيه دعاة الإمبراطورية وحاملوا لواء الاستعمار الغربي الذي يرى ان ما عرفه الشرق من (نهضة) هو وليد التأثيرات الاستعمارية. وصية اللورد كرومر: وهذه شهادة أخرى من احد دهاقنة الاستعمار الأوروبي في العالم الإسلامي اللورد كرومر المعروف جيدا يوصي الاستعمار بمراعاة قواعد معينة للحفاظ على نفوذ الاستعمار يقول: وصف الاستعمار وقد أصاب اللورد كرومر في وصفه أدب الاستعمار الحديث بقوله: « يجب ان تكون السياسة الاستعمارية قائمة على قواعد التبصر والحكمة. ويجب أن تكون أصول أحكامنا التي هي الصلة بيننا وبين جميع الشعوب الداخلة في حكمنا، من حيث الاعتبار السياسي والاقتصادي والأدبي، قواعد صحيحة سليمة منزهة عن الشائبة والنقص. هذا هو حجر الزاوية في بناء الإمبراطورية. ان المبرر الأكبر للاستعمار يجب أن يظهر جليا في حسن التصرف بما في أيدي هذه الإمبراطورية من القوى. فان استطعنا ذلك فكنا فيه من الحكماء، ولينا وجوهنا شطر المستقبل رفيعي الجباه لا نخشى ان يعرونا ما عرا الإمبراطورية الرومانية من قبلُ من الفساد والدخل، وان لم نستطعه فكنا فيه من الجهلاء الأغبياء، فقد استحقت الإمبراطورية البريطانية الانهيار من علن و لسرعان ما تتناثر حلقاتها وتتبدد بعد الاجتماع». وقد تحقق نبوءة كرومر فالإمبراطورية البريطانية سارت على نهج يخالف وصيته وتناثرت الإمبراطورية البريطانية كغيرها من الإمبراطوريات. المفاسد تنتج عنها الكراهية: فهذه المفاسد الناشئة عن تيار التغرب إنما هي من الأسباب الكبرى في انتشار روح البغضاء والكره في أصقاع الشرق لكل شيء غربي، وقد عمت هذه الروح حتى شملت الكثير من أولئك الواقفين على طبائع حضارة الغرب وعمرانه حق الوقوف، فساعد ذلك كله على ازدياد الروح الرجعية المقاومة لسيطرة الغرب السياسية. إن هذه الكلمات وإذ كان قائلها قد عنى بها وصف الحالة في الهند على الخصوص، فهي تصح ان تتخذ تمثيلا لصفة الحال في كل بقعة من بقاع الشرقين الأدنى والأوسط. قال أحد كتاب الفرنسيين في هذا الشأن: « الحق أن الشرق على العموم، والعالم الإسلامي على الخصوص، لفي دور من الانتقال عظيم. يجوز الشرق اليوم برزخا فيه يعارك الماضي الحاضر، وتتنازع العادات القديمة والجديدة الدخيلة، فبدت صور غريبة ومشاهد عجيبة.»
إن هذه الفقرة التي عبرت عن واقع مر عليه أزيد من قرن لم يعط للشرق ولا للعرب المسلمين ما كان مؤملا من نهضة ونفوذ وعدالة وحضارة وهذا أدى إلى الأزمة بين القيادة والشعوب والأزمة أدت إلى المخاض الحالي وهو ما يفرض حذر ويقظة ليلا يتكرر ما حدث في الماضي.