تحدث كتب التاريخ العربية والغربية عن مدينة فاس منذ القدم، كونها عاصمة العلم والمعرفة، في حقبة من حقب الظلام الغربي" العصور الوسطى"، تتلمذ وتخرج من جامعتها "القرويين" ألمع علماء الدين والشريعة، وجهابدة القظاء، لازال التاريخ يشهد لهم بكفائتهم ونبوغهم، وأنا شخصيا سقط بين يداي مؤلف ترجم للغة الفرنسية يدرس في جامعة القدس، لمؤلفه الونشريسي جزائري الاصل وفاسي التكوين والتعلم خيرج جامعة القرويين، هذا مجرد مثل بسيط، ان كان يدل فهو يدل على مدى تأثير وتأثر العالم بأسره بانتاجات علماء وخريجي جامعة فاس العريقة. كلما سمعنا فاس الا وتبادر الى دهنها العلم والمعرفة، المجد المغربي الضائع، اليوم فاس ليس هي فاس التي يعرفها الجميع، وحتى الجامعة الاعرق في تاريخ الاسلامي، أضحت مجرد كلية بسيط على مشارف منطقة سايس، تحولت الى مجرد كلية بسيطة، لا علاقة لها بتاريخ جامعة القرويين، تتخبط في مشاكل كمثيلاتها من الكليات، اضرابات ومقاطعات، وحقا انها لا نهاية مؤسفة لقلب نابض للحضارة الاسلامية في زمن من ازمنة.
وأنا أمشط شوارع هذه المدينة العزيزة على قلب والقريبة الى وجداني، أبحث عن عبق التاريخ، وفي أحيان كثيرة، أتذكر تلك الشخصيات التي مرت من هنا ذات زمان، أبحث عن رائحة الزهر الضائعة، وعن جلسات العلم والمعرفة، وفي كل مرة رجعت الى بيتي بخفي حنين خاوي الوفاض، رحل الجميع ورحل معهم ذلك العصر الذهبي المجيد.
فاس اليوم أضحت مقسمة وفقا لمنطق الجريمة والفقر والمخدرات، وأحزمة البؤس والعار التي تنتشر على طول مشارفها الغربية والشمالية، ولأن فاس تعيش وفقا لثلاثية البؤس الجريمة الفقر المخدرات، ونعلم جيدا الظواهر الاخرى المصاحبة لهذه الثلاثية من دعارة وتفكك أسري، يزيد من تعميق الشرخ الذي تعاني منه المدينة، في ظل غياب كلي لرغبة مركزية في اعادة المدينة الى أوجها وسكتها الصحيحة.
سياسيو ومنتخبو المدينة، يعززون هذا الانحطاط أو الدمار الذي تعرفه المدينة، لغايات سياسية وانتخابية، وشغلهم الشاغل التدافع نحو تجزيء جميع المناطق بالاسمنت الحديدي حتى غابة "عين الشقف" لم تسلم بدورها من مافيات العقار، الذي يدر عليهم مداخيل خالية، جعلتهم في ظرف قياسي يلعبون بملايير الدراهم، وهذا المال المتاح وبوفرة أتاح لهم كذلك ادارة أخطبوط الدعارة والمخدرات، والمدينة التي عرفت بأعلامها في مضى، أضحت مقسمة لمناطق تخضع لسيطرة مافيات المخدرات أسمائهم وألقابهم، يعرفها الصغير والكبير في مدينة فاس.
تأوي اليوم فاس ما يفوق 74 ألف طالبة وطالب، وتتخرج أفواج كبيرة من المعطلين والمعطلات كل سنة، مدينة بهذا الحجم لا تتوفر على منطقة صناعية قادرة على امتصاص ولو أعداد ضئيلة من الخريجين الشباب، مدينة تراجعت فيها الصناعة التقليدية بشكل خطير ولا تتوفر على مناطق صناعية مؤهلة، يؤدي بضرورة الى تأزيم وضعية العشرات من الشباب والشابات، والذين يصبحون بدورهم صيد ثمين لمروجي السموم القاتلة "الحشيش".
وفي الاخير لابد أن نسائل القائمين على شأن المحلي لهذه المدينة المجيدة، ونحن على مشارف انتخابات ساخنة، ظهرت بوادرها الى العيان، منذ الشهر الماضي، ماذا قدمتم لهذه المدينة ولساكنتها؟ أو بصيغة اخرى أكثر وضوحا، بأي وجه ستخاطبون المواطن؟، لكن قبح الله الفقر الذي أتاح لكم شراء الذمم والمتاجرة فيها، ومادام العقار يدر مداخيل سمينة، ومع اضافة 500 هكتار لنفود الترابي لفاس مؤخرا، قيل أن أحد المنتخبين يملك فيها النصف 250 هكتار،معناه سيتم توزيع هذه المرة سيارات بدل دراجات نارية "تريبورتور"، وعوض تنظيم حفلات الزواج الجماعي، سينضاف اليها رحلة أسبوع العسل، هذا العسل الذي خرج من دبر النحلة، الموظف البسيط الذي يحلم بسقف بيت يقيه شر الكراء وتشرد، وبهذه مناسبة نقول دامت لكم الافراح والمسرات، أما أنا سأعود لذلك الماضي المجيد الطويل لهذه المدينة، وأبكي في صمت على ضياعه، كما تئن الام لضياع أبنائها