أعلنت تشكيلة سريالية من النقابات، ذات الهويات والمشارب المتعددة، نيتها المشاركة في إضراب 29 أكتوبر لتوجيه إنذار للحكومة النصف ملتحية، تمهيدا للإجهاز عليها بصفة نهائية!! فماذا صنعت حكومة "إسلام لايت" ليتشكل ضدها حلف وارسو جديد؟ وأية أهداف بعيدة وحّدت بين ذلك الخليط غير المتجانس من النقابات التي تعجز عن تحقيق التجانس حتى بين مكوناتها الذاتية؟ وأي دور ل"المخزن" في ذلك الحشد النقابي الذي ما كان له أن يتحقق في ظل حالة التشظي التي تشهدها الساحة السياسية؟ هي أسئلة قد تبدوا في ظاهرها بسيطة، إلا أن الإجابة عنها تقتضي بحثا أكاديميا شبيها بمؤلف الباحث الدكتور عبد الوهاب المسيري "موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية"!!! الذي جاء في ثماني مجلدات !!! فالأمر غاية في التعقيد، وليس بالبساطة التي يظهر عليها: حكومة أخلت بالتزاماتها اتجاه الشعب المغربي فهبت النقابات للصراخ في وجهها دفاعا عن الفقراء والكادحين! فلابد لفهم الدوافع الحقيقية لذلك الحلف الغريب من الرجوع قليلا إلى الخلف.... إلى أيام الربيع العربي، يومها كانت أنظمة الدول العربية تبحث عن كل الوسائل المتاحة لتهدئة الشارع وصرفه عن المطالب الراديكالية التي أطاحت بعروش وزعزعت أخرى، فتنبه النظام المغربي إلى أن "دكّة" احتياطه يجلس عليها مجموعة من ذوي اللحى اللينة التي تم انتقاؤها بعناية من قبل البصري تحت إشراف فعلي من قبل الملك الراحل الحسن الثاني نزولا عند توصيات مؤسسات بحثية عالمية أوصت بضرورة تهيئة لاعبين من الحقل الإسلامي، الذي بدأ يعرف نموا وتمددا مطردين منذ سبعينيات القرن الماضي، ووضعهم في "المقدمة" للتحكم في مسار الصحوة الإسلامية وتدجينها، وإدماجهم في المشهد السياسي للاستعانة بهم وقت الضرورة.... وجاءت الضرورة متمثلة في الربيع العربي الذي فرض الاستعانة بأولئك "المعتدلين" من تيار الإسلام السياسي! إنها الضرورة التي أملت الاستعانة بأولئك.... وهي التي جعلت "النظام" يتجنّد لإنجاحهم ووضعهم على مقاعد الشأن العام، ريثما تهدأ العاصفة وتزول نّذُر الخطر! ولم يكن "المخزن" غافلا عما يشكله "أولئك" من تهديد... تهديدا لم يكن نابعا من ذواتهم بل من انتمائهم (وإن كان صوريا).... وهو ما يجعل من أي نجاح في إدارة الشأن العام نجاح للمشروع الإسلامي الذي يتبنونه (وإن كان تبني صوري)... وهو ما ينمي ويرسّخ الشعور بالحاجة إلى حكم إسلامي لدى شرائح المجتمع و يشكل بالتالي تهديدا لمصالح الغرب ومصالح "حراس معبده"! وبعدما تمكن المجتمع الدولي من تحويل الربيع العربي إلى خريف، ومن لجم أي تطلع شعبي إلى تغيير الأنظمة التي تحرص مصالح "الحاكم الفعلي"... من خلال صناعة مأسي إنسانية في الدول التي أصرت شعوبها على تغيير الأنظمة: سوريا، ليبيا، مصر... برزت الحاجة إلى تدمير أي تطلع إلى حكم إسلامي! وكان التدمير ممنهجا .... ومتناغما مع الخطة الدولية التي تم تعميمها على بلدان الربيع العربي .... و أعطي الضوء الأخضر للإعلام بكل مستوياته، وللأحزاب والنقابات لاستباحة أعراض وزراء العدالة والتنمية وعلى رأسهم "رائد الحلقة السياسية"! والتنكيل بهم بسبب وبدونه، والتعريض بهم بمناسبة وبغيرها.... ومن جهة أخرى شرعت حكومة الظل في تمرير المقترحات الملغومة إلى الحكومة "المغلوبة" التي لا يسعها إلا الاستجابة للإملاءات الصادرة ممن بيده النفوذ الحقيقي المستمد من .....!! ونشط الإعلام المرئي في إبداع برامج وشراء أخرى كلها تتميز بالعري ... عري في اللفظ وعري في الشكل .... وتنامت مظاهر التحلل، واستفلح الاجرام وتغولت الرشوة والمحسوبية .... وبدأ الناس يتساءلون: كيف يحدث هذا في زمن "العدالة والتنمية"؟.... وكان للإعلام المرئي والمسموع والمرئي دور بارز في تضخيم الصورة و تسليط الأضواء عليها وتعليق سلبياتها على مشج "العدالة والتنمية"! تراكمت الأخطاء "المقصودة"! .... وظل وزراء "العدالة والتنمية" يرسخون في الأذهان، من خلال ردود أفعالهم، أن ما يصدر عنهم هو نتيجة لتخطيط يروم المصلحة العامة... فارتج الأمر على العامة! ... وكان رد فعلها زيادة منسوب الكراهية لحكومة كان دورها في التاريخ السياسي للمغرب لا يخرج عن دور "المحلل" في الزواج البائن! وكانت النية معقودة على التخلص من "العدالة والتنمية" منذ أزيد من سنة، إلا أن دهاقنة السياسة قرروا أن يبقوه في سدة الحكم "الصوري" إلى أن يصل إلى الرمق الأخير فيرمى به جثة هامدة، ويحظى قادته بالمناصب السامية في المؤسسات العامة والصناديق الوطنية جزاء لهم على ما قدموه من تضحيات في سبيل قتل طموح شعب في "حكم إسلامي"! واليوم، وقد استنفذ "العدالة والتنمية" أو كاد! كل رصيده الشعبي، لم يبق أمام النظام إلا أن يسمي هُبل، ويمرر السكين الحادة على الرقبة الطرية! وها قد بدأت التحضيرات لتقديم القربان المقدس على مذبح شهوة النظام العالمي الجديد، وعلى وقع أهازيج من فرق تنشد لحن موت كل شيء جميل في مملكتنا السعيدة!!
وبترجل العدالة والتنمية عن "خازوق الحكم" سيعم المغاربة يأس قاتل، ويستشري بينهم داء "اللامبالاة"، ويُترك الحكم لأصحابه لتستمر المهازل في منأى عن أي اهتمام شعبي، ويدخل المغرب حقبة "نهاية التاريخ" و "موت الإيديولوجية" لنتقدم حثيثا باتجاه المجهول!!