www.lutfi-zaghlul.com في خطابه أمام الجمعية العمومية التابعة لمنظمة الأممالمتحدة في دورة انعقادها الخامسة والستين للعام 2010، قال الرئيس الأميركي باراك أوباما "إنه يمكن الترحيب بدولة فلسطينية في الجمعية العمومية للأمم المتحدة في العام القادم". كان هذا مقطعا من خطاب له، كرس ما ينوف عن ألف وخمسين كلمة منه للنزاع الفلسطيني – الإسرائيلي. ها هو العام 2011، وها هو الرئيس الأميركي باراك أوباما نفسه في خطابه أما الجمعية العمومية التابعة لمنظمة الأممالمتحدة في دورة انعقادها السادسة والستين، يتجاهل ما قاله سابقا بحق الدولة الفلسطينية، ويلوح إلى استخدام حق النقض"الفيتو" ضد الطلب الفلسطيني في أن تتبوأ فلسطين حقها في مقعد ثابت في الأممالمتحدة، ويمارس الضغوط على الفلسطينيين لكي يسحبوا طلبهم. يذكرنا هذا بوعد الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش الفلسطينيين بأن تكون لهم دولة، غداة أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 . لقد انتهت ولاية الرئيس بوش الأولى، وانتهت ولايته الثانية، وظل الوعد حبرا على ورق. ظل نطفة في رحم الغيب السياسي، لم يكتب لها أن تخرج إلى النور. هكذا كان هذا الوعد خداعا للفلسطينيين الذين لم يثقوا لا بهذا الوعد، ولا بمن وعده. عودة إلى خطاب الرئيس باراك أوباما في نيويورك. مما جاء في خطابه أن لا مجال"لطريق مختصرة" لإنهاء الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، مشيرا إلى الطلب الفلسطيني بالحصول على عضوية كاملة في المنظمة الدولية. إن الحجة التي تناولها أوباما في خطابه تتمثل في ضرورة العودة إلى "المفاوضات المباشرة" بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فهي على حد زعمه السبيل الوحيد لإقامة دولة فلسطينية معترف بها، لا دولة من "طرف واحد" هو الطرف الفلسطيني، كما ادعى السيد أوباما في خطابه المذكور. إن الولاياتالمتحدة الأميركية تدعي على لسان رئيسها بارك أوباما أن سعي الفلسطينيين للتوجه إلى مجلس الأمن هو بمثابة "انحراف" عن مسار السلام. أما وزيرة خارجيته السيدة هيلاري كلنتون فتصر على أن المفاوضات المباشرة هي طريق الحل الوحيد. في كلا الحالتين فإن واشنطون تلوح باستخدام "الفيتو" ضد التوجه الفلسطيني، معتبرة أن هذا التوجه تهديد لعملية السلام. أما إسرائيل فتدعي أن الإعتراف بالدولة الفلسطينية سوف يؤدي إلى العنف. إن الولاياتالمتحدة الأميركية لا تقف عند هذه الحدود، بل إنها تمارس الضغوط على كثير من دول العالم، لمنعها من تأييد المطلب الفلسطيني المشروع. إن السؤال الملح الذي يطرح نفسه: من نسف هذه المفاوضات المباشرة التي يشير إليها السيد أوباما ووزيرة خارجيته من جذورها؟، هل هم سوى الإسرائيليين الذين أصروا على اغتصاب الأراضي والمياه والثروات والأجواء الفلسطينية، وإقامة المستوطنات، والتمسك بثقافة الحصار والإغلاق والإجتياح والإعتقال والإغتيال والحرق والهدم والطرد؟. لقد استثنى باراك أوباما الفلسطينيين من حقهم في الحرية، متجاهلا تمام التجاهل أنهم يعانون من قمع الإحتلال الإسرائيلي وبطشه وممارساته اللاإنسانية الأخرى. باختصار إنه لم يتطرق إلى هذا الإحتلال البغيض، لا من قريب ولا من بعيد، وإلى كونه العامل الرئيس في ديمومة الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين. لقد ادعى باراك أوباما في خطابه هذا أن إسرائيل دولة صغيرة، هي الديموقراطية الوحيدة في المنطقة، وأنها هي المعتدى عليها من قبل جيرانها العرب الذين شنوا عليها تسع حروب منذ تأسيسها في العام 1948. إنه هنا يغالط التاريخ، ذلك أن إسرائيل هي التي شنت هذه الحروب باستثناء حرب العام 73 التي كان تهدف إلى تحرير الأراضي العربية من الإحتلال الإسرائيلي. بحسب هذا الخطاب، أضاف السيد أوباما أن أمن إسرائيل معرض للتهديد. إن السؤال المتعدد الذي يطرح نفسه بإلحاح هنا: أين هو الأمن الفلسطيني بخاصة، والأمن العربي بعامة؟. ماذا يملك الفلسطينيون والعرب من أسلحة وذخائر مقارنة بالترسانة الحربية التي تمتلكها إسرائيل، سواء كانت أسلحة تقليدية، أو أسلحة غير تقليدية؟. من يهدد الأمن: هل الفلسطينيون الذين تغتصب أراضيهم، وتجتاح مدنهم وقراهم، ويعتدى عليهم بالإغتيال والإعتقال والحواجز والحصارات والإغلاقات، أم هذا الإحتلال الذي استباح مستوطنوه الحجر والشجر والبشر، وزرعوا الأرض بالمستوطنات، وقاموا بتهويدها جغرافيا وديموغرافيا؟. إن الفلسطينيين وقد استمعوا إلى خطاب السيد أوباما المنحاز قلبا وقالبا إلى إسرائيل، يعرفون جيدا أكثر من غيرهم أسباب هذا الإنحياز الظالم الذي لا يرى في المنطقة إلا طرفا واحدا هو الطرف الإسرائيلي، ويأتي على الدوام على حساب الفلسطينيين المضطهدين. إن سياسات البيت الأبيض لا يمكن أن تحيد قيد أنملة عن رغبات اللوبيات الصهيونية الضاغطة في الولاياتالمتحدة الأميركية. إنها تكيل بمكيالين. إنها تجعل من إسرائيل دولة فوق القانون، معفاة من أية عقوبات بحقها، مدعية أنها دولة مسالمة، مبرأة من كل مسؤولية. إن الفلسطينيين من الذكاء بحيث أنهم يدركون الدوافع الأميركية للإنحياز الإستراتيجي لإسرائيل. إنها اللوبيات الصهيونية الضاغطة. إنها سيطرة الإعلام الصهيوني، سيطرة رؤوس الأموال الصهيونية، الأصوات اليهودية التي تلعب دورها في تحديد لون رئاسة البيت الأبيض، وغيرها الكثير الكثير. أما فيما يخص خطاب السيد أوباما الذي كال فيه التأييد للإسرائيليين، وكان فيه إسرائيليا أكثر من الإسرائليين، فإن دوافعه لا تخفى على أحد. لقد اقتربت انتخابات الرئاسة الأميركية، وهو يطمع في ولاية ثانية في البيت الأبيض. برغم سوء إدارته على الصعد الإقتصادية والعسكرية والسياسية، فقد وجد أن أفضل وسيلة تقوده إلى البيت الأبيض مغازلة اللوبي الصهيوني، والدفاع عن الإسرائيليين دفاعا مستميتا، وكيل المديح والتأييد لهم مهما كان الثمن. إن الفلسطينيين مصرون على ما عقدوا العزم عليه. سوف يطرحون دولتهم على المنظمة الدولية، وليكن ما يكون. إنهم بتوجههم إلى الأممالمتحدة، إنما يهدفون إلى نزع شرعنة هذا الإحتلال البغيض، والمطالبة بحقهم المشروع في أن تكون لهم دولة مستقلة، ذات سيادة، معترف بها، عاصمتها القدس، تتبوأ مكانا محترما، ومقعدا ثابتا أسوة ببقية شعوب العالم المتحضر. ماذا تتوقع الإدارة الأميركية من الفلسطينيين، أن ينتظروا الفرج والحل وسط منظومة تسويف ومماطلة وخداع أوصلتهم إلى ما وصلوا إليه من بؤس وشقاء وتشريد؟. هل يظن الأميركان والإسرائيليون أن الفلسطينيين من السذاجة والبساطة بحيث يصدقون الوعود العرقوبية التي دأبوا على كيلها لهم؟. ألا يكفي أنهم انتظروا عشرين عاما منذ أوسلو؟. إن الفلسطينيين قد سئموا وملوا، وقد آن الأوان أن تنظر الإدارة الأميركية والرباعية إلى قضيتهم نظرة موضوعية عادلة، بعيدة كل البعد عن الإنحياز إلى إسرائيل على حساب الفلسطينيين وقضيتهم العادلة، والكيل بأكثر من مكيال. كلمة أخيرة. إن الشعب الفلسطيني يعتبر أن إقامة الدولة الفلسطينية ذات السيادة الكاملة على أراضيه هو بمثابة تصحيح لخطأ تاريخي، وخطيئة إنسانية وأخلاقية ارتكبت بحقهم يوم اقتلعوا من وطنهم التاريخي، وشتتوا في المنافي المختلفة، فتقطعت أوصالهم السياسية والإجتماعية والثقافية. وأما من بقي منهم على أرض الوطن، فقد سامهم آخر احتلال بقي على وجه الأرض كافة أشكال الخسف والعسف والظلم والقمع والقهر والعذاب. إن الشعب الفلسطيني، وهو يستعد لإحياء الذكرى السنوية الرابعة والتسعين لوعد بلفور المشؤوم الذي حل بأرضه وشعبه، ما يزال متمسكا بحقه المشروع، وثوابته الوطنية، لا يفرط بأي منها رغم كل التحديات والصعاب والمحن. إن الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس واحدة من هذه الثوابت، وهو قادر على الصمود حتى تحين ساعة خلاصه وتحرره. وإن غدا لناظره قريب.