من الأقوال المأثورة للأستاذ محمد ضريف في تعريف الجيل السياسي الجديد الذي يمثله حزب الديمقراطيين الجدد قوله ( نحن جيل استثمرت فينا عائلاتنا الفقيرة ) ، نعم فنحن لسنا أبناء الأعيان والنخب الارستقراطية التي استفادت من الفترة الاستعمارية و راكمت الثروات وركبت على نضالات الشعب المغربي وتضحياته باسم الحركة الوطنية ثم استولى أبنائها الذين كانوا يدرسون بالخارج على اغلب مناصب المسؤولية السياسية و الإدارية في مرحلة ما بعد الاستقلال في إطار تحالف بينها وبين المخزن أدى إلى إقصاء الكثير من الكفاءات والتواطؤ والصمت على كل الماسي التي تعرض لها المناضلون الشرفاء من أبناء الشعب المغربي خلال سنوات الرصاص ، ونحن لسنا أبناء البرجوازية البيروقراطية الذين تسلقوا و تغلغلوا بدواليب السلطة في مرحلة بناء الدولة ، وشكل منهم المخزن فيما بعد الأحزاب الإدارية . نحن جيل جديد اتخذ الاجتهاد المعرفي والأكاديمي طريقا و من تنمية وعيه السياسي والاجتماعي على أسس علمية منهاجا...درسنا التاريخ المغربي القديم والحديث والراهن ووعينا دروسه و محنه و أدوائه ، و خبرنا التحليل السياسي وفهمنا كيف تتفاعل الأنساق داخل حقوله المتعددة و خبرنا كيفية عمل الأحزاب والحركات والتنظيمات والمؤسسات السياسية ونظمها بعيدا عن التنميطات الإيديولوجية و الاستقطابات الحزبية والتناقضات الاجتماعية ، وعملنا في مجالات الاقتصاد والتعليم والصحة والثقافة و الصحافة والإعلام و فهمنا طبيعة المنظومات التي تتحكم فيها وتنتجها ، ففينا ومعنا أساتذة الجامعات و رجال التعليم و القانون والمحاماة والصيادلة والأطباء والمقاولون والمهندسون وإعلاميون نساء ورجالا. ديمقراطيون إلى أقصى الحدود ونطمح أن نرقى بالفعل الديمقراطي في هذا البلد لكي يكون تعبيرا حقيقا بهذا الشعب وبهذا الوطن والخروج به من دائرة أزماته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسلوكية والسياسية التي أغرقه فيها من سبقوا بضعف تدبيرهم للشأن العام وتهاونهم في إدارتهم وفساد إراداتهم و تغليبهم لمصالحهم الشخصية و الفئوية والحزبية على مصالح الوطن والشعب ،حتى أدوا إلى الواقع المرير الذي نعيش فيه اليوم.
نحن جيل لم تتلوث أيدينا بالمال العام ولا بإفساد الحياة السياسية و الانتخابية ، لم نتاجر بأحلامنا ولم نقايض من اجل طموحاتنا ولم نتخلى يوما عن مبادئنا ولم نتخلى يوما عن أمالنا في بناء مغرب حداثي قوي ديمقراطي موحد من شماله إلى جنوبه معتز بثوابته وهويته و حضارته متنوع بروافده مندمج في محيطه الإقليمي والدولي ملتزم باحترام حقوق الإنسان وضمان الحريات الجماعية والفردية .
نحن أبناء هذا الشعب الذائبون عشقا في هذا الوطن إلى أقصى الحدود نحمل فكره و همومه و معاناته و أماله وتجري في عروقنا حضارته وتاريخه وتشكل هويته الامازيغية العربية الإسلامية السمحة هويتنا التي نفتخر ونعتز بها ونناضل من اجل تحصينها من كل المسوخات الإيديولوجية .
نحن أبناء هذا الشعب الذين اختاروا الديمقراطية الجديدة في محاورها التمثيلية والتشاركية و المحلية كحل لأدواء المشهد السياسي وجعلوها عنوانا لتجربتهم و محددا سياسيا لخطابهم لأنها الخيار الذي لا بديل عنه لكي تتحقق دولة الحق والقانون ولكي تتفعل المؤسسات الدستورية و لكي يتم تنزيل منظومة الحقوق والحريات لتصبح واقعا ملموسا لا مجرد شعارات ولكي يتم انجاز الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي المنشود ، لأن الديمقراطية هي الأساس في تحقيق مفهوم الحكامة الجيدة والمساواة و سيادة القانون وتكافؤ الفرص وتحقيق العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة .
اخترنا الديمقراطية لأنها هي المسار العقلاني الذي يمكننا من خلاله التعبير الحقيقي عن انتماءنا و فكرنا و معاناتنا وأمالنا وبرامجنا وتحقيق أحلامنا التي رويناها طويلا بالمعرفة والتثقيف و البحث والملاحظة والتحليل و التي حان الوقت لكي تخرج إلى النور مثل فلق الصبح لكي لا تضل حبيسة التنظير ...لكي يستعيد المشهد السياسي وهجه و أخلاقياته التي فقدها بسبب الخطابات الشعبوية والمزايدات الرخيصة و الصراعات الإيديولوجية البئيسة والانتهازية والوصولية و الفساد الانتخابي و الحزبي.
نحن ...أنا وكثير من أبناء جيلي صمتنا طويلا و كتمنا أصواتنا في دواخلنا في كثير من المرات ولم ندلي بها في صناديق الاقتراع لما كنا نلاحظه من بؤس الخطابات والممارسات التي تقوم بها الأحزاب المتواجدة بالساحة ...بعضها وللأسف حمل طويلا خطاب اليسار و مقولاته و برامجه وضحى مناضلوه طيلة عقود من اجل إصلاح الشأن السياسي ومنظومة الحكم ثم عندما حان الموعد التاريخي ضرب من تولوا المسؤولية كل ذلك بعرض الحائط وانغمسوا في آتون السلطة وملذاتها و ارتكبوا من الآثام في حق الفعل السياسي و مبادئه و أخلاقياته ما لم ترتكبه أحزاب اليمين التاريخية ...ثم خرجوا يجرون أذيال الخيبة فاسحين المجال لعودة التسلطية والتحكم لإدارة المشهد السياسي و لأحزاب اليمين الفاسد واليمين الديني مرة أخرى لكي تمارس لعبتها المفضلة في إجهاض التحولات الديمقراطية ببلادنا وتؤجل الانتقال الديمقراطي إلى اجل غير مسمى .
ثم تحالف جزء من هذا اليسار مع مشروع التحكم والهيمنة على الحياة السياسية ووضعوا أيديهم بأيدي السلطة التقليدية والأعيان و تجار الانتخابات لتحقيق الاكتساح الانتخابي ...قبل أن يولوا بفضل حراك الربيع العربي إلى الخلف مدبرين ويختبئوا في جلباب المعارضة المزيفة . نحن...أنا وكثير من جيلي فضلنا في كثير من المرات أن ندلي بأصواتنا في مقالاتنا وأبحاثنا وان نمارس التحليل العلمي والتشخيص لما يجري و يصطلم في المشهد السياسي والاجتماعي و أن نشارك في النقاش الحقوقي والسياسي من داخل الإطارات والجمعيات المدنية والندوات الأكاديمية ، وعبرنا في كل مرة واشرنا إلى مصادر الداء و الأدواء في حياتنا السياسية والاقتصادية ودافعنا عن حق هذا الشعب في أن يكون ممثلوه و مسئولوه في المستوى الذي يليق به كشعب له حضارة ضاربة في عمق التاريخ وطموح جامح في التقدم و التنمية و بناء المستقبل ، لكن كنا مقصرين في إنتاج الدواء واللقاحات الناجعة والبدائل العلاجية في شكل تجارب سياسية وحزبية ، كنا كغيرنا من الأغلبية الصامتة غير مقتنعين بان الوقت قد حان لما نريد أن نقدمه من وصفات قد تجدي نفعا أو قد تجد الأيادي النقية التي ستسهر بجدية ومسؤولية على التنفيذ و التنزيل و الانجاز . حان الوقت لكي يتغير كل ذلك ...صحيح أن حزب الديمقراطيين الجدد هو رقم جديد في المشهد الحزبي الوطني لكنه رقم صعب وصعب جدا لأنه سيغير المعادلات كليا وقد أتى مدججا بالشباب المثقف الواعد الواعي المتطلع المتشوق لممارسة حقوقه السياسية كاملة غير منقوصة و المستعد لتحمل المسؤولية بكل ثقة في النفس و استثمار كفاءته وخبرته على المستوى المحلي والوطني متسلحا بالمعرفة السياسية الرصينة و راغبا في تحقيق الفعالية وساعيا لإعطاء الدروس في علم الأخلاق السياسية والتطبيق العملي الديمقراطي لعواجيز السياسة وكهنتها الغير مقدسين الذين اشبعوا الشعب بالخطابات الفضفاضة و الشعارات الجوفاء والإيديولوجيات العرجاء وفي الأخير أفضوا بنا إلى الحال الذي يوجد عليه اليوم العمل البرلماني والحكومي و التدبير الاقتصادي و الاجتماعي .