في كثير من الأحوال ، أصبحنا نغترف شؤوننا من العادات و ننسى أو نتناسى الحقائق التي يجب علينا أن نأخذ منها صحيح الأعمال. فحين تصيب مصيبة الموت أحد الوالدين في مجتمعاتنا العربية ، يبكي الأبناء و الأقارب و يحزن القريب والصديق ، و ينخفض جناح الأبناء للباقي منهما ، ويزداد حبهم له و تعلقهم به ، وما تمر فترة حتى يتعود الجميع على الحاصل و تعود المياه إلى طبيعتها ، و يتزايد النسيان شيئا فشيئا ، وهذا أمر طبيعي ، فالنسيان نعمة من نعم الله سبحانه غرسها في خلقه ،لذا فالحياة الطبيعية تعود لأهل الميت و يجب أن تعود ، إنما بعض الناس و حسب بعض العادات فهم يتخذون من العزلة و عدم المتعة بالحياة العادية لمدة سنة أو أكثر ، و هذا مخالف لشرع الله ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ عن أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : ((سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاثِ لَيَالٍ إِلاّ عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ))البخاري و مسلم . فالناس أحوال و طبائع ،ومن النساء مَن لا تفكر في الزواج بعد موت زوجها الأول و هذا من حقها ، إنما بعضهن يرين أنه لا مانع من الزواج الثاني ، إنما المعضلة تبدأ بعد أن يأتي رجل يطلب يد الأم للزواج ولو بعد مدة ، فيقف الأبناء والبنات منددين معارضين ، وكأن أمهم ستقوم بخيانة أبيهم المرحوم أو ستنخر في محرم يمحقه الدين . فيعمل الابن على إيجاد الموانع والبنت على خلل في الزوج الطالب ليد أمها حتى يمنعانها من هذا الحق ، و كذلك إن كان الأب أرملا و أراد الزواج بعد وفاة زوجته ، فالأبناء يعملون على إفشاله ، فيرضخ المعني لأبنائه ، و يبقى هذا الكائن الحي يربي و يتعب و يُدَرس إن كان الأطفال صغارا ، و يبقى ملبيا ومرضيا لأبنائه إن كانوا كبارا ، تمر الأيام والسنوات و يأتي دور زواج الأبناء والبنات أو ما بقي منهم غير متزوج ، و بعدها تلوح في الأفق عواقب عدم زواج الأم أو الأب عندما ينسلخ الأبناء الواحد تلو الآخر إما بزواج أو بسفر ، ينفرد الابن بزوجته في بيته والبنت في بيت زوجها و تكبر الأم أو الأب ، فيصبح هذا الكائن العجوز يتدحرج بين بيوت أبناءه وبناته ، وفي غالب الأوقات يصبح غير مرغوب فيه من طرف زوج البنت أو زوجة الابن ، و يبدأ الأبناء والبنات في تبرير مواقفهم ، إما بصعوبة تربية الأبناء أو مشاغل البيت أو عدم وجود الوقت و المال أو لضيق المسكن ،فيتهرب كلهم من التكفل بهذا الكائن الذي ضحّى وأعطى كل شيء من أجل راحة أبنائه وبناته ولم يقتصد من الجهد ولا المال في البحث عن سعادتهم في الصغر ولا في الكبر . و الطّامة إن كان هذا الكائن الزائد على حياة أبنائه وبناته ليس له دخل قار للعيش كالمعاش مثلا ، ففي هذه الحالة يشعر الكائن المسكين أنه أصبح على هامش حياة أبنائه ، و تخيل معي عزيزي القارئ كيف سيكون شعور هذا الكائن ؟ و في ماذا سيفكر ؟ وما هي الذكريات التي ستعرض على مخيلته ؟ أهكذا يجازي الشخص من أحسن إليه ؟ والله سبحانه وتعالى يقول في محكم تنزيله ، ((وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ )) سورة القصص .و في مقام آخر ((وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِ0لْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ 0لْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً ))سورة الإسراء ومنع الرجل أو المرأة بالحيلة أو القهر أو غيرهما أن يتزوج بعد وفاة أحدهما ، فساد في الأرض والله أعلم ، فلا أنت تركته يتزوج ولا أنت تكفلت به عندما كانت حاجته إليك ضرورية و ملحة . فالزواج نصف الدّين ، والزواج مودة ورحمة ، والزواج غض للبصر و حصن للفرج ، ولم يكن الزواج يوما في شريعة السماء حراما أو مكروها ولا ممنوعا ، وهي سنة نبينا على أفضل الصلاة والسلام . يقول العلماء : أن زواج النبي صلى الله عليه وسلم من خديجة كان زواجا أداميا ، أما باقي زواجه من أمهات المؤمنين كان زواجا تشريعيا . والله أعلم ومَن حرم الزواج على أنفسهم هم الرهبان ، فلا هم تزوجوا و لا هم تقيدوا بعدم إشباع غريزة شهوتهم ، فأغلبهم سقطوا في الفساد و ما يصلنا من أخبارهم اليوم يندى له الجبين . فلا تقتدوا بهم ، واتركوا من أراد الزواج أن يتزوج كان صغيرا أم كبيرا مطلقا أم أرملا حتى تطمئن أنفسكم عليهم شرعا و حياة . و يبقى الأمر بيد الله أولا ثم حسب رغبة الكائن المقصود ثانيا وأخيرا بتشاور مع الأبناء و البنات و الإخوة والأخوات . و الله أعلم