حينما أصابته الصبوة في خريف العمر، ودوخته الأفخاذ ولعبت بمخه كؤوس زائدة من الصبابة والويزكي ، طلع كشجرة الزقوم طعام الأثيم على حين غفلة ، فطفق يهرف بما لا يعرف ، دعا إلى مراجعة أحكام الإرث بين المرأة والرجل، وتعدد الزوجات ، وفي دعوته هاته فتوى صريحة بدون لبس أو غموض. أبو الجهالة السفيه أعطى لنفسه حق الإفتاء كيفما شاء في علم الفرائض القطعية الثبوت والدلالة حسب فهمه للنصوص ليجيز لنفسه الاسترسال في السكر والعربدة والمجون حتى أوشك على التشكيك في القرآن ليتحرر من قيد الالتزام بالحكم الشرعي ، بمعنى أن الذي عنه أتحدث بلغة " إياك اعني فاسمعي ياجارة" لا يملك دراسة كاملة متكاملة عن مكونات الفكر الإسلامي ومقومات البحث الأكاديمي في نقد الظواهر الفكرية ، فالإلمام باللغة وظروف نزول الآية والإطلاع الموسع على تفسيرها ومعرفة الناسخ من المنسوخ ومئونة كبيرة من العلوم كلها ضرورات في نقد النص الديني أو الإلمام بمعناه وفهم هذا النص من مختلف جوانبه هو الشرط الأساس لنقده ،لكن الملاحظ هو أن الكاتب الأول في الفتنة والضلالة أكثر تمكنا من أغاني كارول سماحة وهيفاء وهلم جرا من سلسلة باقي التفهاء والسفهاء، فكيف وهو المفتقد لأدوات النقد أن ينتقد دينا علم البشرية معنى الرقي.
وفي خضم هذا اللغط المتزاحم يخرج فريق من الأجداث سراعا محسوبين على التيار الفودكاوي يطلق عليهم مثقفو الفودكا ، نصبو أنفسهم مدافعين عن أبو جهالة متجاهلين جاهلين أن ما قاله وما صرح به في حد ذاته فتوى تختزل في طياتها مساسا بهيبة المؤسسة الدينية المتمثلة في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية والمجلس الأعلى للإفتاء ، بمعنى أن ما أصدره ذاك..خارج من اختصاصه ، وإن يكن كذلك فالأمر كله لدار الإفتاء ، إذن على السلطة أن تستدعيه وتحقق معه كما فعلت مع آخر اتهموه وسبوه بالتطرف والتكفير ، لكن قبل الاستدعاء يجب أن تتحقق من سلامته العقلية.
وبالعودة إلى الفودكاويين الذين يرمون الإسلام بالجهل والتعصب والتطرف والإرهاب ولا تجدهم يرسون على بر ، يظهرون للناس على أن الشريعة هي مجرد ممنوعات ومحظورات ، تقيد الإنسان وتحد من حريته ، فهؤلاء لم يتعاملوا مع الإسلام كمنظومة فكرية وعقائدية متكاملة ، بل انطلقوا من قوالب نظرية وضعها كتاب غربيون في التعامل مع ظاهرة دينية بعيدة كل البعد عن واقعهم ، لذلك اختلطت الأمور على التيار الفودكاوي حتى أصبحوا لا يفرقون بين مايكل جاكسون وأم كلثوم..
إن موقف أبو جهالة من الإسلام الذي يعتبره دينا ظلاميا ويتبعه في ذالك إخوانه في العته ، نابع من رواسبهم اليسارية عندما كانوا يعتبرون كارل ماركس منقذا ولينين مرجعا ، ويا ليتهم ناقشو الإسلام مناقشة موضوعية هادئة بل راحوا يسقطون خلفيتهم الإيديولوجية السابقة على الإسلام ، علما أن الإسلام هو الذي جعلنا رقما في الخارطة الحضارية الكونية ماضيا ، وهو الذي ساهم في تحرير البلدان المستعمرة والمحتلة ، وحال دون ذوبانها في إفرازات الحركات الكولونيالية راهنا..
هل الحرية في نظر هؤلاء هي أن نتهجم على المقدسات ونفرغ الأمة من محتواها الروحي ونبقيها خاوية بدون رصيد يجعلها قادرة على مجابهة التحديات ؟ لماذا لا يبتعدون عن النفاق السياسي ويدافعون عن المظلومين كل المظلومين والمعذبين كل المعذبين ؟فالحرية تقتضي أن يكون الإنسان حرا في كل توجهاته ، وعندما يتعلق الأمر بحرية الرأي فلا يجب أن ننطلق من الأدلجة ، بل من قدسية الإنسان ، لأن الحرية تقتضي أن ندافع عن الإنسان من حيث هو إنسان بغض النظر عن انتمائه الفكري والمذهبي والايديولوجي.. أليست الحرية كل لا يتجزأ ، فلماذا هم مع وأد الإسلاميين واستئصالهم ؟ لماذا هم ضد عقل أي علي بن سينا لكن مع عقل هيغل ؟ هذه ليست حرية على الإطلاق ، فالحر هو الذي يدافع عن الإسلامي واليساري والوطني بدون تأطير الإنسان في قوالب فكرية..
وصدق من قال: ما أفلحت أمة أوكلت أمرها للدجالين وأسلمت عقلها للخرافات والأكاذيب وأما أنت ياجارة فأختم موضوعي بالمثل انجليزي الذي يقول "" إذا كنت لا تتحمل الحرارة فاخرج من المطبخ""