ليس هناك شك في أن الحكومة الحالية تسلمت مقاليد تدبير الشأن العام في ظرفية سياسية واقتصادية صعبة سواء على المستوى الوطني أو الدولي، فقد جاءت في وقت ارتفعت فيه آمال ملايين المغاربة التواقين للتغيير والقطع مع سلبيات المرحلة الفارطة٬ خاصة و أن المغرب قد تبنى دستورا جديدا (دستور يوليوز2011) يمنح رئيس الحكومة صلاحيات غير مسبوقة تمكنه من إحداث تغييرات مهمة في دواليب الدولة٬ ويعلي من قيمة البرلمان ودوره في بناء دولة الحق والقانون. لكن مع كامل الأسف لم تستثمر الحكومة هذا المناخ الإيجابي في إحداث تغييرات حقيقية داخل الدولة بدءا بتنزيل وتفعيل الدستور٬ بل جعلت الارتجالية والارتباك وارتكاب الأخطاء الفادحة كاستراتيجية أساسية لتطبيق سياساتها . في هذا السياق يأتي بيان وزارة التربية الوطنية الذي ذكرت فيه أن ٭المصالح الخارجية للوزارة تباشر تنفيذ الإجراءات الإدارية المتعلقة بمسطرة الانقطاع عن العمل٭في حق آلاف الأساتذة - الأساتذة المجازين وحاملي الماستر المقصيين من الترقية بالشهادة فوجي 2012 2013 المعتصمين في الرباط- المضربين عن العمل والمطالبين بحقهم في الترقية أسوة بمن سبقهم. إن هذا البلاغ ينبني على عدة مغالطات قانونية ودستورية وحقوقية وسياسية تتلخص في النقط التالية: أولا: إن رهان الوزارة على مسطرة الانقطاع عن العمل بغية إرهاب المضربين وتهديدهم بالعزل ومغادرة سلك الوظيفة العمومية لا يستقيم٬ فبإمكان المضرب استئناف العمل ليوم واحد ثم العودة للإضراب من جديد لأسابيع عديدة وهكذا دواليك٬ فحينئذ ستعجز الوزارة من جهة عن طرد الموظف ومن جهة أخرى على ضمان استمرار سير المرفق العمومي٬ وأي إجراء يخالف هذا الوضع سيكون غير قانوني . ثانيا: تلميح الوزارة بتعويض الأساتذة المضربين عن طريق توظيف أساتذة جدد يبعث على الاستغراب٬ لأنها ستوظف الجدد في السلم العاشر بقوة القانون في الوقت الذي تطرد فيه من يطالب بالإدماج في نفس السلم٬ مع فرق أساسي يكمن في أن الأساتذة المرابطين (المعتصمين) قد تلقوا تكوينا أساسيا بالمراكز التربوية لمدة سنة كاملة وراكموا خبرة ميدانية لا تقل عن سنتين. فيا لها من حكومة ‼تتبنى الحكامة الجيدة لترتقي بقطاع التعليم وترفع من جودته‼. ثالثا: نهج سياسة الردة المعلنة عن المكتسبات الحقوقية التي راكمتها الشغيلة وأهمها : حق الإضراب وحق العمل النقابي٬ وتجاهل مضامين الوثيقة الدستورية التي تضمن حرية التظاهر والإضراب. فكل من يعارض سياسة الحكومة أصبح مشوشا ومعرقلا لسير النظام العام يستحق القمع والتنكيل والاعتقال وحتى الطرد من العمل٬ ربما هكذا فهمت الحكومة الحالية التفويض الشعبي الذي حصلت عليه عبر صناديق الاقتراع (استحقاقات 25نونبر2011) ٬ وهذا فهم سقيم وعقيم لا ينسجم مع معطيات العصر وخصوصيات المرحلة التاريخية٬ إن الدروس المستفادة من الربيع العربي تبرز أن المقاربة الأمنية ومنطق الدولة البوليسية لم يعد مقبولا. رابعا: عدم اهتمام الوزارة بعشرات الآلاف من التلاميذ المتضررين من الإضراب٬ الناتج عن تعنت الحكومة وإصرارها على تغليب منطق القمع على منطق العقل وأسلوب المكابرة والعناد على أسلوب الحوار بالتي هي أحسن. فما يهم الحكومة هو تنزيل قراراتها كما هي وكأنها قرآن منزل وليس مصلحة المواطن وخدمة الشعب. خامسا: استمرار الانتهاكات والتجاوزات الأمنية في حق المتظاهرين يمنح خصوم الوحدة الترابية فرصة ذهبية لتشويه صورة المغرب في المحافل والمنتديات الدولية المختلفة. فإذا كان المتآمرون على وحدتنا الترابية يمتلكون آبار النفط٬ فإن المغرب يمتلك مسارا ديمقراطيا يتبلور عبر الإصلاحات السياسية التي تعرفها المملكة. وأي تراجع في هذا المسار ستكون له تداعيات خطيرة على وضع القضية الوطنية.
المطلوب اليوم٬ صوت عاقل لرجل رشيد من داخل دواليب الحكومة والأحزاب المشاركة فيها ، ينبه المسؤولين إلى المهالك العظيمة التي جلبوها ويمكن أن يجلبوها لشعب لم يرتكب أي ذنب٬ سوى أنه رأى فيهم بذرة أمل قد تصلح أوضاعهم وتغير أحوالهم . صحيح أن هذا الأمل بدأ يتلاشى لكنه على الأقل لازال موجودا حتى الآن.