الجميع يعرف أن المتمكنين من المواطنين المغاربة أصبحوا يبعثون بأولادهم للدراسة في فرنسا بعد أن اشمأزوا من مناهجنا الدراسية، ونعرف أنهم لا يشعرون بشيء من وجع الرأس إلا ويركبون الطائرة بسرعة البرق لمراجعة طبيب في باريس او لندن بعد ان اشمأزوا حتى من دخول مستشفياتنا الجامعية. ونعرف أنهم ما سرقوا مبلغا جيدا إلا ونقلوه فورا لبنك في فرنسا او سويسرا لإدخاره بعيدا عن بلدنا. أصبح حتى شباب البلد، ذكورا وإناثامن المستضعفين على الارض، يتطلعون للزواج بمن يحمل جواز سفر أجنبي فرنسي ولما لا امريكي أوكندي لمن استطاع اليهما سبيلا. نعم ،نعرف كل ذلك وأكثر من ذلك ،ونعرف أن الشباب الفقيرالذي اكتوى بنار البطالة والفقر يغرق في يم البحربحثا عن احلام وردية لن تتحقق على الضفة الاخرى. حتى بعض مايسمى تجاوزا بالزعماء ما ان يفشل احدهم في الانتخابات او تنتهي ولاية مسؤوليته التي كرسها في الغالب لإستغلال النفوذ ونهب ما يمكن نهبه، حتى تراه قد حزم حقائبه لمغادرة البلاد ليستمتع بمسروقاته الصغيرة بعيداحيث لا تتابعه أعين الجياع .أسماء مسؤولين كثر بالامس كانوا في وسائل الاعلام المختلفة يصدعون رؤوسنا بالديمقراطية والدفاع عن حقوق الشعب اختفوا اليوم..هل بمثل هذه الاساليب سيتقدم بلدنا الذي ينظر اليه البعض كمزرعة سعيدة او كمغارة علي بابا التي ينبغي استغلالها؟، ما هكذا تورد الابل ياقوم..!،سمعنا وقرأنا اكثر من مرة في الصحف الورقية والالكترونية وفي وسائل التواصال الاجتماعي كيف ان مسؤولين سابقين اشتروا فللا فاخرة في باريس واسبانيا وبلجيكا..منهم من تاجر بالأدوية وصحة عباد الرحمان، ومنهم من تاجر بأشياء اخرى في البر والبحر والجوبحيل يخجل منها حتى الشيطان ،وما ان انتهت ولاية مسؤولياتهم حتى غادروا البلد ..فالقطط السمينة التي تسرق دائما من عاداتها ان تهرب بقطعة لحم مسروقة من المطبخ الى حيث تتوارى عن الانظارحتى لايرميها فرد من اصحاب الدار بمقلة زيت ساخنة تحرقها...كم من مسؤول كان بالامس يصدع رؤوسنا في التلفاز بتخريجاته العنترية وبلغة فرنسية طليقة يبدو معها انه من ايتام فرنسا بالمغرب،تراه يصدع رؤسنا بالدفاع عن حقوق الشعب وحقوق الانسان وتنمية البلد، وما إن انتهت ولايته حتى اختفى عن وسائل الاعلام، وربما عن البلد، وربما هم الآن مشغولون في مقاهي وحانات المتع بباريس، أو منتزهات إيطاليا ،أو على ضفاف بحيرات سويسرا بالاستمتاع بمال فقراء وجياع البلد الذي هربوه الى ابناك الخارج.. أنا اكتب الان عن الفساد وخاصة فساد النخبة، وهذه الكتابة تشبه السيرك الخطر الذي يصبح فيه الكاتب مثل المهرج أو لاعب السيرك الذي يمشي على الحبل يدهش الجمهور ويحبس أنفاسه ويمتعه، ولكنه يمكن ان يسقط من الحبل في أية لحظة ويموت.يمكن ان يسقط من الحبل بخطأ بسيط ارتكبه، أو يسقط بضربة مقص غادرة على الحبل من جهة خفية تترصد المهرج لإفشاله. أنها مغامرة فعلا ان تكتب عن الفساد الذي له خدامه وخادماته الذين يستفيدون من خيراته، ورغم هذه الخطورة، فأنا أكتب عنه لأني امارس حقا دستوريا مضمونا في حرية التعبير ، حقا مضمونا ضمانا كاملافي دولة الحق والقانون ، وهذا الحق الدستوري لم يكن متوفرا في زمن ما قبل الدستور الجديد.وعندما أكتب هنا وأنتقد أحوالنا ونعترف بسلبياتنا وأنانيتنا وضعفنا وسوء أحوالنا، فإننا نفعل ذلك ليس من اجل التضليل والتشهير وتسويد الامور والتأثير على المعنويات، بل نفعل ذلك، من أجل التغيير والإصلاح ونعبر عما يفكر فيه ويتمناه الكثير دون حقد أو انتقام أو كراهية ودون الحاجة إلى ذلك أصلا، ونفعل أيضا، لأن أمهاتنا ولدتنا أحرارا..
لقد أصبح الفساد بكل تفاصيله الفساد الإقتصادي والأمني والسياسي و الإجتماعي وحتى الأخلاقي ظاهرة مقلقة للغاية في واقعنا اليومي إلى درجة أنّها ورغم خطورتها باتت مألوفة و طبيعيّة وقلمّا أصبح يشير إليها الناس بالبنان لكثرتها وعموميتها ، فقد أصبح طبيعيّا أن تسمع أنّ هذا المسؤول لصّ وقد سرق بالقانون ميزانية القطاع الذي يشرف عليه وأودعها في حساب خاص به في هذا البنك الغربي أو ذاك .كما أصبح هينّا أن تسمع أنّ هذا المسؤول في ولايته وزعّ مناصب شغل وامتيازات على أولاده وأقاربه وبني حزبه واصهاره.. و أصبح هينا أن تسمع أن هذا المسؤول أو ذاك إستولى على ملك الدولة وأشتراه بأبخس الأثمان وباعه باثمان خيالية ولم يتوقف جشعه عند هذا الحد ، بل وصل به الجشع الى حدالاشراف على شقق مفروشة لأدارة شبكة من شبكات الدعارة الراقية وما يرتبط بها من مخدرات ومسكرات لزيادة ارباحه السمينة.. و قد أصبح طبيعيا أن تسمع أن هذا المسؤول كلفّ إبنه بإدارة ثروة قوامها ملايير الدرهمات وأنّ كل مفاتيح السوق الداخلي والخارجي هي بيدّ إبن المسؤول هذا والذي لم يحصل عليها الا بعد ان اجتاز إمتحان اللصوصية بميزة حسن جدا..وأصبح طبيعيا ان تسمع ان المسؤول الفولاني يتقاسم النفوذ في الجهة الفلانية مع المسؤول الفلاني والمسؤول العلاني..وانت تسمع كل هذا في بلاد التماسيح والعفاريت تنتابك حالة من الغبن والدهشة..وكل هذا ما كان له ان يحدث لولا طيبوبة الانسان المغربي الطيب الى الدرجة التي " يسرق فيه قط الحكومة عشاءه ولايحرك ساكنا"..امثال هؤلاء القطط الحرامية والعفاريت هم الذين خربوا البلد ..أمثال هؤلاء هم الذين اكلوا ارزاق و قوت ابناء هذا البلد أكلا لما وعادوابالبلاد سنوات ضوئيةالى الخلف ..وما يحز في النفس، ان الذي يحاكم اليوم في البلد هم الذين يشيرون الى فساد القطط السمينة بالاصبع اوالذين يقفون امام الفساد ولم يشاركوا فيه ، او شاركوا لجهة ضعيفة تستطيع جهة اقوى منه إحالته الى التحقيق او اتهامه بالفساد او تهديده بحياته.يحدث كل هذا لأنناببساطة في بلد لايحمي فيه القانون المغفلين لكنه يحمي اللصوص والعفاريت المحترمين وتاريخنا يشهد على عدم إدانة اللصوص الكبار والمرتشين ومن تخصصوا في الاستيلاء على املاك الدولة ..لايهمنا أسماء هؤلاء الأشخاص، فأنا عادة لا أكتب عن الاشخاص، لكني اكتب عن نماذج ساهمت في تخريب البلد.. إنهم نماذج لصعاليك السياسة في المغرب المعاصر..صعدوا من المجهول ،أو من احدى البوالع الكريهة وبوساطة معينة الى وجه الدولة ليمتصوا دمها كالبق الاحمر.. امثال هؤلاء يلبسون عشرات الاقنعة ويخلعونها حسب اللون والمقياس والحاجة ،ويحصلون على كل شيء، ويسمون ما فعلوه ب"الشطارة". يلعبون ادوار مختلفة حسب الطلب، وتراهم يتقلبون بين سجادات الصلاة متى تطلب الامر لعب دور شيخ ورع الى حانات النشوة متى تطلب الامر ذلك . يفعلون ذلك ويأمرون الناس بأن يرفعوا شعار :"انا مغربي وأفتخر" الذي استبدلوه في عرفهم الخاص الى شعار:"انا حرامي وتمساح .. وافتخر".. وهم من كانوا سببا في الاحتقان الاجتماعي والإحتجاجات الكثيرة التي عرفها بلدنا الامين..وكم كنا ننتظر منهم ان يكونوا صادقين ولو مرة واحدة، فإذا بهم يكذبون بدون فرامل وتراهم يكذبون أكثر من اربعة وعشرين ساعة في اليوم..كنا ننتظر منهم ان يكونوا امناء، فإذا بهم غشاشون يزورون شهادات دراسية وجامعية لم يدخلوا جامعاتها ومعاهدها ، واذا بهم اشطر من ابليس..الاستعمار القديم ارحم منهم لأنه ترك لنا على الاقل بعض الطرقات وخطوط الهاتف وبعض السكك الحديدية وبعض المطارات والمدارس والكليات،اما امثال هؤلاء "الشطارة"فماذا تركوا للبلدغير البؤس والفقر والديون والبطالة والعهر والدعارة والجهل والهجرة السرية..؟.. أقول هكذا دون ان اعمم على الذين في الخارج الذين هم اقلية، او اقول ان الذين في الداخل الذين هم اكثرية انزه من اولائك القلة من الحرامية الذين يحتمون بالخارج متخدين زوجاتهم الشقراوات كمظلات على شاكلة الحماية الفرنسية للبلد..فلا ينبغي التعميم ، ولا الحكم على منظومة بأكملها انطلاقا من سوء البعض ..ومن سمة هؤلاء الحرامية ،انهم يرفعون من شأن الإنتهازيين ، و الخونة ، و الراشين والمرتشين، و اللصوص من ناهبي المال العام ، ومصاصي جيوب أفراد الشعب ، ويكرسون الوصولية ، و النفاق ، و الهرولة لبناء امجادهم الخاصة، بالطبع على حساب كل القيم و المباديء الإنسانية النبيلة، وبهذا تم القضاء النهائي عن التفكير في المشاريع الجماعية ، و الإيمان بحق الأخر في العيش الكريم .. هكذا افسدوا البلد الذي كان ولوقت ليس بالبعيد بمثابة أرض الشرفاء المضياف ، أرض التسامح و الخير.. هؤلاء المفسدون يخططون، يدبرون ، يمكرون كل يوم في جبهات تمويهية متبادلة الادوار ناسين قوله تعالى: (إن الله لا يصلح عمل المفسدين).