مع مطلع كل موسم دراسي، تطفو على الساحة التعليمية كالعادة مشاكل متعددة ناتجة عن سوء تدبير وتخطيط بعض المسؤولين التربويين على اثر اتخاذهم لإجراءات غير مبررة من الناحية القانونية والتربوية ودون اشراك للمعنيين بالامر مما ينعكس سلبا على العملية التربوية نظرا لما تثيره من جدال يستنزف الجهد والوقت، ويؤثر على الاستقرار النفسي والاجتماعي للمتعلمين والمدرسين على حد سواء، ولعل أهم القضايا التي استأثرت باهتمام كبير وأسالت الكثير من المداد موضوع تدبير الزمن المدرسي بالتعليم الابتدائي ، الذي لم تستطع وزارة التربية الوطنية الحسم فيه بشكل قطعي، وتركت المجال مفتوحا للارتجال والارتباك والاجتهادات الخاصة في ظل فراغ تشريعي صريح، فالنظام الأساسي الحالي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية لسنة 2003 (مرسوم رقم42.02.85 صادر بتاريخ 10 فبراير 2003) ألغى ضمنيا مدة 30 ساعة الأسبوعية لعمل "المعلمين" التي كانت محددة في النظام الاساسي السابق لسنة 1985 (مرسوم رقم 2.85.742 صادر بتاريخ 4 أكتوبر 1985)، وذلك من خلال مادته رقم 15 التي أحالت تحديد مدة التدريس الاسبوعية لأساتذة التعليم الابتدائي على قرار مشترك للسلطة الحكومية المكلفة بالتربية الوطنية والمالية والوظيفة العمومية، وهو قرار تطبيقي لم ير النور لحد الساعة ولازال قيد الدراسة حسب مديرية الشؤون القانونية والمنازعات بوزارة التربية الوطنية، الامر الذي ترك المجال مشرعا لاجتهادات تنظيمية أحادية الجانب دون مرجع قانوني، فالمذكرة الوزارية رقم 122/2009 لم تتحدث عن عدد ساعات العمل صراحة وإنما وضعت نماذج لاستعمالات زمن تفاوتت مددها الزمنية من صيغة لأخرى، أما المذكرة الحالية رقم 2156×2 /2012 فقد تعاملت مع المؤسسات التعليمية بمنطقين: وسط حضري( الجماعات الحضرية) ووسط قروي (الجماعات القروية )حيث فرضت نموذجا واحدا ووحيدا على الوسط الحضري، أثبت الواقع عدم نجاعته لعدة اعتبارات منها عدم توفر الشروط الدنيا لتطبيقه بسبب عدم توفر الحجرات الدراسية الكافية مما دفع الفاعلين الميدانيين إلى الاستعانة بصيغ نماذج استعمالات زمن المذكرة الوزارية رقم 122 التي ألغاها محمد الوافا بطريقة متسرعة وانفرادية، كما أن واقع الجماعات الحضرية يؤكد خلاف تمثلات الوزير غير المأسوف على رحيله الذي يعتبر أن كل الجماعات الحضرية لها نفس مقاييس ومعايير جماعات حسان والمعاريف ... ، فمجموعة من المؤسسات التعليمية المتواجدة ببعض المراكز القروية التي لاتربطها بالمعايير الحضرية إلا الاسم، يتشكل أغلب روافدها من العالم القروي حيث يضطر تلامذتها التنقل مسافات طويلة عبر مسالك وعرة تضطرهم صيغ استعمال الزمن وفق النموذج الحضري التنقل أربع مرات ذهابا وايابا مشيا على الاقدام في ظل غياب نقل مدرسي، ومطعم، وفضاءات للاحتماء من التغيرات المناخية، أما بالوسط القروي فقد خولت المذكرة الحالية صلاحية بلورتها إلى مدير المؤسسة ومجلس تدبيرها من أجل اختيار أنسب الصيغ في احترام تام للغلاف الزمني المخصص للحصص الدراسية اليومية والاسبوعية وحرصا على استيفاء البرنامج الدراسي السنوي،ومراعاة للظروف المناخية، والجغرافية، وبعد المدرسة عن مساكن التلاميذ. لكن هذا الاجراء الذي يبدو في ظاهره الية تشاركية موسعة ساهمت فيه الادارة التربوية وهيئة التدريس وجمعية الآباء وممثل المجلس الجماعي يصطدم للاسف برفضه بقرار انفرادي من طرف بعض المسؤولين التربويين دون تقديم مبررات مكتوبة تشرح اسباب الرفض، ، بل نجد من بين هؤلاء المسؤولين من يتعسف بتأويل مقتضيات مقرر وزاري منظم لموسم دراسي (2011-2012) صادر بتاريخ 4 يوليوز 2011 انقضت صلاحيته بانقضاء الموسم الدراسي المنظم له الذي تضمن فقرة تفسر مقتضيات المذكرة الوزارية الملغاة ملغاة ومحاولة فرضها رغما عن المذكرة الوزارية الحالية (2156×2 /2012).
سكوت المشرع التنظيمي عن مدة العمل الاسبوعية بالتعليم الابتدائي يجب استثماره ايجابا بتطوير نجاعة الزمن المدرسي عن طريق تخفيض ساعات العمل إلى 24 ساعة استجابة لمطلب نضالي مشروع قياسا على ما هو معمول به بأغلب الدول التي راكمت التجارب التربوية الناجحة، والاستفادة التراكم الذي تحقق منذ اعتماد التوقيت المستمر بالعالم القروي منذ أواخر التسعينات من القرن الماضي. وجعل أقصى وقت للخروج خلال فترة المساء في حدود الخامسة مساء دون تجاوزها حفاظا على سلامة فلذات أكبادنا لاسيما الانات و صغار السن من ظلمة قد تنتعش فيها الاخطار.