أصرت إسرائيل، أمس، مجدداً على تبرئة ساحتها من فرضية اغتيال الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، في وقت أكد فيه الخبراء السويسريون أمس، أن التحاليل أظهرت نتائج تتسق مع تسمم بمادة «البولونيوم»، وينبغي أن تؤدي إلى تحقيق قضائي، بالرغم من أنها لا تشكل دليلاً دامغاً على أن الزعيم الراحل توفي نتيجة ذلك. وقال مدير مركز الطب الشرعي في مستشفى لوزان الجامعي باتريس مانغين، في مؤتمر صحافي عقده امس، أن «ملاحظاتنا تنسجم مع افتراض التسمم ... وعلى أي حال هي أكثر انسجاماً معه منها مع الافتراض المضاد (عدم التسمم)». لكنه أضاف أن الشكوك لا تزال قائمة، بالرغم من أنهم استنفدوا كل التحقيقات الخاصة بالطب الشرعي في العينات الحالية. وكانت العينات البيولوجية التي أخذت من عرفات وقت وفاته في مستشفى في باريس في تشرين الثاني العام 2004 قد دمّرت. وقال مانغين أن «الشكوك كافية لتستدعي مزيداً من التحقيقات، ولكن على المستوى القضائي، لفتح تحقيق للنظر في كل أنواع الأدلة. واضاف أن «الدليل من وجهة نظري موجود في الغالب في البلد الذي كان يعيش فيه عرفات». وقال مدير معهد فيزياء الإشعاع التابع لجامعة لوزان فرانسوا بوشو أن الأدلة لم تكن حاسمة. وأضاف «هل يمكننا القول يقيناً أن البولونيوم هو سبب وفاة الرئيس عرفات؟ للأسف... الاجابة بالنسبة إلى من يريدون منكم جواباً محدداً وصريحاً هي لا. ولكن هذا يعني أن دراستنا لم تسمح لنا بإثبات افتراض التسمم بالبولونيوم بشكل قاطع». وأوضح بوشو «لا يمكننا تحديد كمية البولونيوم التي ابتلعها فعلياً... كل ما يمكننا قوله هو أن ملاحظاتنا تنسجم مع افتراض التسمم». ومن جهتها، قالت أرملة الزعيم الراحل سهى عرفات «لا يمكنني اتهام أحد، ولكن من الواضح أن ما حصل جريمة، وفقط الدول ذات القدرات النووية قادرة على فعلها»، مضيفة أن «الطابة اليوم أصبحت في ملعب السلطة الفلسطينية، عليها أن تتبع الوسائل القانونية، وهي قادرة على اللجوء إلى المنظمات القانونية الدولية والمحاكم الدولية». أما إسرائيل فرفضت اتهامها بالوقوف وراء اغتيال عرفات. وقال وزير الطاقة سيلفان شالوم، الذي شغل في العام 2004 منصب وزير الخارجية وكان عضواً في الحكومة المصغرة المعنية بشؤون الأمن، «لم نتخذ قط قراراً بإيذائه بدنياً»، مضيفاً «في رأيي هذه زوبعة في فنجان. وحتى لو كان سمم فلم تكن إسرائيل بالقطع التي سمّمته. ربما كان هناك أحد في الداخل لديه مصلحة في ذلك». ومن جهته، قال رعنان غيسين، وهو المتحدث باسم حكومة الاحتلال في عهد رئيس الوزراء الأسبق ارييل شارون، أن الأخير «أمر بالقيام بكل شيء لتجنب قتل عرفات الذي كان محاصراً في العام 2002 في المقاطعة على يد جنودنا». وأضاف أن «تعليمات شارون كانت بأخذ الاحتياطات اللازمة كافة حتى لا يتم اتهام اسرائيل بقتل عرفات»، مشيراً إلى أن «هذا هو السبب وراء سماح شارون بإجلائه الى مستشفى في فرنسا عندما أثبت أنه كان يحتضر». وبحسب غيسين، فإنه «بدلاً من توجيه اتهامات لا أساس لها الى اسرائيل، من الأفضل أن يتساءل الفلسطينيون عمن كان لديه مصلحة من موت عرفات من حاشيته، وفوق ذلك من وضع يديه على الاموال التي كان عرفات يسيطر عليها». وكان المتحدث باسم الخارجية الاسرائيلية يغال بالمور نفى أي مسؤولية لإسرائيل في وفاة عرفات. وقال بنبرة ساخرة «هذا مسلسل درامي تقوم فيه سهى (عرفات ارملة الزعيم الفلسطيني الراحل) بمحاربة ورثة عرفات في الحلقة المئة وشيء». ولفت بالمور إلى أن «الفريقين (فريقي التحقيق) تم تكليفهما من قبل أطراف معنية وليسا مستقلين». ومن جهتها، طالبت منظمة التحرير الفلسطينية بتشكيل لجنة دولية للتحقيق في اغتيال عرفات. واتهم عضو اللجنة التنفيذية للمنظمة واصل أبو يوسف اسرائيل بالضلوع في قتل عرفات، مشيراً إلى أن «من يستطيع إثبات ذلك هو لجنة تحقيق دولية استناداً إلى التقارير والظروف التي احاطت بمقتله».