حقائق وشهادات حول قضية توفيق بوعشرين مع البيجيدي: بين تصريحات الصحافي وتوضيحات المحامي عبد المولى المروري    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    التجمع الوطني للأحرار يثمن المقاربة الملكية المعتمدة بخصوص إصلاح مدونة الأسرة    حصيلة سنة 2024.. تفكيك 123 شبكة لتنظيم الهجرة غير النظامية والاتجار في البشر    الدكتور هشام البوديحي .. من أحياء مدينة العروي إلى دكتوراه بالعاصمة الرباط في التخصص البيئي الدولي    الدورة ال 44 لمجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب بالمنامة .. السيد الراشيدي يبرز الخطوط العريضة لورش الدولة الاجتماعية التي يقودها جلالة الملك    قيوح يشرف على تدشين المركز اللوجيستيكي "BLS Casa Hub" بتيط مليل    فرض غرامات تصل إلى 20 ألف درهم للمتورطين في صيد طائر الحسون بالمغرب    38 قتيلا في تحطم طائرة أذربيجانية في كازاخستان (حصيلة جديدة)    الدفاع الحسني يهزم الرجاء ويعمق جراحه في البطولة الاحترافية    رحيل الشاعر محمد عنيبة أحد رواد القصيدة المغربية وصاحب ديوان "الحب مهزلة القرون" (فيديو)    المهرجان الجهوي للحلاقة والتجميل في دورته الثامنة بمدينة الحسيمة    انقلاب سيارة على الطريق الوطنية رقم 2 بين الحسيمة وشفشاون    المغرب الرياضي الفاسي ينفصل بالتراضي عن مدربه الإيطالي غولييرمو أرينا    رئيس الرجاء يرد على آيت منا ويدعو لرفع مستوى الخطاب الرياضي    الإنتاج الوطني من الطاقة الكهربائية بلغ 42,38 تيراواط ساعة في متم 2023    تنظيم الدورة السابعة لمهرجان أولاد تايمة الدولي للفيلم    الندوة 12 :"المغرب-البرتغال. تراث مشترك"إحياء الذكرىالعشرون لتصنيف مازغان/الجديدة تراثا عالميا. الإنجازات والانتظارات    حركة حماس: إسرائيل تُعرقل الاتفاق    أخبار الساحة    الخيانة الزوجية تسفر عن اعتقال زوج و خليلته    روسيا: المغرب أبدى اهتمامه للانضمام إلى "بريكس"    عبير العابد تشكو تصرفات زملائها الفنانين: يصفونني بغير المستقرة نفسياً!    السعودية و المغرب .. علاقات راسخة تطورت إلى شراكة شاملة في شتى المجالات خلال 2024    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    الريسوني: مقترحات مراجعة مدونة الأسرة ستضيق على الرجل وقد تدفع المرأة مهرا للرجل كي يقبل الزواج    التنسيق النقابي بقطاع الصحة يعلن استئناف برنامجه النضالي مع بداية 2025    تأجيل أولى جلسات النظر في قضية "حلّ" الجمعية المغربية لحقوق الإنسان    بعد 40 ساعة من المداولات.. 71 سنة سجنا نافذا للمتهمين في قضية "مجموعة الخير"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    ابتدائية الناظور تلزم بنكا بتسليم أموال زبون مسن مع فرض غرامة يومية    جهة مراكش – آسفي .. على إيقاع دينامية اقتصادية قوية و ثابتة    برنامج يحتفي بكنوز الحرف المغربية    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    مصرع لاعبة التزلج السويسرية صوفي هيديغر جرّاء انهيار ثلجي    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    لجنة: القطاع البنكي في المغرب يواصل إظهار صلابته    ماكرون يخطط للترشح لرئاسة الفيفا    بطولة إنكلترا.. ليفربول للابتعاد بالصدارة وسيتي ويونايتد لتخطي الأزمة    نزار بركة: 35 مدينة ستستفيد من مشاريع تنموية استعدادا لتنظيم مونديال 2030    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب    مجلس النواب بباراغواي يصادق على قرار جديد يدعم بموجبه سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية    باستثناء "قسد".. السلطات السورية تعلن الاتفاق على حل "جميع الفصائل المسلحة"    تقرير بريطاني: المغرب عزز مكانته كدولة محورية في الاقتصاد العالمي وأصبح الجسر بين الشرق والغرب؟    تزايد أعداد الأقمار الاصطناعية يسائل تجنب الاصطدامات    مجلس النواب بباراغواي يجدد دعمه لسيادة المغرب على صحرائه    ضربات روسية تعطب طاقة أوكرانيا    وزير الخارجية السوري الجديد يدعو إيران لاحترام سيادة بلاده ويحذر من الفوضى    السعدي : التعاونيات ركيزة أساسية لقطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني    ارتفاع معدل البطالة في المغرب.. لغز محير!    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    ما أسباب ارتفاع معدل ضربات القلب في فترات الراحة؟    "بيت الشعر" يقدم "أنطولوجيا الزجل"    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السعودية... والإعفاء الاميركي من الاصلاحات
نشر في أخبارنا يوم 23 - 05 - 2011

كشفت صحيفة الاندبندنت نقلا عن مراسلها في الرياض يوم الأحد 22 مايو عن اعتقال هيئة الامر بالمعروف لسيدة سعودية تدعى منال الشريف وهي إحدى مؤسسات "حملة قيادة النساء للسيارات في 17 يونيو"، التي انطلقت مؤخرا عبر المواقع الاجتماعية، حيث استطاعت منال ان تستعجل الموعد المحدّد لتنفيذ ما اتفقت عليه مع شريكاتها في الحملة حين قررت أن تسبقهنّ وتمكنت ظهر الخميس 19 مايو 2011 من قيادة سيارتها في شوارع مدينة "الخبر" وسجلت الأمر بالفيديو وعرضته على موقع يوتيوب...
وتهدف هذه الحملة وفقا" لما أعلنه الأعضاء على الفايسبوك للعمل من أجل السماح للنساء في المملكة العربية السعودية بقيادة السيارة، وذلك عن طريق إرسال خطاب إلى الحكومة السعودية احتجاجا على حرمان المرأة حقها في قيادة السيارة... إذن السعودية، البلد الذي منعت فيه كل أشكال الاحتجاجات والتظاهرات والتحركات الشعبية بفتاوى شرعية منذ بداية نداءات الاصلاح التي انطلقت بموازاة ثورات الربيع العربي، بدأت تشهد مساعي للاصلاح من نوع آخر... فهل سيكون حراك المرأة السعودية للمطالبة بمزيد من "الحرّية المسؤولة" و"الحقوق الطبيعية" البديل عن الثورة السلمية الفايسبوكية التي تمّ تحريمها شرعيا؟ وهل بدل أن تنزل المرأة السعودية للشارع لتطالب بمحاربة الفساد السياسي والادراي والاقتصادي ستطالب أولا بحقوقها الطبيعية كمواطنة مساوية للرجل؟ وأيّ موقف سيكون للغرب "المتضامن" ظاهريا مع نساء الثورات العربية من حراك المرأة السعودية؟...
ربما يغيب عن بال الكثيرين المقولة الشهيرة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود: "أمي امرأة، وأختي امرأة، وابنتي امرأة، وزوجتي امرأة وسيأتي اليوم الذي ستتمكن فيه النساء من قيادة السيارة... زد على ذلك أنه في بعض مناطق السعودية في الصحارى أو المناطق الزراعية تجدون نساء يقدن سيارات... إن المسألة تتطلب الصبر... ومع الوقت أعتقد أن هذا الأمر سيصبح ممكننا ..." ورغم هذه الكلمات التي تعبر عن نيّة في "اصلاح اجتماعي" حقيقي الا أنّ شيئا لم يتغير حتى يومنا هذا بخصوص قضية قيادة المرأة السعودية للسيارة ومازال المجتمع المدني السعودي يراوح مكانه حيال هذا الأمر... ومن هذا المنطلق يمكننا أن نفهم الشعارات التي ترفعها الحملة المذكورة أعلاه والتي تدور في فلك التأكيد على أنّ هدفها هو الدعوة لبناء مجتمع مدني لا الخروج عليه في وقت أصبح فيه المطالبة بحق المرأة السعودية في قيادة سيارتها أمرا أكثر الحاحا" وسط "الربيع العربي" القائم وبروز المرأة العربية كعنصر مهم في حراك التظاهرات والثورات والاحتجاجات الشعبية في مصر وتونس واليمن والبحرين وسوريا وليبيا...
بعد ستة أشهر على بدء شرارة الثورات العربية من تونس، بدأت الصورة النمطية حول المواطن العربي تتغيّر في عيون الشعوب العربية نفسها وفي عيون الرأي العام الغربي على السّواء... فلم تعد
الشخصية العربية هي تلك الراضية بحكم الديكتاتور ولا هي المستوردة لمفاهيم الحكم الديمقراطي من الغرب ولا هي الراضية بظلم الحاكم وفساد المسؤولين... بل بدأ العرب بصنع، ولا نقول "صنعوا" لأنها لا تزال في مرحلة المخاض العسير، "ديمقراطية" تشبههم وحدود حرّيات تناسبهم وسبل نضال ضد الفساد والظلم تتوافق مع قدراتهم... الى درجة ألهم الشباب العربي مؤخرا شبّان وشابات فرنسا واسبانيا للمطالبة عبر احتجاجات في الشوارع والساحات بتحسين أوضاعهم الاقتصادية والمعيشية...ولكن لكوننا نعيش في نظام القطب الواحد المعروف بالهيمنة الأميركية على قرارات الحروب والسلم والنزاعات الدولية، فقد انتظر الجميع قبل أيام ما سيأتي في خطاب رئيس الولايات المتحدة الأميركية باراك أوباما حيث لم تختلف التوّقعات كثيرا عن نص الخطاب، اذ حضر أوباما بثقته المعهودة بنفسه ك"قائد" وبأسلوب خطابة مشهود له ب"كاريزما" عالية ليؤكد لنا أنّ الغرب لن يرضى بحكم جديد قوي في الدول العربية في مرحلة ما بعد الثورات اذا لم يكن هذا "الحكم الجديد وممثليه" في خدمة مصالح الولايات المتحدة الأميركية، أي على شاكلة الأنظمة القديمة ورموزها... وما يؤكد هذه الفكرة تحفّظ أوباما عن الحديث حول الاصلاحات المطلوبة في بعض الممالك العربية الحليفة للبيت الأبيض كالبحرين والسعودية واللتين تشهدان منذ سنوات تحركات لرموز المعارضة هناك للمطالبة بسلّة كبيرة من الاصلاحات...
أعلن أوباما في خطابه الاخير والذي تناول فيه حركة الاحتجاجات التي تعصف بالعالم العربي منذ ستة أشهر أن "الربيع العربي" أظهر بأن سياسات "القمع" لم تعد تجدي نفعاً واشار أن هذا الواقع يحتّم على الولايات المتحدة الاميركية أن تغيّر سياستها في الشرق الأوسط لأنها إن لم تفعل فستزيد من التباعد الحاصل بينها وبين العالم العربي... ولكن هل احتاج أوباما وادارته وأجهزة مخابراته، الاقوى عالميا، الى كل تلك الدماء العربية في الساحات والميادين ليعرف أن نظام القمع في العالم العربي يرعب الشعوب فقط ولا يجبرها على تبّني قوانين وخيارات لا تخدم مصالحها؟ أم أنه كان يعرف ذلك تماما ولكنه ظنّ ان الشعوب العربية لن تصحوا ابدا من سبات الرضوخ للديكتاتور ونظامه الفاسد؟... علما ان الموقف الأميركي من حركة الاحتجاجات العربية كان متردداً وحذراً وغير حاسم في بداية الثورات، ولكن سرعان ما غيَّرت واشنطن موقفها عندما شاهدت إصرار الشباب العربي على التغيير والإصلاح الديمقراطي... وأصبحت واشنطن محرجة في استمرار دعمها للأنظمة السابقة ولم يكن أمامها سوى أن تطلب من النظام الحاكم السير نحو اصلاحات حقيقية او التنّحي عن السلطة... وهذا ما نسمعه اليوم في الخطاب الأميركي تجاه اليمن وسوريا...
وبالعودة للخطاب الأخير فقد "تغزّل" اوباما بكل ثورة عربية على حدى، ففي تونس اعتبر أوباما أن البائع الشاب البوعزيزي حرق نفسه اعتراضا على عدم سماع الحكومة السابقة لمطالب "مواطن بسيط"، وفي مصر رّحب أوباما باستنشاق المصريين "هواء نظيف" بعد تنّحي مبارك، وفي اليمن رّحب بقرب انقضاء" ليل الحاكم" وبزوغ فجر التغيير، وفي بنغازي أعرب عن ارتياحه لشعور الليبيين بالحرية، وفي سوريا وصف التحركات بمواقف الكرامة، اما في البحرين فاكتفى اوباما بوصف الاعتقالات الجماعية والقوة الغاشمة للأمن بحق المتظاهرين البحرينيين مخالفة لحقوق الانسان داعيا الى حوار بين النظام البحريني حاكم والشعب التظاهر... ولكن غابت الدول العربية التي كانت تحلم "بربيع" من نوع خاص، أبرزها السعودية، عن خطاب أوباما... فهل أن اوباما لم يسمع بمطالب الاصلاح المنشودة " من الشعب السعودي منذ ما قبل "ربيع الثورات الحالي في تلك المملكة؟ ألم يسمع بالمشاكل
الاقتصادية وانتهاكات حقوق الشباب والمرأة هناك؟... أم أن "ضرورات المصالح" الأميركية تبيح "محظورات الثورات" في حسابات البيت الأبيض؟...
منذ فبراير 2011، وبعد انطلاق ثورتي مصر وتونس آنذاك، أطلقت مجموعة من الشباب السعودي حملة على موقع الفيسبوك للدفع باتجاه تبني اصلاحات سياسية واجتماعية واقتصادية في المملكة محاولين الاستفادة من موجات التغيير والتأييد الدولي لها في مصر وتونس آنذاك، وطالبوا بوجه الخصوص باعتماد نظام الملكية الدستورية... واوجد الناشطون مجموعات عدّة على موقع التواصل الاجتماعي الأشهر الفايسبوك تحت عنوان "الشعب يريد اصلاح النظام"...
فما زالت المملكة لا تحظى باي هيئة تشريعية منتخبة، الا ان انتخابات بلدية جزئية نظمت للمرة الاولى في تاريخ البلاد عام 2005 واستثنيت منها المراة اقتراعا وترشحا... وفي 2009 تم التمديد للمجالس البلدية سنتين اضافيتين ما ادى الى الغاء الانتخابات التي كان يفترض ان تنظم في تلك السنة... وطالب الناشطون ب12 مطلبا ابرزها اعتماد "ملكية دستورية تفصل بين الملك والحكم"... كما دعوا الى "دستور مكتوب مقرّ من الشعب يقر فصل السلطات" والى "الشفافية ومحاسبة الفساد" والى ان يكون هناك "حكومة في خدمة الشعب"... ودعا الناشطون ايضا الى "انتخابات تشريعية" والى "حريات عامة واحترام حقوق الانسان" مع "مؤسسات مجتمع مدني فاعلة" و"مواطنة كاملة والغاء كافة اشكال التمييز"... وشدّد الناشطون على اهمية "اقرار حقوق المرأة وعدم التمييز ضدها"، مع العلم انه يحظر على المرأة في السعودية الاختلاط مع الرجال بدون وجود محرم كما لا يسمح لها بقيادة السيارة وبالسفر من دون موافقة وليّ الامر... كما طالبوا ب"قضاء مستقل ونزيه" وب"تنمية متوازية وتوزيع عادل للثروة" اضافة الى "المعالجة الجادة لمشكلة البطالة"...
ان موجة الغضب التي عمّت العالم العربي والثورات ضد الانظمة التي أرهقت صدور الشعوب مستغلة مقدراتها ومعززة بقائها في السلطة أخذت تمتد وبشكل متسارع في المنطقة العربية مما جعل هذه الانظمة تعيش حالة صدمة فاعلنت حالة التاهب والاستعداد لمواجهتها، فنرى كثير من الانظمة اعلنت اصلاحاتها وقدمت تنازلاتها تماشيا مع الوضع الحالي وتجنبا للحركة التغيرية في حين سارع بعضها الى اصدار فتاوى تحريم التظاهر ضدّ "القائد"... لكن بعض الشعوب العربية استوعبت اللعبة لهذا استمرت بثوراتها آملة التغيير او الاصلاح... ومن الدول المرّشحة للانضمام لموسم "الربيع" الخالي المملكة العربية السعودية حيث تتوفر فيها الاجواء والعوامل المساعدة لوصول المدّ التغييري وهنا تساؤل يطرح نفسه، هل الشعب السعودي سيقوم بالثورة ام سيكتفي بالاصلاح؟...
من خلال قراءة الوضع الراهن نرى لكل جانب تداعياته وتتوفر العوامل المساعدة والدافعة لهذا الوضع او ذاك... فاذا نظرنا للواقع لكلا الجانبين ودققنا بدوافعهما سنلاحظ ان الدوافع التي تساعد على ثورة الشعب السعودي متوفرة ومهيئة ومنها احساس غالبية ابناء الشعب السعودي بالغبن تجاه النظام وسياساته الداخلية وخلق الطبقات الاجتماعية... فالطبقة الاولى هي العائلة الحاكمة ورجال الدين الداعمين لبقاء السلطة وكبار المسؤولين في الدولة وتتمتع هذه الطبقة بالسلطة والنفوذ والمعاملة الخاصة والمستفيدة من خيرات البلاد على حساب الطبقات الاخرى والطبقة المتوسطة التي تكدح للحفاظ على مستواها دون النزول الى الطبقة الاخرى وهي طبقة الفقراء والعاطلين عن العمل حيث تعاني السعودية من مستوى بطالة يقدر ب 25% وهي نسبة غير قليلة... وهناك عوامل اخرى منها انتهاك حقوق الانسان المستمرة داخل المملكة و كبت الحريات وتنفيذ القوانين الصارمة على بسطاء الناس دون
الطبقات الاخرى التي تتمتع بالسلطة وايضا الوعود التي قدمها الملك عبد الله حين تسلّم زمام الحكم 2005 باجراء اصلاحات مما ولّد او راكم حالة عدم الثقة بين نظام الحكم والشعب، وعلينا هنا ان نتذكر بان النظام السعودي لديه معارضة، ورغم ضعفها، ولكن يمكن لها أن تحفّز مسيرة اصلاح حقيقية بعيدا" عن "الثورة" بالشكل الذي عرفته ملكيات خليجية أخرى مجاورة كالبحرين أوب لدان عربية اخرة كمصر وتونس وليبيا واليمن... والأهم في المعادلة السعودية هو أن هذا البلد العربي هو حليف استراتيجي واقتصادي وامني كبير للقطب الواحد الحالي وهو حليف للملكيات العربية الخليجية اضافة" الى سعيه الحصول على تحالف أمني ودعم "وجودي" من خلال دعوته مؤخرا عبر مجلس التعاون الخليجي لكل من الأردن والمغرب للانضمام الى دول المجلس الستة في اعلان شغل الرأي العام العربي والدولي مؤخرا....
ان اجراء الحكومة الذي اتخذته بعد رجوع الملك عبد الله من رحلة العلاج دلّ على تخوف ملحوظ من قبل الحكومة من انتقال عدوى الثورة الى اراضي المملكة حيث جمع الملك العائلة المالكة ورجال الدين الداعمين لنظامه وبعض المسؤولين واتخاذ الاجراءات وبعض الاصلاحات التي تخمد غضب الجماهير كاجراء احترازي وامر بصرف 36 مليار دولار كمنح واعانات لسدّ الافواه، وهنا لا بدّ من استذكار الشيعة السعوديين الذين يعتبرون مصدر تهديد للنظام ولرجال الدين المنظمين واعتبارهم من وجهة نظر البعض، داخل السعودية ودول الخليج، امتدادا لايران "الخطر الفارسي القادم" وخصوصا ان اقرانهم في البحرين قد ثاروا علما ان الشيعة في المملكة يشكلون نسبة 10% تقريبا من نسبة السكان...
ويرى المحللون والمراقبون استبعاد حدوث ثورة في السعودية ويرجحون اجراء اصلاحات لتجنب هذه الازمة ويبني المحللون على هذا الرأي معتمدين على بعض المؤشرات ومنها ميل المجتمع السعودي الى التجانس المذهبي او الطائفي حيث انه لايمتاز بالتعددية المذهبية اضافة الى ان رجال الدين محكمين السيطرة وداعمين للنظام وفي نفس الوقت مدعومين قانونا وشرعا من وجهة نظر الفكر الطائفي المعتمد في المملكة... اضافة" الى ان المعارضة هناك "ضعيفة" ولا تملك قدرات تعبئة وقيادة الشعب وتحفيزه للقيام بأي شكل "ثورجي"... فقد جرت دعوات للشباب السعودي عبر الفيس بوك للخروج بتظاهرات فلم تفلح الا عدة مئات ايدت التظاهر وهذه الحالة متأتية من فاعلية الاجهزة الرقابية والامنية لرصد أي حركة ممكن ان تظهر او تطفوا في "الغرف المغلقة" قبل "الشوارع المفتوحة"... وبغياب مموّل خارجي محتمل لتحرك المعارضة السعودية فمن المتسحيل لهكذا معارضة ان تضغط الا عن طريق الدعوة لاصلاحات عادية... هنا يستبعد عن تموّل ايران معارضة سعودية لأنّها تعرف جيّدا ان هكذا خطوة تسبق أولى شرارات حرب اقليمية...
أمّا المحور الأهمّ والاساسي والذي له الاثر في تثبيت النظام السعودي فهو دعم الدول الكبرى والصناعية والدول المستهلكة للنفط، حيث تعتبر السعودية ممثلة لمصالح هذه الدول ولحاجة هذه الدول في هذه الفترة للسياسة الانتاجية النفطية السعودية خصوصا بعد توقف ليبيا عن انتاج النفط وتصديره مما ادى الى الاخلال بالسوق... ومن هذا المنطلق ستدعم الدول المستهلكة للنفط والدول الصناعية بقاء النظام السعودي لانه تعهد في سدّ حصة ليبيا من خلال زيادة انتاجه النفطي علما ان السعودية من الدول المؤسسة لمنظمة الدول المصدرة للنفط "الاوبك" وهي اول الضاربين لمصالح هذه المنظمة والتجارب السابقة لاتحتاج لايضاح فبقاء النظام يصب بمصلحة الدول الكبرى هذا من جانب ومن جانب آخر تعتبر السعودية احد اللاعبين الاساسيين في عملية احلال السلام "المزعومة" مع اسرائيل وفقدان هكذا حليف
سيؤثر على الخارطة السياسية في المنطقة... اذن كل هذه التداعيات تعزّز احتمالات اجراء إصلاح اكثر من القيام بثورة...
وبالانتقال الى الشقّ الخاص من خطاب أوباما الأخير والذي قد نستطيع تحليل الوضع السعودي من خلاله، فقد ذكر أوباما أنّه لا ينبغي لقصة البوعزيزي وما تبعها من ثورات أن تكون قد أتت مفاجأة، فقد نالت دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا استقلالها منذ زمن طويل لكن شعوبها لم تنله في كثير من الأماكن وفقا لتعبير أوباما... وتابع خطابه مشيرا الى ان السلطة انحصرت في كثير من البلدان في أيدي قلّة وفي كثير من البلدان لم يجد المواطنون من أمثال "البوعزيزي" قضاء أمين يسمع شكواه، ولا أجهزة إعلام مستقلة تُسمع صوته، ولا حزب سياسي موثوق يمثل وجهات نظره، ولا انتخابات حرة ونزيهة يختار فيها قائده... ولكن هل نسي أوباما أم تناسى أن هناك العديد من الدول الشرق أوسطية على رأسها السعودية، كحال ايران التي انتقدها كثيرا في خطابه الأخير، لا يزال يعاني مواطنوها من نفس المشاكل؟ ولما لم يوّجه أوباما للسعودية اي كلمة عتاب او دعوة "خفيفة" للاصلاح "المتأخر" ولو من باب "رفع العتب" السياسي؟ وهل سنسمع تصريحات من الادارة الاميركية حول اعتقال منال الشريف كونها تعرّضت للسجن بسبب قيادتها السيارة مخالفة "عادات بالية" لا مرجع ديني ولا منطقي ولا قانوني لها؟ أم أنّه لو كانت منال تحمل الجنسية الاميركية أو الأوروبية لكنّا سمعنا صرخات الحقوقيين الأجانب تشجب ما حصل لها؟ وأضاف أوباما في مكان آخر من خطابه بأن هناك دول نعمت بثروة النفط والغاز وهذا بحد ذاته أوجد جيوبا من الترف والرخاء.... ألم يكن من الممكن لأوباما هنا ايضا ان يستذكر شيئا" من المطالب الاصلاحية في السعودية؟ أم أنّ أميركا تتذكر المواطن العربي "الحبيب" عندما تسيل منه الدماء على مذبحة محاربة الفساد والقهر المخابراتي والسياسي والمعيشي للأنظمة الحاكمة؟... إذن بغضّ النظر عن بعض الايجابيات "الخطابية" في كلمة أوباما الأخيرة بشأن القضية الفلسطينية وبشأن شجب قمع بعض الأنظمة العربية الحالية للمتظاهرين، الّا أن أوباما عكس لنا "اللارغبة" الأميركية لدعم اصلاحات حقيقية في البلدان الحليفة لادارته داخل العالم العربي ولكن من يدري ربما تنقلب المعايير قريبا... فقد صمتت واشنطن في بداية ثورة مصر أمام "هيجان" شعبي ضدّ الحليف الأشهر عربيا لللبيت الأبيض بعد السعودية أي مبارك، وبعدها عادت لتطلب منه التنّحي حين أحرج "نظام مبارك" نفسه بالدماء التي تسبّب بها بين افراد شعبه... ولكن حتما لن يكون هذا واقع السعودية وانما لن تبقى الأمور على ما هي عليه في السعودية بشأن مطالب الاصلاح وستلوح في الأفق قريبا" "بذور" تغيير سلمي ما...
باحثة في العلاقات الدولية
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.