يبدو أن السياحة الداخلية بدأت تكتسب بوضوح مكانة مهمة على حساب الرحلات الصيفية إلى الخارج، إذ أن الأزمة الاقتصادية العالمية وحلول شهر رمضان المبارك في منتصف موسم الاصطياف جعل السياح المغاربة يفضلون قضاء عطلتهم خلال النصف الثاني من موسم الصيف في الفنادق وأماكن الاصطياف بالمغرب. وأوضح المدير العام للفدرالية الوطنية للسياحة محمد سعيد الطاهري،في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أنه بعد شهر رمضان، "سجل النشاط السياحي رقما قياسيا خلال النصف الثاني من موسم الصيف، بمعدل ملء قارب 90 في المئة في بعض المؤسسات الفندقية وأماكن الاصطياف ". وبنفس النبرة، أشاد رئيس الجمعية الجهوية لوكالات الأسفار بجهة الرباط كريم بليرو بالأداء السياحي " الممتاز" في شهر غشت المنصرم والإقبال الكبير على وجهات شمال البلاد، حيث تم تسجيل معدل ملء ناهز 100 في المئة. وبعد ان أشار إلى أنه " في شهر غشت، كان هناك إقبال أكيد للسياح المغاربة على الوجهات الكبرى، خاصة المحطات السياحية بشمال المملكة والمدن السياحية "، قال بليرو " يمكنني القول بأن هذا الأداء الاستثنائي أنقذ الموسم الصيفي". وبالمقابل، يفضل مسؤول فدرالية مهنيي السياحة التعاطي بحذر مع أداء السياحة الوطنية، مبررا ذلك " بالشرخ الذي خلفه شهر الصيام"، من خلال تقسيم الموسم إلى فترتين، تميزت أولاهما بشهر رمضان "صعب"، بمعدل ملء ترواح بين 35 و40 في المئة، تلتها فترة "ذروة". ولا ينفي ذلك أن السياحة الداخلية بدأت تفرض نفسها بوصفها قاطرة للتنمية الاقتصادية. وعلى هذا الصعيد، يتفق سعيد الطاهري وبليرو على أن " السوق الداخلية تشهد تطورا كليا ". وأشار مسؤول الفدرالية الوطنية للسياحة إلى أنه " في السنوات الأخيرة، واصل قطاع السياحة الداخلية منحاه التصاعدي، منتقلا من 22 في المئة من حصة السوق في 2010 إلى 26 في المئة في نهاية 2012". واعتبر أن " قطاع السياحة الداخلية يتوفر على مؤهلات هامة ستتيح له بلوغ معدل 40 في المئة من حصة السوق في 2015". وفي السياق ذاته ، أوضح كريم بليرو أن هذا المنحى التصاعدي للسياحة الداخلية " مرده تغير ميولات الاصطياف، خلال السنوات الخمس الماضية، وبروز طبقة متوسطة، تنجذب بشكل متزايد نحو السفر". وبالفعل، يشير رئيس الجمعية الجهوية لوكالات الأسفار بجهة الرباط إلى أن " الطبقة المتوسطة المغربية أصبحت تفضل على نحو متزايد اللجوء إلى خدمات وكالات الأسفار لتأمين قضاء عطلتها بدلا من الذهاب لدى أفراد الأسرة ". ولعل هذا المنحى التصاعدي يفسر إقبال المغاربة على المنتجات الموجهة للسياح المحليين مثل " كنوز بلادي"، البرنامج الذي يعرض منذ أزيد من عشر سنوات مجموعة من الوجهات السياحية بأسعار مقبولة. وبالنسبة للوزارة الوصية على القطاع، فإن نمو السياحة الوطنية يعد ثمرة تعاون أكثر تطورا بين فاعلي القطاعين الخاص والعام، خاصة برنامج "بلادي" الذي أسهم في إحداث محطات سياحية جديدة ورفع بذلك من الطلب الداخلي. ولمواصلة هذه الدينامية، تعتزم وزارة السياحة تنفيذ سلسلة من التدابير الرامية إلى تشجيع نشاط القطاع والارتقاء به. وكان وزير السياحة لحسن حداد أكد مؤخرا أنه إضافة إلى عملية "بلادي"، التي أطلقت بشراكة مع مهنيي السياحة، " نشتغل على مخطط عمل وفق مقاربة أكثر شمولية، بهدف الحفاظ على العروض السياحية على مدار السنة، والتوفر بالتالي على عرض حقيقي وملموس في السوق المحلية". كما شدد على الحاجة لتعزيز استراتيجية السياحة الداخلية " عبر مجهود شامل يجمع بين استراتيجية التوزيع والتواصل والمواكبة وإحداث شبكة لتوزيع عرض (بلادي)، ملائم للمغاربة، في مجموع التراب الوطني". ودعا الوزير إلى " إعادة تنظيم جدول العطل حسب الجهات من أجل إرساء توزيع جديد للعطل المدرسية حسب ثلاث مناطق، وكذا إحداث شيك العطل الذي يتيح للمواطنين الاستفادة من ميزانية مخصصة لقضاء العطلة ". ويعكس هذا الالتزام الواضح أهمية السياحة التي توصف ب" المحلية " كقطاع يشكل، حسب الجمعية الجهوية لوكالات الأسفار بجهة الرباط، "خزان فرص" يتعين النهوض به بشكل أكبر.