تتحدث مصادر إيطالية موثوق بها عن حادثة مفزعة تعرضت لها أسرة حداش عبد الحميد المغربية، بعد وقت قصير على عودتها من المغرب ومغادرتها مدينة جينوفا أول محطة لها بالديار الإيطالية . هذه الحادثة التي حددتها التصريحات الأولية أنها وقعت بالطريق السيار -أ 4- حوالي الساعة 7:00 صباحا من يوم الأحد المنصرم ،بالضبط وسط طريق منحرف في الملتقى بين "بيركامو ودالمين" باتجاه فينيسيا،بعدما كان هذا المهاجر متوجّها برفقة زوجته وابنته الصغيرة جيهان ذات الثامنة سنوات إلى مكان سكناهم ب"بيفي دي سوليكو" على متن سيارة فورد غالاكسي. وحسب تصريحات عبد المجيد للشرطة التي ملأت المحضر واصفا أن كل شيء وقع في رمشة عين أثناء عملية تجاوزه لسيارة بالممر الثالث، وقبل أن يستقيم بالممر الرابع والأخير تفاجأ بحافلة تخرج إليه وتملأ عليه الممر وهو في نصف العملية وفي علو طريق منحرف. مما اضطره للفرملة الآنية تفاديا لضغط سيارته بين الحاجز الحديدي والحافلة وهو في سرعته العالية ، في حين أكملت هذه الأخيرة طريقها غير مكترثة بما حدث وغير مبالية، لتصطدم مقدمة سيارته بالحاجز ثم تعاود الكرّة من جديد وتلتطم مؤخرتها بقوة فائقة بنفس الحاجز الحديدي، دون مس أي من السيارات التي كانت تجري وتسابق الريح في نفس الاتجاه. لعل قوة الصدمة بمؤخرة السيارة حسب التحقيق كانت سببا في تكسير الزجاجة الجانبية وارتماء الطفلة جيهان بمسافة أمتار عن مكان الاصطدام، بعدما كانت ما تزال تغط في نومها مستلقية على الكراسي الخلفية،مما أدى إلى التطام رأسها بالأرض بقوة مدوية،ومع توقف السيارة بالحاجز هبطت العائلة في ذعر وهول من الحادث المفاجئ. في هذه الأثناء يلتحق الأب بالطفلة وسط الطريق السريع غير مبال بخطورة الموقف ليضمها إلى صدره، ويسقيها بقطرات من دموع الحسرة والندامة بعدما توقفت نبضات قلبها وهي غارقة في دمائها لا يسمع لها نفس ولا زفير. ولم يكتف المشهد الحزين بهذه اللقطة النهائية التي تصوّر أبا يحتضن ابنته تقطر دما بين ذراعيه، وهي تحتضر بلا دمعة ولا صوت ولاحركة ،وسط أخطر طريق سيار في منعطف غير محددة السرعة.إلى حين تدخل مشيئة الله في أقل من جزء الثانية ويظهر من بين مستخدمي الطريق في الاتجاه الآخر سائق شاحنة تبريد دولية مرقمة بأوروبا الشرقية تحمل علامات شركة بوسنية حسب ما ورد على لسان عبد الحميد نفسه ومن كلمة شاهد عيان . وتتحدث بعض المصادر المتتبعة لهذا الحدث أنها تعرّفت بيوم الأمس على اسمه وصورته عن طريق معلومات بفيسبوك، والأمر يتعلق بشاب روماني اسمه يون بوريس من بوليزيني يبلغ من العمر 29 سنة يقطن بطالي ودي بو (روفيكو)، يشتغل سائق شاحنة تبريد بشركة بييريتي للنقل كان في طريقه لنقل السمك من ميلانو إلى فينيسيا. هذا الشاب الوديع الذي أقدم على بطولة غير معهودة في تاريخ الطرقات الدولية حيث اخترق بشاحنته الطويلة الطريق التي تتواجد بها الحادثة، وأغلق 3 ممرات بوضع شاحنته في عرض الطريق السيار خلف السيارة والعائلة المنكوبة. واضعا بذلك حاجزا واقيا على رغم من خطورة الطريق المنحرف والسرعة الغير المحدودة للسيارات المارة كالبرق في كلا الاتجاهين في تلك الصبيحة الصافية، جاعلا السيارات تغير طريقها في ممر التجاوز عن بعد 30 أو 40 متر لتفادي الاصطدام بالشاحنة. ولم تتوقف الأقدار على هذا الحد بل صادفت الفرصة أن تمر حافلة صغيرة تقلّ مجموعة لا بأس بها من متوطعي الصليب الأحمر الإيطالي التابعة لمركز لوماتسو ب(كومو)، والتي كانت متوجهة إلى مدينة كاستيليوني ديلي ستيفييري بمانطوفا. هذه الفرقة التي تدخلت في الحين لإغاثة الطفلة وإنقاذها من السكتة القلبية التي ألمّت بها،إذ ساعدوها بحركات تدليك للقلب تمّ على إثرها استرجاع نبضات القلب من جديد.الشيء الذي زرع الروح مع ظهور أول نفس تلته حركة خفيفة ثم انطلاقة صرخة لجهان، في أمل الفريق وفي نفس العائلة التي لم تتوقف لحظة عن الدعاء والتوسل إلى الله على الرغم من غيبوبتها التامة. لينتهي المشهد بقدوم سيارة الإسعاف التي حملتها بسرعة قصوى إلى وحدة العناية المركزة في مستشفى "البابا يوحنا الثالث والعشرين" ببرغامو،كما خضعت الصبية لإجراء عمليتين جراحيتين بالمخ والأعصاب يوم الأحد.وعملية ثالثة في الليلة الموالية تتعلق بجراحة تجميلية على مستوى الوجه وهي ما تزال تحت تأثير التخدير، ويتحدث نفس المصدر على أن الأطباء لم يطمئنوا حتى ساعة نشر هذا الخبر عن حالتها الحرجة في انتظار إجراء الفحوصات في الأيام المقبلة والوقوف على عواقب الإصابة. كما تزامنت عملية نقل الطفلة إلى المستشفى بتدخّل وحدة شرطة المرور التي أعادت نظام السير بالطريق السيار ،آمرة الجميع بالتحرك في اتجاه وجهتهم بما في ذلك هذا السائق ليغيب عن الأنظار دون أن تطلب منه لا شهادة ولا بيانات. يذهب الكل لحال سبيله وينتهي آخر فصل من هذه الواقعة التي لم تكتمل نهايتها بعد لتنسج فصول بداية قضية جديدة تحت عنوان "البحث عن بطل الطريق السريع"، والأمر طبعا يخص بطلنا الشاب سائق الشاحنة الذي سبق له أن عرقل المرور لإنقاذ الطفلة والعائلة المغربية. كما قيلت في قضيته الأقاويل وانتشرت التعليقات واختلفت التحليلات بين من اعتبره انتهك قواعد الطريق واخترق قانون السير الإيطالي، معتبرا تدخله كان سيفضي إلى كارثة من الحوادث والاصطدامات. وحمّله وحده عواقب هذا العمل الغير القانوني المنافي لقانون السير،كما حمل كذلك عائلة الطفلة مسؤولية عدم ربطها بحزام السلامة الذي ينفع كثيرا في مثل هذه الحوادث الدموية. ومنهم من أيّد هذا السائق على فعله ذلك مستدلا بنص الفصل54 من قانون العقوبات الإيطالي، والذي يتكافأ مع الحوادث ذات الطبيعة العامة، وينطبق أيضا على الأحداث التي تخضع لقواعد الطريق. والذي ينص على أنه: لا يعاقب من ارتكب أي فعل مضطرا بحكم الضرورة لإنقاذ نفسه أو غيره من خطر محدق يلحق ضررا جسيما لشخص ما. في أي خطر لم يتسبب له فيه لا طوعا أو خلافه، ولا يمكن تجنبه وأن يكون الفعل متناسبا دائما مع الخطر ،وهذا ما جعل الشرطة لم تسجل أي مخالفة بحق السائق لأنه في نظر القانون غريب عن الحادثة. لم يكد يصل خبر هذا السائق إلى وسائل الإعلام حتى كثر عليه البحث والتنقيب من جميع الجهات، انطلاقا من عبد الحميد حداش والد الطفلة الذي أطلق نداء على عدة أصعدة لمعرفة هذا الملك الإنساني الذي سبق أن أتاه في لحظة موت محقق ليعانقه ويشد على يديه ويشكره على بطولته وشهامته. والذي لم يتذكر منه حينها سوى نحافته وصغر سنه بعدما تعرف عن جنسيته، بقراءة اسم الشركة البوسنية التي كانت بادية على شاحنته. من يكون هذا البطل ذو الإنسانية الكبيرة وما هي جنسيته؟ فحتى جهاز الشرطة لا يعرف عنه شيئا عدا صور الكاميرات المثبتة بالطريق السريع، التي يظهر فيها وهو يوجّه السيارات لعدم اصطدامها بالشاحنة التي اتخذها ذرعا واقيا لمكان الحادثة، في حين لم تتمكن الصور من التعرّف على رقم لوحة الشاحنة ولا عن الكتابة الموجودة على طرفي الكابينة. لهذا اللغز المحيّر تحرك الجميع في معرفة السائق بطل الطريق السيار خاصة منهم سائقوا الشاحنات، منهم من يريد شكره ومنهم من يريد مكافئته ومنهم من يريد فقط التعرف عليه. كما انطلقت على الفور سلسلة من الأبحاث بهذه المناسبة وتمّ تكتيف الجهود للوصول إلى التعرف على هذا الشخص في كل الاتجاهات،إذ أفضى ذلك إلى الاتصال بموقع النقل الأوروبي من طرف فدرالية سائقي الشاحنات الإيطالية من أجل البحث بين أسماء الأعضاء المنخرطين في هذا الموقع . كما أعلن من جهة أخرى السيد باولو أودجي، الرئيس الوطني لاتحاد النقل البري الإيطالي في هذا السياق، أنه يتمنى التعرف عليه عن طريق جهاز الراديو المثبت في كابينة الشاحنات العملاقة بفضل تقنية نظام "باراكيني" ذات الاتجاهين،ويطمح أن يكون هذا الجهاز في شاحنة السائق المبحوث عنه. وأضاف في حديثه أنه توصل بمكالمة من أحد الشهود أخبره أنه شاهد عند مروره بمكان الحادثة شاحنة مرقمة بأوروبا الشرقية ، كما أشاد هذا الشاهد بدوره بالعمل الجبار والسلوك القويم لهذا السائق المغامر. وأنهى السيد المسؤول تدخله بأنه ينتظر من الجميع الشكر والثناء، على هذه البطولة والشهامة والسخاء والقيام بهذا العمل الكبير والجريء الذي يغلب عليه حب الآخر والإيثار. كما طالب من جميع الأعضاء ومن كل من يتوفر على أي معلومات عنه أن يتصل مباشرة بمكتبه واصفا أن هذا الحدث لا يمكن أن يمر في سكوت وصمت. وتحدث في السياق نفسه السكرتير "دوريانو بيندوتي" ببركامو معلنا أن هناك اقتراح بتتويج ومكافئة هذا السائق القدوة لكل السائقين،من أجل تصحيح السمعة الغير اللائقة بسائقي الشاحنات الكبيرة والذي يصفهم البعض بالقتلة في بعض الأحيان. بينما هناك نماذج شريفة مشرفة تقضي وقتا طويلا بعيدة عن منازلها وعائلاتها وتقدس الشاحنة، وتعتبرها منزلها المتنقل في كل الظروف والأوقات وعلى مختلف الجهات والطرقات،مضيفا أنه سيطلب من رئيس الجمهورية الإيطالية تكريم هذا العمل البطولي باعتراف رسمي. وفي انتظار مكافئة هذا الشاب عن بطولته من طرف رئيس الجمهورية الإيطالية "دجورجيو نابوليطانو" ومنحه الجائزة الفخرية وربما الجنسية الإيطالية كونه ساعد عائلة أجنبية فوق التراب الإيطالي،فإننا نناشد جميعا عاهلنا المفدى محمد السادس نصره الله أن يلتفت إلى هذا الشاب المقدام وأن يوشحه بوسام البطولة كفارس لإنقاذه هذه العائلة المغربية . كما ننتظر من وزرائنا ومن السيد السفير وقناصلة المملكة المغربية بالديار الإيطالية وكل الجمعيات والفدراليات والمجتمع المدني المغربي بإيطاليا أن يتصلوا بهذا البطل وأن يقدموا له باسم كل المغاربة داخل وخارج الوطن الشكر والاعتراف والتقدير ورد الجميل الذي يستحقه،والوقوف إلى جانب السيد عبد الحميد حداش ومواساته في مصابه. كما نشكر في الختام رجال الصليب الأحمر وطاقم أطباء وممرضي مستشفى "البابا يوحنا الثالث والعشرين" ببرغامو وكل من ساعد هذه العائلة من قريب أو من بعيد كما ندعو للطفلة جيهان بالصحة والعافية وطول العمر.