منذ بداية الثورة السورية، انشق الآلاف من رجال النظام عنه، وانضموا إلى الثوار. واليوم، يستفيد مئات منهم من العفو، ويعودون إلى كنف النظام، لأن الأسد فظيع، بينما البديل الإسلامي أفظع. بدأ المئات من المسلحين، الذين انشقوا عن قوات النظام السوري، اليوم، بالعودة إليه، مستفيدين من اتفاقية عفو خاصة، وذلك بعدما شعروا بالإحباط لعدم قدرتهم على تحقيق أهداف الثورة، وتغلغل الإسلاميين في صفوفها، والإجهاد، بسبب مضي أكثر من سنتين على الحرب.
هذه النقلة لم تقتصر على المقاتلين فقط، إذ إن عائلاتهم قد انتقلت أيضًا إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة القوات الحكومية، حيث يقولون إنهم يجدون الراحة والحماية والأمن، أكثر بكثير من المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، والتي تحكمها الفوضى. هذا التطور يشير إلى تزايد الثقة بالنظام، الذي أسّس وزارة المصالحة، مهمّتها تسهيل عودة هؤلاء الشبان إلى وظائفهم ومواقعهم، وعودة عائلاتهم إلى كنف النظام.
الفظيع والأفظع قال الوزير علي حيدر لصحيفة "ديلي تليغراف"، وهو شخصية معتدلة، تم اختياره لإدارة شؤون وزارة المصالحة، إن هناك ترتيبًا يتخلى المقاتلون بموجبه عن أسلحتهم، مقابل عبور آمن إلى المناطق التي تسيطر عليها قوات الحكومة.
أضاف: "رسالتنا هي: إذا كنتم تريدون حقًا الدفاع عن الشعب السوري، أتركوا أسلحتكم، ودافعوا عن سوريا بالطريقة الصحيحة، من خلال الحوار". ويقول مقاتلو الثوار سرًا إنهم مدركون للعفو، وإن بعض الرجال اختاروا القبول به، على الرغم من أن عددهم لا يزال يمثل نسبة صغيرة من الذين يقاتلون القوات الحكومية.
وقال محمد، وهو متمرد مسلم معتدل من بلدة الرقة، والذي رفض الكشف عن اسمه الأخير: "اعتدت أن أناضل من أجل الثورة، ولكن الآن أعتقد أنني فقدت ما كنت أقاتل من أجله". وأضاف: "المتطرفون يسيطرون على مدينتي، فانتقلت عائلتي مرة أخرى إلى الجانب الحكومي، لأن بلدتنا غير آمنة، الأسد فظيع، لكن البديل أفظع".
أدى انتشار الجماعات الإسلامية المتطرفة في المناطق التي يسيطر عليها الثوار، ولا سيما في الشمال، إلى تخلي بعض مقاتلي المعارضة عن قضيتهم. زياد أبو جبل يأتي من إحدى القرى في محافظة حمص، التي وافق سكانها أخيرًا على وقف القتال ضد النظام. وقال: "عندما انضممنا إلى التظاهرات، أردنا حقوقًا أفضل، لكن بعد رؤية الدمار وقوة الجهاديين، توصلنا إلى اتفاق مع الحكومة".
مفاوضات مستمرة من جهته، قال حيدر إنه كان قد حضر أمس حفلًا شهد عودة 180 مقاتلًا من المعارضة إلى صفوف النظام، بعدما أعيد دمجهمم في قوة الشرطة التابعة للحكومة، التي كانوا قد انشقوا عنها في بداية الثورة.
وعلى الرغم من أنه لم يكن من الممكن التحقق من هذا الإدعاء، إلا أن "تليغراف" أشارت إلى أن مقر وزارة المصالحة في دمشق كان مزدحمًا بأفراد أسر الثوار، الذين يقاتلون في ضواحي المدينة، والذين قالوا إن رجالهم يريدون العودة إلى كنف النظام.
وقال أحد مفاوضي الوزارة إنه يعمل على تسهيل عملية عودة قائد من الثوار وعشرة من رجاله من منطقة الغوطة إلى صفوف النظام، مشيرًا إلى أن المفاوضات استغرقت ثلاثة أشهر، وفي حال نجحت، يقول القائد إنه يضمن عودة 50 مقاتلًا إضافيًا. فعودة المنشقين إلى كنف الأسد تتطلب خطوات عدة، تبدأ باستعداد المقاتلين لإلقاء أسلحتهم.
إزالة الأسماء أولًا، على المفاوضين عبور خط الجبهة لحضور اجتماع مع المقاتلين في الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة. يقول المفاوض: "ندخل آملين في أن قائد الثوار في المنطقة سيعطي القناصة أوامر بعدم إطلاق النار علينا". بعدها، يحصل المقاتلون على وثائق تسمح لهم بالمرور عبر نقاط تفتيش الجيش السوري، حيث يدخلون معاقل النظام، وينتظرون في منزل آمن، حتى يقوم المسؤولون بإزالة أسمائهم عن قوائم المطلوبين، التي تحتفظ بها وزارة الدفاع والاستخبارات.
يقول أحد المقاتلين: "عندما أردنا الثورة، لم نكن نتوقع أن نصبح جزءًا من الجماعات الإسلامية المتطرفة، التي اكتسبت النفوذ، ونريد اليوم العودة إلى الحياة الطبيعية".
وفي الأيام، التي سبقت سيطرة الأسد على القصير في الشهر الماضي، نشط الوسطاء على الحدود اللبنانية مع الجيش السوري لتأمين العفو للمقاتلين الراغبين في الاستسلام. وقال علي فايز عوض، أحد الوسطاء، إن الأمهات يعلمن أن هذه هي الفرصة الأخيرة لأبنائهم، "فإن لم يتركوا السلاح سيموتون لأنهم يخسرون المعركة".