لفحت وجهي رائحة عطر نفاذة و انا احتسي فنجان القهوة في ركني المعتاد بالمقهى ,فرفعت عيني ببطء عن الكتاب الذي أطالعه ,لتصطدم بفتاة ناهزت على الأرجح ربيعها الثامن عشر ,تلبس سروالا ضيقا من الجينز يفصح اكثر مما يخفي,و قميصا فتحت أزراره باستهتار واضح,و تنتعل حذاءا رياضيا. جلست في المقعد المقابل لي و انهمكت تبحث في حقيبتها عن شيء ما,خفضت راسي محاولا تجاهلها و متابعة ما كنت اقرأ, إلا أن الفضول دفعني الى معاودة النظر فرفعت بصري مجددا اليها لأجدها قد عثرت عن ما كانت تبحث عنه ووضعته بين شفتيها المضمختين بلون احمر فاقع, التقت عيني بعينها فرأيت جرأة لم اعتدها ,انتظرت مليا ان تغض بصرها لكنها لم تفعل,بل بادرتني بالسؤال دون اي كلفة : - هل تحمل قداحة او عود ثقاب ؟ لم اجب و انما رفعت نظري ببطء صوب الجدار حيث علقت لوحة قديمة تمثل نساءا تطوانيات يلبسن الحايك و اللثام و ينظرن الى الشارع باحتشام من المشربية . تاملتها طويلا.فتذكرت امي و جدتي,تذكرت الأخلاق و القيم ,الخجل و الحياء, تذكرت كل ما انقرض في زمن بات كل شيء فيه مباح ,زمن رفعت فيه شعارات الحريات الفردية المستوردة و اختلطت فيه المفاهيم فبات المحافظ متخلفا , و المثالي مغفلا ,و المتدين ارهابيا , و المتحرر مثاليا... ل م استطع الإحتمال فلملمت اوراقي مغادرا و انا اتمتم في حسرة : و الله ما اصدقك يا امير الشعراء حين قلت : "وانما الأمم الأخلاق ما بقيت فان هم ذهبت اخلاقهم ذهبوا "