أقدمت مؤخرا بعض الوجوه السلفية المشهورة في المغرب على الانضمام إلى أحد الأحزاب السياسية المغربية "ذات المرجعية الإسلامية" وهي الخطوة التي أثارت العديد من التساؤلات منها ماهو مشروع ومنها ما هو متحامل. ماذا يعني نظريا خوض غمار العمل السياسي؟ كل من يفكر في ممارسة العمل السياسي الديمقراطي (لا سياسة دون ديمقراطية)، يفترض فيه مسبقا الوعي الكامل بأنه يحوم حول مجال النسبي ولا يتعداه، أي أنه مقتنع مبدئيا بفكرة الجزء ضمن الكل. وعليه فهو يدافع بالوسائل المشروعة عن أفكاره ومشروعه وتصوره لما سيكون عليه المجتمع، وهو في نفس الوقت مقتنع أشد الاقتناع بأن تصوره هذا الذي يراه صوابا مجرد اجتهاد بشري وخلاصة لتحليل استند فيه على آليات نسبية ومؤقتة ومرشحة للتغيير والتعديل. إضافة إلى نسبية الخطاب السياسي يفترض كذلك فيمن يؤمن بالديمقراطية كأفضل حل أنتجه العقل البشري تاريخيا لتجاوز الاختلافات السياسية، وكأحسن آلية للتداول السلمي على السلطة، (يفترض فيه) أنه يؤمن إضافة إلى الاحتكام إلى الأغلبية العددية أن الديمقراطية أكبر من مجرد معادلة أكبر/أصغر، بل هي مجموعة من القيم التي تضمن حقوق الأقلية أكثر مما تؤكد هيمنة الأغلبية هذا من جهة، من جهة أخرى يفترض كذلك في الممارس السياسي الديمقراطي أن يؤمن أن الديمقراطية بالمفهوم الذي ذكرناه لا تنفصل أبدا عن باقي القيم الإنسانية من كرامة وحرية ومساواة.. وكذلك بالارتباط الوثيق للديمقراطية بمنظومة حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا. هذا حد أدنى. لكن ماذا نجد في جعبة السلفي وممتهني الإسلام السياسي عامة؟ رغم الاختلافات التنظيمية بين هذا وذاك يشترك هؤلاء، في نهاية التحليل، في مشروع واحد هو بناء "الدولة الإسلامية" التاريخية، منهم من يسعى اليوم لتحقيقه بالعنف (التيار الجهادي)، ومنهم من يؤجله إلى أجل غير مسمى (ما يسمى بالمعتدلين). لندع مدى معقولية هذا الطرح ومدى استجابته لقوانين التاريخ لأن هذا موضوع آخر. ولنتتبع الثقافة السياسية عند السلفي لأنها همنا في هذه اللحظة. عكس الديمقراطي، يعتقد السلفي بأن "المشروع الإسلامي" كما يتصوره هو مشروع الله عز وجل والتعارض القائم بين مشروعه (إن كان هناك مشروع) ومشاريع الآخرين هو تعارض بين حقيقة إلهية وخرافة وضعية صبيانية. لا يؤمن السلفي بالديمقراطية كما يعرفها خصومه بل يستعملها كتكتيك مرحلي للسيطرة على المجتمع، يختصر الديمقراطية في العدد ولا شيء غير ذلك. بالاستتباع فالسلفي لا يؤمن بالتداول السلمي على السلطة بل يرى أن كل مراحل الحكم السابقة مجرد ظلال وأن فترة حكمه هو هي الصراط المستقيم وما دام الأمر كذلك فلا مجال إلى التنازل على السلطة. كيف ذلك وهو يطبق شرع الله؟! لا نسعى هنا إلى تقوية "فزاعة الإسلاميين" فهذا آخر همنا، لكن المتتبع لممارسة السلفي في أرض الواقع وأدبياته النظرية، سيفهم أن الأسئلة أو التخوفات التي نعبر عنها هنا مشروعة وأكثر من ذلك لها أساس في الواقع والتاريخ.