شهد يلدنا في الآونة الأخيرة هرجا ومرجا في مناسبتين مختلفتين من حيث الموضوع والسياق , حدثين شغلا العامة والخاصة و إن بدرجات متفاوتة من حيث الاهتمام , ولكن الرابط بينهما هو أن الرجلين ينتميان لحزب الميزان , و بعد أن مالت الكفة في الحدث الأول ( إعلاميا على الأقل ) لصالح زعيم الإستقلاليين شباط بقراره فض الإشتباك مع حلفائه من العدالة والتنمية في الحكومة التي يديرونها , إستدرك خصمه في الحزب وزير التربية الوطنية الوفا هذا التفاوت ليخلق هو أيضا "جدله" مع حلول بشائر إمتحانات الباكالوريا و إعلان حالة الطوارئ تحسبا لهجوم عصابات منظمة حسب ما صرح به وزيرنا شبيهة بالجراد ستأتي على الأخضر واليابس و ستغرر بالممتحنين لكي توصلهم للهاوية ! . خفت صوت شباط و لو مؤقتا ليعلو صوت الوفا , بسبب تفاجئه و استغرابه من كم "النقالين" في هاته السنة الدراسية ,و في محاولة استباقية قرر أن يعد العدة قدر استطاعته لصد الهجوم مستعينا بمختلف مصالح الدولة و لم يغفل استحضار قاموس التهديد و الوعيد ضد كل من لجأ للغش في فترة الإمتحانات , والذي فجأة أصبح حديث الناس و مثار إهتمامهم أكثر من جلبة انتخابات البرلمان والجماعات و صداعها و التي لم تعد تثير حماس المغاربة . الوزير صاحب 'القفشات' الطريفة و على غير عادته حاول أن يظهر أكثر جدية من أي وقت مضى لأن الظرف يقتضي ذلك .
الوفا قال كل شيء ما عدا الحقيقة , و لأن الحقيقة في بلدنا مؤلمة , فستؤجل مصارحة الشعب المغربي بها كالعادة لقادم السنين و سنبقى في حالة من الالتهاء بقشور القضية و تجاهل عمقها و أصل المشكل , خصوصا و أن الشمس لم يعد بالامكان إخفاؤها بالغربال بسبب وصول الأزمة لأقصى درجاتها , فالسيف سبق العذل و التلميذ المغربي ألف الغش منذ أن وطأت أقدامه المدرسة , و ذلك ليس بسبب هذا الطالب حسب ما يروجه الرسميون في بلدنا , بل السبب هو منظومة من الفساد المتجذر و المترسخ في مفاصل هذا الوطن و الذي صار ثقافة لها قواعد و أعراف, نعم الغش هو شيء غير مقبول أخلاقيا مهما حاولنا تبريره , و لكن من جانب آخر علينا أن نضع الأمور في سياقها و ألا نقتطع الأجزاء التي نريد و في الوقت الذي نريد , بل الموضوعية تقتضي منا الصراحة , فتعليمنا هو أبلغ ترجمة لصورة بلدنا , فالمغرب مريض , و لم نجد بعد الدواء المناسب لإفتقاد كل محاولات الإصلاح للإرادة الصادقة , فالملايير تصرف على هذا القطاع و أكبر الميزانيات تذهب له في أي مشروع ميزانية يطرح , و النتيجة هي التي رأيناها مِؤخرا , جيل من الشباب الفارغ معرفيا و غير قادر على إستيعاب أطباق الدروس التي قدمت له في مساره المدرسي فيما يشبه نفورا جماعيا من التعليم بنسخته المغربية , و بعدها نلقي اللوم على الطالب و عصابات و كيانات غير مرئية و نجعلها شماعة نعلق عليها أخطاء الماضي والحاضر .
رسالتي للسيد وزير التربية بسيطة وواضحة , فقد لا نختلف معك في حسن نيتك إتجاه التعليم المغربي وقضاياه , لكن نطلب شيئا واحدا منك حتى يتذكرك التاريخ بكل الخير و لا تسقط كما سقط آخرون في غياهب النسيان , أن تصارح الناس بأن القضية هي أكبر من بضع إجراءات هنا و هناك و لا مانع أن تستخدم أسلوبك المرح في إيصال الرسالة التي اتفق عليها الجميع و هي أن الحل لن يكون إلا بمقاربات شمولية لن تستطيع وحدك حلها و لتقولها بصراحة هي أن "الغشاشين" ليسوا سوى ضحايا تم دفعهم دفعا لهذا المربع المظلم .