يعرف الغش ضمن سياقه العام بأنه «خيانة للأمانة وتزوير للحقيقة وتعاون على الإثم والعدوان بغير حق»، وهو ظاهرة سلبية في المعاملات والسلوكات، اتسع نطاقها في شتى مرافق الحياة، بشكل انتقلت به من خانة العيوب والنقائص الفردية المتفشية في شريحة محدودة من الناس، إلى كونه ظاهرة اجتماعية، مرتبطة بالأنماط السلوكية التي يتعلمها الإنسان من أسرته ومن المحيطين به. يتعلمها ممارسها في المدرسة، ويطورها في مختلف المراحل التعلمية، ليقدمها في عمله حين يكبر، فيصير الغش عادة واعتيادا طبيعيا، يلازمه طول حياته، يغش زوجه وولده وزميله... الغش.. مرض نفسي علماء الصحة النفسية يؤكدون على أن الغش مثله مثل كل الممارسات المرفوضة سلوك غير صحي يكتسبه الإنسان من خلال المجتمع، واستمرار الصمت تجاه الغشاش يجعل الغش عنده إشباع غاية أو هدفا يصل به في بعض الأحيان إلى الإدمان حتى لو لم يكن مضطرا له، وقد تحدث الرسول صلى الله عليه وسلم عن البعد النفسي في إدمان الإنسان العادات السيئة، قال: “لا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا”. ومن وجهة نظر نفسية للموضوع، فإن الغش الذي استشرى ووصل إلى المشاعر مرورا بالغش في البيع والشراء إنما أصبح مرضا نفسيا على أساس أن المرض النفسي سلوك مكتسب، والغش كسلوك نتج بسبب الخوف والقلق والوساوس ما أدى إلى اختلال تفكير الإنسان واضطراب وجدانه ما يؤدي به إلى أن يسلك هذا السلوك الخاطئ، وإذا أردنا أن نبحث عن العلاج فيجب أن نغرس في نفوس الناس جميعا سلوكيات وعادات صحية مرغوبة مثل الأمانة والصدق مع النفس ومع الآخرين. وأن نعيد للغش أوصافه الحقيقية من أنه عمل غير أخلاقي وغير شريف ونقضي تماما على المفاهيم التي ترسخت في أذهان الجميع من أن الغش نوع من أنواع الاحتراف المطلوب في الحياة. أسلوب القرآن يرى الدكتور أحمد كافي أستاذ التعليم العالي للدراسات الإسلامية بالدار البيضاء، أنه لمقاومة آفة الغش ينبغي أن نستخدم الأسلوب التربوي الذي استخدمه القرآن، حيث كان الخطاب الإلهي واضحا وصريحا للإنسان ونفسه وسلوكه وعمله، وهو أسلوب في -نظر الكافي - يمكن تنزيله عبر تعزيز ثقافة الآخرة والإيمان، وأن الإنسان إذا استطاع أن يفلت من عقاب أهل الدنيا وأعينهم ومقاومتهم فإنه سيضع الله تعالى للكون الموازين القسط العادلة: «ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين»(الأنبياء:47). . وذكر أنه من الناحية التربوية عزز الإسلام أسلوبين: «الأول ترهيبي: وذلك من مثل قوله عليه الصلاة والسلام:»من غشنا فليس منا»، فحرم أن يغش المسلم أخاه المسلم في أي مجال من المجالات. الثاني ترغيبي: وهو ظاهر في قوله صلى الله عليه وسلم:»رحم الله عبدا عمل عملا فأتقنه»، وأكد أن الإتقان والفرار من الغش طريقة المحبة الربانية للعبد، وبمفهومه أن الغش طريقة البغض والكراهية. وخلص الكافي إلى «أن الإسلام َزَاوَجَ المنهج التربوي بين التخويف والتحذير من عدم الانتماء إلى أمة الإسلام عند التلبس بهذه الآفة الاجتماعية بالقول:»فليس منا»، أي ليس من أمتنا ولا من أهل ملتنا من يختار التعامل بالغش والتدليس، وبين الترغيب في عطاء الله وفضله ومحبته». وأكد أحمد كافي أن الإسلام أوجد مجموعة من الكيفيات للقضاء على ظاهرة الغش، بحيث اعتبر كل وسيلة تنفع في إماتة هذه الآفة مشروعة، وذكر منها: حماية هذا اليقين التربوي وتعزيزه بقوانين حامية للإنسان من تهوره ومعصيته، وكف شره عن الناس، وهنا تأتي المراقبة والمحاسبة. وقد أبدع المسلمون نظام الحسبة، وهو نظام للمراقبة ومعاقبة كل من التجأ إلى الغش مباشرة وفورا. وكذا تقوية الوسائل الناجحة التي أبدعها آباؤنا في مجال محاربة الغش، ومنها ما عمل به آباؤنا من التوجه إلى الأمين، فقد كان لكل حرفة ومهمة أمينها... وهذا الأمين رجل المهنة وله معرفة كبيرة بصحة المنتوج ورداءته، وعند كل نزاع يكون حكمه نافذا إذا أصدره في حق المشتكي أو المشتكى به. بالإضافة إلى إشراك المجتمع بكل هيئاته ومؤسساته للنهوض بشعارالجودة عبادة ودين، والغش جريمة في حق النفس والمجتمع والإنسانية. وقال الكافي بأن العبادات أغلقت باب الكذب والتدليس والغش إغلاقا محكما، وبين أن التاجر الصادق مع النبيين والصديقين والشهداء. دور التربية وفق مقاربة علم الاجتماع، يجري التأكيد على أن الغشاش هو الشخص الذي يظهر ما لا يبطن، فهو يظهر الأمانة ويبطن الخيانة وأكل أموال الناس بالباطل، والغش من العادات السيئة التي تؤدي إلى إحداث خلل في المجتمع، وانتشاره يؤدي إلى انتشار العديد من الأمراض الاجتماعية الخطيرة من أبرزها؛ الكذب والسرقة والقتل وهو ما يعني أن الغش يمكن أن يصل إلى مرحلة يكون فيها السبب الأول في هدم المجتمع كله. وبما أن محاصرة الظاهرة تقتضي تحرك المجتمع في اتجاهات متعددة، فمن الضرورة حسب المهتمين أن يكون العمل على وجود منظومة قوانين رادعة للقضاء على كل مظاهر الغش بدءا من الغش في الامتحانات مرورا بالغش الصناعي والتجاري... غير أن تفعيل هذه المنظومة القانونية وتنفيذها بحيادية تامة على الكبير والصغير القوي والضعيف، هو ما يدفع إلى أن ننجح بلا شك في ردع ظاهرة الغش بجميع أشكالها. كما يجب النظر إلى المظاهر الأخرى للغش التي لا نستطيع علاجها بالقوانين مثل غش المشاعر والعواطف فهذا النوع ينتشر بالفعل ويحتاج إلى دراسة متأنية وشاملة والعمل على علاج أسبابه. وتؤكد هذه المقاربة الاجتماعية، على أن النقد الاجتماعي، يعتبر من الوسائل العلاجية الناجعة في مثل هذه الحالات، لأن النقد يؤثر في مَن في نفسه شيء من الغش أو الخيانة، في المحافل والخطب ووسائل الإعلام والمؤسسات الاجتماعية. فلعلّ ذلك يزيد من أثر النقد الاجتماعي المؤلم المبني على النصح المباشر.