رغّب اللّه تعالى عباده المؤمنين في البذل والإنفاق ووعدهم على ذلك أجرًا عظيمًا، وبيّن لهم فضل عملهم هذا فقال تعالى: {مثل الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مئة حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} البقرة:162. الإنفاق في سبيل اللّه من أفضل الأعمال وأزكاها، فهو يزكّي النّفس ويطهّرها من الرذائل، وبهذه التزكية يرتقي الإنسان في معارج الكمال والعطاء، ولذلك كان العطاء من صفات اللّه عزّ وجلّ. ويُطهّرها، أيضًا، من العبودية لغير اللّه تعالى، وتنجيه من البخل الّذي يهبط بالعبد إلى مدارك العبودية للدينار، وصدق اللّه العظيم إذ يقول: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا} التوبة:301. والإنفاق في سبيل اللّه هو في الحقيقة حفظ للمال وزيادة له، وليس نُقصانًا له وإتلافًا كما قد يظن البعض، لقوله تعالى: {وَمَا أَنفَقْتُم من شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} سبأ:93، ولقوله صلّى اللّه عليه وسلّم: ''ما من يوم يصبح العباد فيه إلاّ ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللّهمّ أعْطِ منفقًا خَلفًا ويقول الآخر اللّهمّ أعط مُمسكًا تَلفًا''، متفق عليه. ويُعدّ الإنفاق في سبيل اللّه جهادا عظيما قدّمه اللّه على الجهاد النّفسي في القرآن ما يقارب 9 مرّات، وذلك لأهميته العظمى، والمال لا تظهر فائدته إلاّ بالإنفاق في المصالح النافعة، أما كنزه وجمعه وعدّه فهو قتل له، وحرمان لثمراته من أن تظهر، ولخيراته من أن تزهر، ولطاقاته من أن تتحرّك وتنتج. والممسكون معطّلون ومتلفون، ومحرومون وجمّاعون لغيرهم. ولقد كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يُرغِّب أصحابه في الصّدقة، ويأمرهم بها، ويحثُّهم عليها، وقد سُرَّ عليه الصّلاة والسّلام عندما اجتمع عنده كومان؛ كوم من طعام وكوم من ثياب، وقال: ''مَن سَنّ في الإسلام سُنّة حسنة كان له أجرُها وأجر مَن عمل بها إلى يوم القيامة''. فينبغي للمسلم أن ينفق ويتصدّق ولا يمسك عن الإنفاق والبذل، وليحرص على أن يكون عمله هذا خالصًا لوجه اللّه تعالى، لا رياءً ولا سمعةً أو طمعًا بمنافع دنيوية من سمعة وثناء، وأن لا يُتبع نفقته بالمنّ والأذى لمَن أعطاه وتصدّق عليه. لأن الإنسان لا ينفق لأحد إنما ينفق لنفسه هو، فمَن يبخل فإنّما يبخل على نفسه وإن أنفق فعلى نفسه، قال اللّه تعالى: {وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نفسه وَاللّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء} محمّد:83، ولا يمسك الإنسان ويبخل خشية الفقر، فإنّ اللّه تعالى قد تكفّل لمَن أنفق في سبيله بالخلف. يقول تعالى: {وَمَا أَنفَقْتُم من شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} سبأ:93، ويقول صلّى اللّه عليه وسلّم: ''ما نَقُصَت صدقة من مال، بل تزده، بل تزده''، رواه مسلم. واللّه عزّ وجلّ يدفع البلاء بسبب الصّدقة، قال عليه الصّلاة والسّلام: ''إنّ صنائع المعروف تقي مصارع السُّوء''. وأفضل الصّدقة ما كان زمن الصحّة، روى الشيخان عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أن رجلاً سأل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أيُّ الصّدقة أفضل؟ فقال: ''أن تتصدّق وأنتَ صحيح شحيح، تخشى الفقر، وتأمَل الغِنى، ولا تمهل حتّى إذا بلغت الحلقوم''، فقلت: لفلان كذا وكذا، وقد كان لفلان. .