ترامب يهدد بمحاولة استعادة قناة بنما    هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة بنعلي مع المغرب
نشر في أخبارنا يوم 24 - 01 - 2011


من جفاء الحسن الثاني سياسيا
إلى منافسة محمد السادس اقتصاديا
رغم الزيارات المكثفة التي تبادلها كل من الملك محمد السادس والرئيس التونسي زين العابدين بن علي، خاصة في السنوات الأولى للملك الجديد، فإن الأوراش الكبرى التي فتحها المغرب اقتصاديا، وتوجهه إلى تطوير قطا السياحة والاستثمارات الأجنبية، حوله إلى منافس كبير لتونس، خاصة وأنهما معا يتمتعان بشراكة متقدمة مع الاتحاد الأوربي. "لدرجة أن تونس أصبحت في السنوات الأخيرة تجند مخابراتها للقيام بالتجسس الاقتصادي في المغرب، وكلما حاول مستثمرون أجانب الاستقرار في المملكة، سعت تونس إلى تحويل وجهتهم إليها" يقول الخبير المغربي عبد الرحمان مكاوي. فيما يجمع الأعداء كما الأصدقاء على كون بن علي ظل حليفا نادرا للمملكة في حربها ضد جبهة البوليساريو الانفصالية، الابنة المرعية للجزائر القوية.
منذ يوم الجمعة من الأسبوع الماضي، تونس لم تعد خضراء بعدما حجب الدخان سماءها واستحالت خضرتها إلى سواد، ولم يعد يخرج من قصر قرطاج الفخم، الرجل المتوسط القامة، "أسود" شعر الرأس ذي السمرة الخفيفة، ماسكا يد زوجته "الحسناء" ومن ورائها أفراد أسرتها الأقوياء! والذي يحمل اسم زين العابدين بن علي، أو "الزين" كما يحب اختصاره الزعيم الليبي معمر القدافي.
لم يعد للتونسيين دكتاتورهم المخيف ولم يعد لتونس زعيمها المقدس. تحول تفرج عليه المغاربة بكثير من الاهتمام وبعضهم لم يقوى على مدافعة تلك القشعريرة التي انتابتهم وهم يتفرجون على سقوط أحد "جيرانهم" الأقوياء، والذي لطالما وصلهم بعض لهيب نيرانه، حين كان بعضهم يتجرأ على انتقاده على صفحات الجرائد أو الندوات، كما ساهم في حرمانه من استضافة أحد مكاتب قناة الجزيرة القطرية القوية. فمن هو زين العابدين بن علي بالنسبة للمغرب والمغاربة؟ أهو الصديق المأسوف على رحيله؟ أم الحليف النادر في المنطقة العربية والذي وقف سدا منيعا أمام المشروع الانفصالي جنوب المملكة المغربي؟ أم أنه مجرد "زعيم" من هؤلاء الزعماء الذين لا يعني المغاربة رحيلهم كما لا يعنيهم بقاؤهم؟
"كانت لزين العابدين بن علي علاقات متينة مع المغرب، ومن حسناته أنه قطع الطريق على جنرالات الجزائر، حين حاولوا ضم جبهة البوليساريو إلى جامعة الدول العربية ثم إلى اتحاد المغرب العربي"، يقول الخبير في الشؤون المغاربية عبد الرحمان مكاوي، والذي يعتبر أن بن علي قام بعكس ما قام به سلفه الحبيب بورقيبة، "الذي كان الزعيم العربي الوحيد الذي تحمس لانفصال موريتانيا، وعمل على ذلك رفقة الجنرال دوغول، كما ساعدها في ولوج منظمة الأمم المتحدة، ثم جامعة الدول العربية عام 1974، كما أن وزير داخليته الطاهر بلخوجة، قام بدور مشبوه في قضية الصحراء، حيث كان وراء إقناع الملك الراحل الحسن الثاني بإيقاف زحف جيشه بعد المواجهات الأولى بأمغالا، حيث كانت القوات المغربية عازمة على التقدم إلى غابة تندوف، بينما قال بلخوجة للحسن الثاني إن بورقيبة يطلب منه توقيف العمليات، فاعتقد الملك أن الأمر يتعلق بإشارة فرنسية أمريكية من أجل حل المشكل، لتستفيد الجزائر والبوليساريو من تلك الفترة التي توقف فيها الهجوم المغربي"يضيف مكاوي.
من جانبه عبد السلام بوطيب، رئيس مركز الذاكرة المشتركة والمستقبل، قال: "يمكن استشراف موقع المغرب من المتغيرات التي طرأت في تونس، من خلال حدثين اثنين". الحدث الأول حسب بوطيب هو منع المغرب للحقوقي التونسي كمال الجندوبي من دخول ترابه قبل أشهر قليلة، وإرغامه على قضاء ليلة كاملة داخل إحدى الطائرات تم رجوعه على أعقابه، "وهذا يعني ما يعنيه حول طبيعة العلاقات التي كانت تربط نظام من علي بالمغرب". أما الحدث الثاني فهو تأخر المغرب في الإعلان عن موقفه الرسمي مما وقع في تونس. "فإذا كان الحدث الأول يفسر بحاجة المغرب إلى الموقف التونسي من قضية الصحراء، فإن الحدث الثاني يعبر عن ذكاء يتمثل في الزمن الفاصل بين ما وقع في تونس وصدور البلاغ الرسمي في المغرب، فالمغرب لم يرد أن يتورط في موقف غير محسوب، وعندما تبين أن أيا من الفرقاء السياسيين لا يتمتع بالقوة الكافية للسيطرة، أعلن المغرب تضامنه مع الجميع. لكن دبلوماسيتنا تبقى غير قادرة على الاستباق."
قصة بنعلي مع المغرب
للحسن الثاني رأس وليس لبن علي سوى يدين
قبل نحو عشر سنوات من الآن، أصدر الفرنسيان جون بيير تيكوا، ونيكولا بو، كتابا بعنوان "صديقنا الجنرال زين العابدين بن علي وصديقه الحبيب عمار" الذي سيصبح وزيرا للداخلية والمخطط الرئيسي للإطاحة ببورقيبة...
إثر عودته من فرنسا، سكن بن علي، حسب "صديقنا الجنرال" في حي الضباط في باردو. وعى مقربة من هناك كانت توجد فيلا العقيد كافي، وهو ضابط سابق في الجيش الفرنسي، أصبح رئيس أركان الجيش التونسي. "فسارع وين العابدين إلى مصادقة ابنته ثم تزوجها". وبفضل دعم حماه النافذ، ذهب بن علي إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وتحديدا إلى المدرسة العسكرية العليا للاستخبارات والأمن بالتيمور، ليتابع تكوينا لمدة 20 شهرا، وبعد عودته من الولايات المتحدة، عين الماجور بن علي مديرا مساعدا، ثم مجيرا للأمن العسكري، بينما اقتصر زملاء دورته على حياة الحامية العسكرية، فكانت مهمته تأمين مراقبة الثكنات العسكرية.
قصة بنعلي مع المغرب
القذافي... عراب بن علي الأول
الخرجة المثيرة التي انفرد بها الزعيم الليبي نهاية الأسبوع الماضي، ودافع فيها عن "الزين" معتبرا إياه أحسن رئيس يمكن أن يجده التونسيون على الإطلاق، تجد تفسيرها في ما قاله مؤلفا الكتاب المثير "لقد سمع التونسيون لأول مرة باسم زين العابدين بن علي عام 1974، أعلن الحبيب بورقيبة ومعمر القدافي ولادة دولة جديدة، هي الجمهورية العربية الإسلامية. وتم الاحتفال في فندق فخم في جزيرة جربة... وفي ذلك اليوم، اقترح رئيس الدولة الليبية أسماء أربعة تونسيين لشغل مناصب إستراتيجية في الحكومة الجديدة، ومنها اسم بن علي لقيادة المكتب الثاني، أي الاستخبارات والأمن العسكري.
وينقل الكاتب الفرنسي ما كتبه الأستاذ الجامعي محسن التومي: "ها هي نقطة تستحق التوضيح في السيرة الذاتية لرئيس الجمهورية". إلا أننا لا يمكن أن نغامر بفرضية، يستدرك الكاتبان الفرنسيان، فقد كان الليبيون دوما يخترقون جيش جارتهم تونس، ومن الصعب أن نتخيل أن يكونوا قد اقترحوا اسم بن علي دون أن يحصلوا على تأكيدات من طرفه، يضيفان. ومهما كان الأمر، فقد غدت مرحلة جربة هذه موضوعا محرما في تونس، وحتى مذكرات الطاهر بلخوجة، وزير داخلية بورقيبة السابق، تبرز في ملحق الوثيقة الرسمية، لائحة وزراء الاتحاد التونسي الليبي، دون أن يظهر فيها اسم زين العابدين بن علي.
بعد قمة جربة ببضعة أيام، ألغي الاتفاق أمام المعارضة القوي للهادي نويرة، رئيس الوزراء التونسي الذي عاد من إيران على وجه السرعة، ونفى، وهو في أشد حالات الغضب، بن علي ملحقا عسكريا في الرباط. وهنا بدأت قصة بن علي مع المغرب.
قصة بنعلي مع المغرب
قصة بن علي مع المغرب
"يعتبر زين العابدين بن علي بمثابة ضابط اتصال لحساب الولايات المتحدة الأمريكية، فهي التي ظلت تعينه حيثما شاءت سواء في الداخل أو الخارج. ثم إن تونس هي الدولة العربية الوحيدة التي لا تدخل ضمن اختصاص وزارة الخارجية الأمريكية، بل مجلس الأمن القومي والبانتاغون"، يقول الخبير العسكري عبد الرحمان مكاوي. كما ظلت تونس لسنوات طويلة توفر لواشنطن قواعد عسكرية فوق أراضيها وتنسق مع أسطولها المنتشر في البحر الأبيض المتوسط بشكل وثيق. "وحتى عندما كان ملحقا عسكريا في سفارة بلاده بالمغرب، كان رجل الأمريكيين بلا منازع، حاصة في متابعة ملف الصحراء"، يجزم مكاوي.
كتاب "صديقنا الجنرال"، نقل كيف اكتشف رئيس الدولة القبل في منفاه ملذات الحياة الحلوة المغربية. "وفي الحفلات الحلوة المغربية. "وفي الحفلات التي كان يرتادها، لم يتردد الملحق العسكري في انتقاد المسيرة الخضراء التي نظمها الحسن الثاني في نونبر 1975... هل كان هذا النوع من الهمس الذي نقل إلى الملك هو الذي جعله ذا سمعة مزعجة لدى النظام المغربي؟" تساءل بيير توكوا وزميله قبل أن يؤكدا: "الحقيقة التي ستتأكد في ما بعد، هي بقاء العلاقات بين الحسن الثاني وبن علي رديئة جدا. وسينسى العاهل المغربي حتى أن يشير في إعلان قمة عربية عقدت في المغرب، إلى حضور زين العابدين بن علي، الذي كان يحتقره باستعلاء. ولم يستطع الجنرال الحقود أن يمتنع عن التثاؤب من الضجر، خلال جنازة الحسن الثاني في يوليوز 1999 بالرباط، كما أظهره التلفزيون المغربي سهوا". فيما تنقل مصادر أخرى، سببا آخر لذلك الجفاء الذي ظل يطبع علاقة الملك الراحل وبن علي، يتمثل في تقرير رفعه حين كان ملحقا عسكريا بسفارة بلاده في الرباط، عن إحدى العمليات الانقلابية التي استهدفت نظام الحسن الثاني، المصادر تقول عن تقرير بن علي جاء مندفعا ومتحاملا، بل ومبشرا بنهاية العهد الملكي في المغرب. وهو ما لا يمكن للحسن الثاني أن يغفره.
"مقابل كل ما يمكن أن نسجله ضده، كانت لزين العابدين بن علي مواقف جريئة، وهو الذي أقنع الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد والعقيد الليبي معمر القدافي، بفكرة اتحاد المغرب العربي، فقد كان رجل مخابرات بامتياز، وعرف كيف يلعب على التوازنات والتناقضات. مما جر عليه بعض النفور من جنرالات الجزائر، خاصة بعدما كشفت وثائق وكيليكس أنه كان يعتبرهم عقبة أمام اتحاد المغرب العربي، فكان ردهم هو ذلك التشفي الذي عبرت عنه الصحافة المقربة منهم بعد إعلان مغادرة بن علي لتونس" يقول عبد الرحمان مكاوي. فيما رأى أستاذ العلوم السياسية محمد أمين بوخزبة، أن الاتجاه الذي اتخذته تونس حاليا، هو عدم القطيعة النهائية مع نظام بن علي، أهمها الوزير الأول ورئيس البرلمان... وهكذا يمكن أن تستمر العلاقات عادية كما كانت".
الإمساك بخيوط العلاقات المغربية مع الدول المغاربية، يتطلب العودة إلى فترة السبعينيات التي كان خلالها زين العابدين في الرباط، "فبعد تطورات دولية متلاحقة أدت إلى انسحاب إسبانيا من الصحراء واستعادتها من طرف المغرب بناء على اتفاقية مدريد 1975، ثم تنظيم المسيرة الخضراء، وجدت الجزائر في كل ذلك فرصة لتصفية حساباتها مع المغرب" يقول محمد البزاز، الأستاذ بجامعة مكناس، هذا الأخير أوضح أن المغرب وبهدف كسر الحصار الجزائري، سعى إلى إقامة تحالفات مع دول مغاربية أخرى، خاصة منها تونس وليبيا، فتمكنت الرباط من اجتذاب تونس إليها، وضمنت حيادها بخصوص ملف الصحراء. حياد لم يستمر إلا بضع سنوات، حيث سرعان ما انحازت تونس بورقيبة إلى الجزائر مع بداية الثمانينيات، وتوج ذلك التقارب بتوقيع اتفاقية الأخوة والتضامن عام 1983، انضمت إليها موريتانيا عام 1984. رد الملك الراحل على هذا التحالف التونسي معالجزائر وموريتانيا، كان بتوقيع اتفاقية وجدة يوم 13 غشت 1984، والقاضية بإقامة اتحاد مع ليبيا، في وقت كانت فيه هذه الأخيرة تعيش عزلة دولية وإفريقية خانقة.
لكن وصول زين العابدين بن علي إلى قمة الدولة التونسية، أعاد المنطقة إلى توازنها، وأصبح دور حاكم قرطاج حاسما في الحفاظ على هذا الوضع، والذي توج بتوقيع اتفاقية اتحاد المغرب العربي، دور كبير لعبه بن علي للتقريب بين الحسن الثاني وكل من الشاذلي بن جديد ومعمر القدافي. لكن تونس بن علي، تخلت عن أي طموح على الساحة العربية، فاسحة المجال أمام مغرب الحسن الثاني. فكما ينقل كتاب "صديقنا الجنرال"، يؤكد الأستاذ الجامعي الفرنسي ريمي ليفو، أن الحبيب بورقيبة يرهن على استقلال حقيقي باستقباله في تونس مقر الجامعة العربية، وخصوصا مقر منظمة التحرير الفلسطينية. علما أنه وفي تلك الفترة، كان الغربيون يصنفون تشكيل ياسر عرفات كمنظمة إرهابية. هذه التركة المتأججة لم يعرف بن علي أو لم يشأ أن يستثمرها. فانتقلت الجامعة العربية إلى القاهرة، واستقرت منظمة التحرير الفلسطينية في قطاع غزة. وبعدما انفرد الرئيس التونسي بأخذ موقف ضد التدخل الغربي أثناء أزمة الخليج، وترك الشارع يعبر عن دعمه لنظام صدام حسين... قلت تونس عام 1995 إنشاء مكتب لرعاية المصالح الإسرائيلية في العاصمة، وصرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حينها: "الآن وقد قامت العلاقات الرسمية بين بلدينا، آمل أن تنمو المبادلات بطريقة ملموسة"، ولكن من جهة أخرى، أقصى مسؤول المكتب إلى بناية داخل جناح بفندق هيلتون". ودام الوضع حتى العام 1999 مثيرا انزعاج السلطات الإسرائيلية التي كانت تفكر جديا في إغلاق المكتب. ثم غير قصر قرطاج وجهته جذريا، وعرض على ممثل إسرائيل إدارة مكاتب بينما أرسلت وزارة الخارجية التونسية موظفين رفيعي المستوى إلى إسرائيل. "فلم هذا التغيير المفاجئ؟ ولم هذا الغموض وسياسة مخجلة ومشوشة بعيدة كل البعد عن تلك التي قام بها في نفس الفترة ملك المغرب الذي عرف، رغم بعد بلاده جغرافيا، كيف يمارس دور الوساطة الذي لا يستغنى عنه في النزاع العربي الإسرائيلي" يتساءل بيير توكوا قبل أن يعيد ليجيب: "لكن ليس باستطاعة أي كان أن يكون الحسن الثاني".
قصة بنعلي مع المغرب
بعد جفاء الحسن الثاني... بن علي نافس محمد السادس
يمعن الكاتبان الفرنسيان ل"صديقنا الجنرال" في هذه المقارنة ويمددانها لتشمل ابنه محمد السادس، حين يجزمان أن على الشعب التونسي أن ينتظر الديمقراطية لفترة طويلة، "إلى درجة أن ملك المغرب الحسن الثاني بلغ به الأمر عام 1991، أن ينصح الصحفيين الأجانب المبلدي الذهن بنظره، بالأفكار المسبقة عن وضع حقوق الإنسان في بلاده أن يهتموا أكثر بتونس. فصحيح أن الملك كان قد جعل النظام ليبراليا في نهاية حكمه، وبالمقارنة مع الرئيس التونسي، يبدو الحسن الثاني وكذلك ابنه محمد السادس في نهاية هذا القرن، ليبراليين".
ويتضح الفرق عندما تنتقل المقارنة بين نظام بن علي والملكية المغربية في عهد خليفة الحسن الثاني، ابنه محمد السادس، في كون تونس بقيت عاجزة، عكس المغرب، عن استرجاع المعارضة من المنفى أو حتى إبطال مفعولها. "ففي المغرب، وزير داخلية الحسن الثاني ثم محمد السادس، إدريس البصري، عرف كيف يربط الملكية الشريفة بمعارضين كانوا يعتبرون غير قابلين لإصلاح" يقول الكتاب الفرنسي الذي تساءل: "هل نقارن تونس مع المغرب؟ تونس جمهورية مشهورة بتسامحها وأعطت الأفضلية للمساواة بين الجنسين، وتشجع وصول الجميع إلى التعليم والصحة، تفوز دوما على ملكية مطلقة عفا عليها الزمن ومحافظة. مع القضاء على الأمية وتمكين كل شخص من تلقي العلاج وتأمين تكافؤ الفرص هي شعارات خالية في الغالب من المعنى في المغرب"، ثم يستدرك الكاتبان الفرنسيان قبل عشر سنوات؛ "المفهوم اليوم مختلف، وإن لم يرق ذلك لقصر قرطاج. فمن مثل يحتدى به، تونس في طريقها اليوم إلى أن تصبح النموذج المعاكس. هي التي كانت تمتدح لاستقرارها السياسي وإدارتها الحازمة والفعالة ضد الإسلام السياسي، ها هي يشار إليها بالأصبع. وهذا التحول يعود سببه على نحو كبير إلى انحرافات "البنعلية". ورغم الزيارات المكثفة التي تبادلها كل من الملك محمد السادس والرئيس زين العابدين بن علي، خاصة في السنوات الأولى للملك الجديد، فإن الأوراش الكبرى التي فتحها المغرب اقتصاديا، وتوجهه إلى تطوير قطاع السياحة والاستثمارات الأجنبية، حوله إلى منافس كبير لتونس، خاصة وأنهما معا يتمتعان بشراكة متقدمة الاتحاد الأوربي. "لدرجة أن تونس أصبحت في السنوات الأخيرة تجند مخابراتها للقيام بالتجسس الاقتصادي في المغرب، وكلما حاول مستثمرون أجانب الاستقرار في المملكة، سعت تونس إلى تحويل وجهتهم إليها" يقول عبد الرحمان مكاوي. كم "عرف بن علي كيف يستغل الوضع الدولي" يقول كتاب "صديقنا الجنرال". "فأوربا يائسة من بلدان المغرب العربي، واستعادت تونس ألقا لا يمكن إنكاره. في الشرق لا يعد العقيد معمر القذافي أبدا شريكا يمكن الوثوق به، وفي الغرب، كانت نوات الرئيس بوتفليقة وكذلك عدم قدرته على التحرر من عرابيه العسكريين مخيبة للآمال؛ أما في مغرب محمد السادس، ملك الفقراء، فهر يسير أكثر فأكثر على خطى أبيه الحسن الثاني... ضمن هذه الظروف، تبدو تونس فردوسا". هذه الجنة التي رآها الفرنسيون في تونس بن علي، سرعان ما تحولت إلى جحيم فر منه الرئيس الجنرال هو وأسرته، تاركين قرطاج ساحة لحرب العصابات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.