الصورة: الباحثتان في تاريخ الإسلام، الأمريكية باتريسيا كرون والهولندية بيترا سايبستاين في جلسة نقاش في جامعة ليدن. لم يبدأ النبي محمد دعوته في مكة بل في مكان ما شمال الجزيرة العربية قرب الحدود السعودية – الاردنية الحالية. هذا ما تقوله المؤرخة الأمريكية باتريسيا كرون من جامعة برينستون. مؤخراً تسلمت المؤرخة المثيرة للجدل شهادة دكتوراه فخرية من جامعة ليدن، أقدم الجامعات الهولندية، والتي تتميز بشهرة عالمية عريقة في مجال الاستشراق والدراسات الإسلامية.
تقول باتريسيا كرون إن وجهة نظرها هذه تستند الى القرآن نفسه. وتوضح ذلك في مقابلة مع صحيفة NRC اليومية الهولندية بأن القرآن يشير عدة مرات الى أماكن لا تنطبق مواصفاتها أبداً على مكة. "على سبيل المثال القول إن معارضي النبي محمد كانوا يعملون بزراعة الزيتون، وهذا الامر ممكن فقط في شمال شبه الجزيرة العربية. ومن المستحيل ان يكون في مكة او المدينة".
الهاجرية تسلمت كرون مع زميلها مايكل كوك دكتوراه فخرية من جامعة ليدن، "لمساهمتهما المميزة في دراسة بدايات الاسلام". في عام 1977 نشرت كرون وكوك معاً كتابا مثيرا للجدل بعنوان Hagarism (الهاجرية: نسبة إلى هاجر زوجة ابراهيم الخليل). كانت كتابة تاريخ ظهور الاسلام حتى ذلك الوقت ترتكز فقط على المصادر الاسلامية. استخدمت كرون وكوك لاول مرة مصادر مسيحية ويهودية وذهب المؤرخان الشابان بعيدا في استنتاجاتهما. كان الاسلام بنظرهم حركة عربية يهودية تسعى الى تحرير القدس من السيطرة المسيحية عليها.
تراجع في الوقت الراهن تراجع الباحثان عن استنتاجاتهما تلك. لكن كرون ما زالت تصر على ان الاسلام لم ينشأ في مكة، بل في شمال الجزيرة العربية، حيث كان تأثير اليهودية والمسيحية حاضرا بقوة. وتعتقد ان كتبة التاريخ الاسلامي قاموا لاحقا بنقل النبي محمد الى مكة الوثنية من اجل إبعاده عن التأثيرات اليهودية والمسيحية والتأكيد على ان كل ما قاله جاء من الله. وتقول كرون "إن الروايات التقليدية تركز على أعمال النبي في مكة لنفس الاسباب. وذلك للتأكيد على انه كان اميا وان المعرفة نالها من الوحي الالهي. لم يرغبوا ان يكون هناك اي ارتباط بين الاسلام واليهودية والمسيحية". نعم ولكن البروفسورة الهولندية بيترا سايبستاين متخصصة ايضا في تاريخ الاسلام المبكر. تتفق مع كرون في نقاط عدة ولكنها لا تتفق معها بالاستنتاجات التي توصلت اليها. يظهر من الروايات في القرآن بوضوح التأثير الكبير للثقافة اليهودية المسيحية في منطقة البحر المتوسط. "وفقا للتقاليد، كانت مكة وثنية، لكن في القرآن يتحدث النبي محمد الى جمهور توحيدي. الطريقة التي يشير فيها الى القصص المسيحية اليهودية حول الانبياء تظهر ان جمهوره يعرف جيدا هذه القصص". لكن سايبستاين تعتقد أن باتريسيا كرون ذهبت بعيدا باستنتاجاتها ان الاسلام بدأ في منطقة شمالية "لم تأت كرون بأدلة مقنعة، اذا كانت على حق، كيف يعقل انه لا يوجد اي دليل من النسخة البديلة التي وصفتها؟" ترجح سايبستاين ان تكون مكة هي بالفعل مهد الاسلام، ولكنها كانت في ذلك الوقت اكثر تأثرا بالثقافة البيزنطية المسيحية مما يعتقد. "من الممكن جدا ان تكون مكة قد صُورت في وقت لاحق على انها اكثر وثنية مما كانت عليه بالفعل، وذلك للتأكيد على ان النبي محمد اخذ الرسالة مباشرة من السماء من دون تأثير اليهود والمسيحيين". ريادة لقد تراجع كرون وكوك عن الكثير من طروحاتهما الأصلية، وما بقي منها يشكك به الزملاء. فلماذا الدكتوراه الفخرية؟ كرون وكوك كانا من الرواد تقول بيترا سايبستاين "كانا من اوائل الباحثين الذين لم يتبعوا بشكل تلقائي التقاليد المعتمدة واستقيا معلوماتهما من مصادر تعود إلى زمن النبي محمد نفسه. وبالتالي تركا أثراً لن يختفي في دراسة تاريخ الاسلام المبكر".