عادت عند البعض ولم تعد عند البعض الآخر.إنها "البيزوطاج" أو المعاكسة،وهي عادة قديمة منذ زمن الاستعمار الفرنسي وفي الأصل -كما أوردت يومية "المساء"- هي ممارسة كانت تتم عند الجيوش من أجل إدماج المجندين الجدد وجعلهم ينخرطون في الحياة العسكرية المتسمة بالصرامة بل كان بعض الطلبة المغاربة يمارسونها قبل عقود، غير أنها تحولت بعد ذلك إلى سلوك ينطوي على الانتقام والإيذاء الجسدي من طرف الطلبة القدامى في حق الطلبة الجدد، كما حدث مثلا يوما ما بمقهى» الكومبيس» بمدينة العرفان بعد تعرض أحد الطلبة للصفع أمام المارة لقد كان الهدف نبيلا عند بعض مؤيدي الظاهرة،لكن الوسيلة لم تكن نبيلة من «البيزوطاج» وهو تأهيل الطلبة الجدد فكريا وثقافيا عبر وضعهم في مواقف ساخرة وتعريضهم لمقالب محرجة لإعطاء الطالب الجديد فرصة التحرر من خجله و تردده وخوفه من مغادرة عالم الثانوية إلى العالم الجامعي. وكانت منظمة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب تسهر على تنظيم أسابيع «البيزوطاج» في كليات الطب والصيدلة ومعاهد الهندسة والبيطرة وغيرها من المعاهد العلمية الكبرى التي تخرجت منها آلاف الأطر التي تسير المستشفيات والمعاهد العلمية والمؤسسات الهندسية داخل المغرب وخارجه وللأسف الشديد، تحول «البيزوطاج» في كثير من المؤسسات والمعاهد العليا من تقليد ثقافي إلى جلسات تعذيب يمارسها الطلبة القدامى بشكل وحشي على الطلبة الجدد هي إذن اليوم وقبل اليوم مجرد ممارسات مبنية على "البلطجة" والعنف والصراخ و"الإذلال"،ومن رفضها من الطلبة الجدد يعد كشخص معقد نفسيا أو شخص غير منسجم مع محيطه الطلابي وقد عبر عدد من الآباء والأمهات في كثير من المرات عن امتعاضهم من بقاء هذه العادة القبيحة وحذروا فيها من الانعكاسات النفسية الخطيرة لهذه الظاهرة على أبنائهم، وكذا «تواطؤ» إدارات بعض المعاهد التي تبارك هذا «السلوك الوحشي»، مما يدفع بعض الطلبة المتفوقين إلى صرف النظر عن التسجيل فيها تفاديا لإهانتهم وإذلالهم بطريقة علانية وقد يعمد بعض الطلبة القدامى إلى توثيق طقوس «البيزوطاج» من خلال التقاط صور وفيديوهات وعرضها في مواقع خاصة،وهي الصور التي تتضمن سلوكات غريبة يشبه بعضها تلك التي كانت تمارس في بعض السجون سيئة السمعة كسجن أبو غريب أو سجن غوانتانامو ,حيث تظهر إحداها طالبا قديما وهو يمسك بطالب جديد ويجبره بطريقة مذلة على الأكل من صحن وضع على الأرض إن ظاهرة «البيزوطاج» فكرة استعمارية قادها الطلبة الفرنسيون ضد الطلبة المغاربة في جل معاهد المغرب إبان الاستقلال لجعل الطلبة ينسلخون عن مبادئهم في مشهد من صور مقرفة للسادية والوحشية وسلب للكرامة ومن "موقع ضحايا التعليم"،ننقل هذه الصرخة حول هذه الظاهرة المشينة التي لا تشرف بالمرة منظومتنا الجامعية والتربوية :"يبدو أن الوقت قد حان لمنع هذا التقليد الذي سقط في الميوعة وأصبح مناسبة لكي يمارس بعض الطلبة المرضى ساديتهم على الطلبة الجدد بدعوى «تطيار الحشومية» منهم، خصوصا وأن «البيزوطاج» ليس له أي سند قانوني، مما يعرض قد المتسببين فيه إلى إعاقات للطلبة الجدد ثم إلى المتابعة القانونية وبغض النظر عن الآثار الجسدية التي يتركها «البيزوطاج» على أجساد الطلبة الجدد، فالأخطر يظل هو الآثار النفسية لمثل هذه الجلسات التعذيبية وحسب آخر دراسة علمية نشرتها إحدى الجامعات الأمريكية، فالممارسات العقابية التي يتعرض لها التلاميذ في صغرهم تتحكم في تشكلشخصيتهم المستقبلية. بمعنى أن التلميذ أو الطالب إذا تعرض لسلوك عدواني خلال مساره التعليمي، فهناك احتمالات كبيرة لكينحصل في المستقبل على جيل معقد وعدواني ومنغلق على نفسه بسبب نوازعه العدوانية و الانتقامية ولعل جيل السبعينيات والثمانينيات يؤدي اليوم ثمن السياسة التعليمية العمومية التي مورست عليه في مدارس المخزن. فقد كانت الأقسام أشبه ما تكون بمراكز اعتقال جماعية، والمعلمون والأساتذة ومعهم أولياء الأمور يطبق أغلبهم نصيحة «نتا ذبح وأنا نسلخ» ومنذ أن وضعنا أرجلنا عند الفقيه في «المسيد» ونحن نتعايش مع الرعب اليومي من «الفلقة». وعندما دخلنا إلى المدرسة أصبح السؤال الوحيد الذي يؤرقنا يوميا هو «واش كاين السليخ». فقد كانت هواية بعض المعلمين، سامحهم الله، هي تجريب عصيهم وسياطهم فوق ظهورنا وعلى أرجلنا الصغيرة الحافية وهكذا قضينا عشر سنوات من طفولتنا الأولى مرتجفين من الرعب والخوف الذي بثه في قلوبنا بعض المعلمين والأساتذة الذين أفرغوا فينا ضغطهم وصرفوا فينا مشاكلهم النفسية والمهنية. منا من تحمل وواصل، وأكثرنا غادر فصول الدراسة بسبب التعذيب اليومي الذي كان يتعرض له وكثيرون انتهوا في السجون بسبب غرقهم في عوالم المخدرات والجريمة والذي تسبب لهم فيه العنف الذي مورس عليهم منذ نعومة أظافرهم لذلك فنحن جيل كبر في حضن الخوف، ولهذا السبب عندما كبرنا أصبحت لدينا ملامح المهزومين. أرسلونا إلى الفقيه ليحفظنا سور القرآن في الصباح، وفي المساء جداول الضرب والقسمة ومحفوظة «قولوا معانا يا اللي تحبونا تحيا مدرستي أمي الحنونة». وكم قست علينا المدرسة الحنونة عندما دخلنا إلى فصولها الباردة و أوقدنا فيها شموعنا بسبب مساءاتها الماطرة التي ينزل فيها الظلام بعد العصر تحملنا سوط الفقيه وبرودة الحصير ورائحة الصلصال في الشتاء ونحن نحك به ألواحنا الخشبية. وفي الصيف، تحمّلنا شمس غشت اللافحة وحاربنا الملل بالسباحة في برك آسنة مشكوك في نظافتها عندما داهمنا الجوع في البراري الفسيحة اقتلعنا جذور النباتات و مصصنا سيقانها الحامضة، وعندما عطشنا شربنا من ماء العين ذي الطعم الغريب، تلك العين التي اكتشفنا عندما كبرنا أنها كانت مخلوطة بقنوات الوادي الحار تعلمنا الصلاة لنصير أطفالا صالحين، وبدأنا نذهب إلى نافورة المسجد لنتوضأ ونرش المياه ونبلل ثياب بعضنا البعض، لاعبين غير عابئين بذنوبنا الصغيرة. ضربنا الإمام الملفوف في جلابيبه الكثيرة، وطردنا متوعدا بأن يغطس رؤوسنا الصغيرة في حوض المياه حتى نختنق. خفنا وهربنا من المسجد أدخلونا إلى المدرسة الحكومية لنتعلم النحو والقواعد ودروس التاريخ، حيث جيوش البيزنطيين والرومان والوندال الذين مروا بالمغرب وتركوا قلاعهم وحصونهم والنقود التي سكوها بأسمائهم بدأنا نتهجى التلاوة الفرنسية حيث ترعى عنزة السيد «سوغان» والطفل الأسود «باليماكو» الذي يتسلق النخلة الباسقة ضربونا لأننا كنا نتلعثم كثيرا قبل أن ننطق حروفنا الأولى بالفرنسية، «مينا جولي مينا ميكي جولي ميكي» مددنا أكفنا الصغيرة و المرتجفة للعصا، وعندما عذبنا معلمونا بالضرب نزلنا إلى الحقول نبحث عن بول الجمال لكي نغسل به أيدينا حتى تصير قادرة على تحمل الألم ومع ذلك آلمنا كل شيء. آلمونا وهم يضربوننا بينما نحن أمام باب السينما ننتظر «الأونطراكت» ضربونا ونحن ننتظر ربع الساعة الأخير من الشوط الثاني لندخل إلى ملعب كرة القدم لنتفرج على آخر أنفاس المباراة ضربونا ونحن نتزاحم أمام باب المسبح البلدي في انتظار أن يمنحنا الحارس العشر دقائق الأخيرة لنغطس أجسادنا المحترقة من الحر في مياه نصفها بول ونصفها الآخر «جافيل» و«كلور» لطالما أخرجونا من المدارس و جمعونا وفرقونا على طول الطرقات لكي نقف تحت الشمس في انتظار أن يمر وزير أو عامل. وعندما يصل وسط الزغاريد والتصفيقات، يدس ورقة داخل ثقب في حائط صغير يسمونه حجر الأساس، يأمروننا أن نصفق فنصفق، يطلبون منا أن نلوح بالرايات فنلوح بالرايات. وفي المساء، نعود إلى أمهاتنا وعلى وجوهنا تباشير الحمى بسبب كل الوقت الذي قضيناه تحت الشمس ضربونا عندما طالبناهم بشغل، طردونا ونحن نقف أمام أبواب مكاتبهم الحكومية المكيفة. طردونا عندما جئنا نطلب جوازات سفر لنتابع دراستنا في الخارج. أريناهم شهادات تسجيلنا في جامعات أوروبا وأمريكا وعرضنا أمامهم نقطنا الجيدة التي حصلنا عليها بسهرنا الطويل. أريناها للحمير الذين لا شواهد لهم، فأخرجونا من مكاتبهم وطردونا بعد أن تذكروا نقط أبنائهم المدللين والكسالى ورتبهم المخجلة. و لكي يريحوا ضمائرهم المتعفنة نصحونا بالتعرف إلى بلادنا جيدا قبل الذهاب إلى بلدان الآخرين. الأنذال، ضيعوا مستقبل الآلاف منا بجرة قلم بقينا أخيرا هنا كما أرادوا، وفجأة فهمنا لماذا أرادونا أن نبقى معهم. لقد كانوا محتاجين إلى جيل كامل لكي يجربوا فيه حقدهم. حقنونا كل مساء بالمهدئات في نشرات الأخبار لكي لا ننفجر في وجوههم مثل بالونات هواء، وشرعوا يكذبون علينا في الحكومة والبرلمان. تناوبوا علينا بأحزابهم مثلما تتناوب عصابة من المنحرفين على امرأة وحيدة تعود إلى البيت بعد يوم عمل شاق. وعندما تعبوا منا رموا بنا إلى الشوارع وتركونا نقطع الطريق على بعضنا البعض بالسيوف الطويلة وشفرات الحلاقة وقنينات الماء الحارق شخنا قبل الأوان بسبب الخوف الذي زرعوه في نفوسنا، ونخرت عظامنا الأمراض المزمنة وطورنا في خلايانا جينة اليأس بسبب هذا «البيزوطاج» الطويل الذي لا يريدون له أن ينتهي من آداب طلب العلم أولاً: الصبر ثانياً: إخلاص العمل ثالثاً: العمل بالعلم رابعاً: دوام المراقبة خامساً: اغتنام الأوقات سادساً: الحذر من الاشتغال باختلاف العلماء سابعاً: الضبط والإتقان ثامناً: مطالعة الكتب تاسعاً: اختيار الصاحب عاشراً وأخيراً: التأدب مع الشيخ أو الأستاذ