ظاهريا وعاطفيا، قد يبدو هذا الجمع بين الكيان الجزائري والكيان الصهيوني (عن مفهومنا للكيان، أنظر مقالنا الأخير بعنوان "لا تستغربوا أي شيء من الكيانات الفاشلة"، جريدة "الاتحاد الاشتراكي" بتاريخ 20 يونيو 2023) غير ملائم وغير واقعي، خصوصا وأنهما، كما يبدو، يقعان على طرفي نقيض، إيديولوجيا وعرقيا وثقافيا ودينيا؛ بالإضافة إلى البون الشاسع بينهما جغرافيا سواء من حيث الموقع (الجزائر تقع في شمال إفريقيا وإسرائيل في الشرق الأوسط) أو من حيث المساحة التي يحتلها كل منهما. يضاف إلى هذا، الفرق الشاسع بينهما من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية والقدرة العسكرية وغيرها. فما المبرر، إذن، في جعلهما وجهين لعملة واحدة، وكل هذه الفروقات بينهما؟ إن التباين الكبير الذي سجلناه بين الكيانين، لن يستطيع أن يخفي أوجه الشبه والتشابه بينهما، ولا أن يطمس نقط الالتقاء التي تكشفها الممارسات العدوانية والعدائية لكليهما. فكينونتهما وماهيتهما تتجسد في الخبث والغدر والغطرسة وغير ذلك من الصفات القبيحة؛ مما يفسر سلوكهما العدواني وألا أخلاقي مع الغير؛ وبالأخص مع الجيران. ثم إن وجهي العملة الواحدة ليسا بالضرورة متطابقين من حيث المحتوى؛ ورغم ما يمكن تسجيله من اختلاف بين مكونات كل وجه، فإنهما يشكلان وحدة نقدية لها هويتها الخاصة. وقبل الحديث عن بعض ممارسات الكيان الصهيوني وممارسات الكيان الجزائري، يبدو من المفيد أن نشير بسريعة إلى نشأة الكيانين قبل أن يصبحا عضوين بالأممالمتحدة. فالكيان الصهيوني تم الإعلان عنه كدولة سنة 1948 بعد انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين، وتم قبول هذه الدولة في الأممالمتحدة سنة 1949. أما الكيان الجزائري فقد تشكل على إثر استفتاء تقرير المصير الذي نظمته فرنسا بعد أن حمي وطيس حرب التحرير. وقد أفضى هذا الاستفتاء إلى استقلال الجزائر سنة 1962؛ وقد تم قبولها في الأممالمتحدة كدولة كاملة العضوية في نفس السنة. وحسب المعطيات التاريخية، فالجزائر كانت مجرد إيالة عثمانية لأكثر من ثلاثة قرون (ولم تكن أبدا دولة مستقلة) قبل أن تحتلها فرنسا من سنة 1830 إلى سنة 1962؛ أما إسرائيل فلم تكن شيئا يذكر قبل الحرب العالمية الثانية. ويمكن اعتبار نشأتها من النتائج المباشرة لهذه الحرب. وقد أقيمت على أرض فلسطين لتجميع يهود الشتات؛ وذلك بتزكية من الدول الغربية، وعلى رأسها بريطانيا. فالكيان الصهيوني يكبر، إذن، الكيان الجزائري بأربعة عشر سنة. وهما معا حديثان على الخارطة السياسية الدولية وعلى العمل الديبلوماسي. الكيان الصهيوني اغتصب أرض فلسطين بدعوى أنها أرضه التاريخية، ولا يزال بزرع المستوطنات ويعمل على توسيعها على حساب أصحاب الأرض الأصليين الذين يتم تهجيرهم بالقوة إلى البلدان المجاورة. أما لكيان الجزائري، فقد نابت عنه فرنسا التي حولت الإيالة العثمانية إلى البلد الأكبر مساحة في إفريقيا؛ وذلك باقتطاع أراض شاسعة من كل البلدان المجاورة لها (المغرب، تونس، ليبيا، مالي والنيجر) وضمها إلى إقليمها ما وراء البحار. فلا فرق، إذن، بين الكيان المغتصب باسم الحق التاريخي للشغب اليهودي في فلسطين، وبين الكيان الجزائري المستفيد من جريمة الاغتصاب التي اقترفتها فرنسا. فالدعوة إلى الحفاظ على الحدود الموروثة عن الاستعمار، ما هي إلا إعلان عن تزكية جريمة المستعمر؛ وبالتالي، الحُلول (مصدر حَلَّ) مكان هذا الأخير. ولا يلتقي الكيانان في مسألة اغتصاب الأرض فقط، سواء كان هذا الاغتصاب مباشرا أو غير مباشر؛ بل يشتركان أيضا في عملية التهجير القسري. فالكيان الصهيوني الذي تم زرعه على الأرض الفلسطينية التي كانت تحت الانتداب البريطاني، قد أعلن دولته سنة 1948 كما أسلفنا؛ بعد ذلك، استمر في تهجير الفلسطينيين بالآلاف والتوسع على حسابهم، خاصة بعد هزيمة 1967. أما الكيان الجزائري فقد قام، في شهر دجنبر من سنة 1975، بما يعرف في الأدبيات التي تناولت الواقعة، ب"المسيرة الحكلة"؛ وهي عبارة عن ردة فعل للنظام الجزائري على "المسيرة الخضراء" التي انطلقت نحو أقاليمنا الجنوبية يوم 6 نونبر من نفس السنة من أجل استرجاعها من المستعمر الإسباني. لقد قام النظام العسكري الجزائري بتهجير 45 ألف أسرة مغربية يوم عيد الأضحى. لقد اقتحموا عليهم مساكنهم ليلا وأخرجوهم بالقوة وألقوا بهم إلى الحدود في ظروف لا إنسانية. لقد جردهم هذا الكيان الخبيث مما يملكون، سواء كان عقارا أو مالا أو أثاثا؛ بل فرق حتى بين الأزواج (إن كان الزوج جزائريا والزوجة مغربة، تطرد هذه الأخيرة؛ والعكس صحيح). وقد تم تكديسهم في الشاحنات خلال شهر دجنبر المعروف بطقسه البارد وتركوهم لمصيرهم لدى الحدود دون زاد ولا مال. أليس الكيان الجزائري، بالنسبة لنا نحن المغاربة، أخبث وأقسى من الكيان الصهيوني؟ لقد تسبب النظام العسكري الجزائري في مأساة إنسانية لم تندمل جراحها بعد، ولن تندمل أبدا لدى ضحاياها من الأطفال والآباء والأمهات ما داموا على قيد الحياة. خلاصة القول، ممارسات الكيان الجزائري تشبه إلى حد كبير ممارسات الكيان الصهيوني. وكلاهما يذكرنا بالممارسات النازية، قولا وفعلا. إنهما يمارسان الإرهاب والقمع والاستبداد، ويعيدان بذلك إلى الذاكرة وإلى الواجهة الإيديولوجية النازية المقيتة.