شكل تعيين حفيظة غاية أركان، المسؤولة السابقة بعدد من المؤسسات المالية الأمريكية، على رأس البنك المركزي التركي، إشارة قوية من أنقرة إلى اقترابها من تغيير سياستها النقدية غير التقليدية، مما يبعث الأمل على قرب وقف النزيف الذي تعرفه الليرة التركية. وي نتظر من غاية أركان، وهي أول امرأة يتم تعيينها على رأس البنك المركزي التركي، أن تعود إلى السياسة النقدية التي تعتمدها باقي البنوك المركزية لدول مجموعة العشرين، وهي رفع معدلات الفائدة لكبح جماح التضخم، على عكس السياسة المتبعة في تركيا خلال السنوات الماضية حيث كان يتم خفض الفائدة رغم بلوغ التضخم مستويات قياسية. ويأتي تعيين هذه الخبيرة الاقتصادية التركية- الأمريكية ذات ال 41 ربيعا، في ظل ظرفية حرجة للاقتصاد التركي، الذي شهدت عملته الوطنية نزيفا حادا خلال يونيو الجاري مع فقدانها لأكثر من 10 في المائة من قيمتها أمام الدولار الأمريكي. ويقول المحللون الأتراك إن الليرة التركية شهدت أطول سلسلة من الخسائر منذ 24 عاما، مع بلوغها مستوى قياسي ل 23,56 أمام الدولار. ووفقا لوسائل الإعلام المحلية، فقد استخدم البنك المركزي خلال الأشهر ال 18 التي سبقت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية ما يقرب من 200 مليار دولار من الاحتياطيات في محاولة لتعزيز الليرة، مما أدى إلى استنزاف كبير للاحتياطات من العملات الأجنبية، ودخول الليرة في دوامة جديدة من الانهيار. وتعزى أزمة العملة الحالية إلى قرارات رئيس البنك المركزي السابق، شاهب كافجي أوغلو، الذي خفض أسعار الفائدة من 19 في المائة إلى 8,5 في المائة في غضون عامين، وهو القرار الذي أشعل أزمة تضخم حادة (ما يقارب 40 في المائة خلال يونيو) ووضع الليرة التركية تحت ضغط شديد. وكل أعين المراقبين تتجه إلى اجتماع البنك المركزي المقرر غدا الخميس، والذي سيكون الأول منذ تعيين غاية أركان يوم 9 يونيو الجاري. وتوقع تقرير لبنك "جيه بي مورغان"، تناقلته الصحف المحلية، أن يرفع البنك المركزي التركي أسعار الفائدة إلى 25 في المائة خلال اجتماعه الأول، مع زيادات مستقبلا في حال دعت الحاجة إلى ذلك. وأضاف التقرير أنه يتوقع أن يدخل الاقتصاد التركي في حالة ركود خلال النصف الثاني من 2023 نتيجة لتشديد شروط الائتمان، وهو أمر ضروري لوقف نزيف الليرة. ويجتمع المراقبون على أن نجاح حفيظة غاية أركان في مهامها سيكون مرهونا أساسا بحجم الاستقلالية التي سيمنحها لها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لاسيما وأن غاية أركان ستكون خامس رئيسة للبنك المركزي في ظرف أربع سنوات. وبتعيين أول امرأة على رأس البنك المركزي، اكمل أردوغان فريقه الاقتصادي الجديد، والذي بدأ بتعيين الخبير الاقتصادي محمد شيمشيك وزيرا للمالية والخزانة التركية. وشيمشيك هو اسم يحظى باحترام الفاعلين الاقتصاديين الأتراك، لاسيما وأنه من دعاة العودة إلى سياسة مالية تقليدية وتعزيز استقلالية البنك المركزي عن الحكومة. يذكر أن غاية أركان، الحاصلة على الدكتوراه في الهندسة المالية من جامعة برينستون الأمريكية، كانت مديرة تنفيذية ببنك (غولدمان ساكس) من 2011 إلى 2014، قبل أن تنضم إلى (فيرست ريبوبليك بانك)، البنك الرائد بولاية كاليفورنيا في نفس السنة. وعام 2021، تم تعيينها رئيسة تنفيذية مشاركة في البنك ذاته. -- إعداد: يونس قريفة --