تابع.. لقد اكتفى فن الإنشاد الإسلامي بالالتزام الفقهي الكلاسيكي الضيق. فوقف الأداء على الصوت الذكوري، والتزم بطيب الكلمات وجعل عمودها الذكر، وابتعد عن استخدام الآلات المختلف في حكم استعمالها... إلى غير ذلك من أحكام الحلال والحرام التقليدية، والتي تقوقعت فيها فرق السماع الإسلامية.. غير أنها، ورغم أن شرعيتها ومبرر وجودها هو شمولية الإسلام، ورغم أنها تناهض الظلم وتنافح الحكام الظالمين، إلا أنها لم توسع -في هذا المجال- مفهوم الالتزام ليشمل، إضافة إلى ما سبق(وهو مطلوب وجيد) الالتزام بقضايا الناس ومشاكلهم وتطلعاتهم.. إن مجموعات الإنشاد الإسلامية لم تنجح حتى في إعادة تدوير ما نبغ فيه وأبدع بعض أياقين الفن الملتزم إبان المد الثوري، فن مقاومة الاحتلال والاستبداد، كما كان الشأن بالنسبة لكثير من الفنانين والمجموعات الفنية(سيد درويش، الشيخ إمام، مارسيل خليفة، جوليا بطرس، بوشناق، بعض "الرابورات" وبعض المجموعات...)، والتي حاولت(كل منها بزغ وأبدع في مجال معين) أن تتماهى مع انشغالات الناس جميعها، ولم تفوّت أيا منها، على أن أبرزها، والذي كاد يحوز الإجماع، كان مواكبة الأحداث "القومية"( فلسطين، العراق، البوسنة، كوسوفو،،، بل حتى " أوريكا ")، حيث مثلت فيها رائدا شعبيا تلقائيا في التبني والتجييش والشحن والتعبئة... ومع هذا فأغلبها لم يتخاذل عن القيام بدوره في التشنيع بالظلم والجور، والتنديد بالفساد والقهر، وغير ذلك مما يؤرق بال المواطن، ويقوم الفنان بمقاومته والتنفيس عليه فيه،، وهو دور غائب، منسي، غير مستحضر عند منشدي التيار الإسلامي.. إن التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والحوقلة والحسبلة والتصلية... غاية،، لكن يجب اعتماد الوسائل للوصول إليها، ومن ذلك توفير الراحة والطمأنينة للخلق. ولا يكون ذلك، في واقعنا المتردي هذا، إلا بالكفاح والنضال والمدافعة. وهو ما يجب أن تحشد له القوى الحية،، ورأس حربتها رائدو الفن الملتزم الشامل، الفن الملتزم بحق.. جيد الفن الملتزم.. جيدة المساعدة على التحوط الفقهي لمن أراد أن يستبرئ لدينه.. وجيد أيضا أن نوجد منتجا ترفيهيا يحقق التنفيس،، وفي نفس الوقت يوطد علاقاتنا بديننا، ويساعدنا على ذكر الله تعالى والصلاة على رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم، بل واكتساب بعض أوجه الآداب.. لكن الأجود من ذلك هو الفن الرسالي الذي يلبي تطلعات الروح ويشمل متطلبات الجسد، ما دام الأنام ليسوا ملائكة،، ولن يكونوا، وهم ليسوا آلات، بل لهم جانب مادي أصيل في تكوينهم، وإنّ لهم احتياجات، وإنهم ليحسون بالظلم والضيم والجوع والقهر والحاجة والفاقة والذل والمهانة... إنهم بحاجة إلى "فن" يراعي -إضافة إلى الجوانب المشار إليها أوله- يراعي كذلك هذه المناحي الإنسانية المعيشية، المادية منها والمعنوية.. إن المتأمل في إنتاجات بعض المجموعات المغربية -مثلا- يستوعب لمَ كُتب لها الخلود وكتب لغيرها(حتى من الأناشيد و"الفن الإسلامي الملتزم") الإهمال والنسيان.. إن المجموعات الصوتية المغربية، دائما على سبيل المثال(ناس الغيوان، لمشاهب، لرصاد، السهام...) قد جابت أركان المعمور، وغزت أرجاءه بما خالطت من مظالم الناس ولامست معيشهم واهتماماتهم، ولا يكاد يعرف المنشد الإسلامي إلا بين بعض الإسلاميين.. لقد عرفنا أبا راتب وأبا الجود... فكدنا ننساهم،، لكنا عرفنا قبلهم بأمد باطمة،، ولم،، ولن ننساه!!!.. انتهى..