حين التقى لويس ماير، رئيس استوديوهات إم جي إمي الذي سرعان ما أضحى المدير الأعلى راتباًَ في العالم، بحفنة من زملائه المفكرين المحافظين، مطلع عام 1927، لإنشاء منظمة هوليوودية نخبوية تحمل اسم فخم هو أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة، كان الهدف هو منع إنشاء نقابات أو مراقبة عملياتها على الأقل. وقد بدأت الأكاديمية، وكذلك الجوائز التي تم طرحها في العام التالي كتعبير عن الذوق الرفيع لأفرادها ( البالغ عددهم الآن 6000 فرد )، في عالم السياسة واستمرت في التأثر بها. وبعد مرور 20 عاماً، مرت 3 أعوام على استوديوهات إم جي إمي دون الفوز بأي من جوائز الأوسكار وتم فصل ماير من قبل مدير الشركة في نيويورك وبدأ يتوارى اسمه بشكل تدريجي في الصناعة، وهو ما أكد أن من يختارون العيش على جوائز الأوسكار يموتون بسببها. وعلى مر السنين، بدأت تجلب جوائز الأوسكار بشكل متزايد قيمة جماهيرية ومكانة شخصية، وتحولت لهوس إعلامي ومقياس للروح المعنوية الصناعية ووسيلة لأخذ النبض الوطني. وهو ما يمكن ملاحظته في الشكل الراهن لمجلة النيويوركر التي ظلت لسنوات تنتقد بشدة صناعة السينما، قبل أن تتغير الأوضاع بحلول تينا براون للعمل كرئيس للتحرير في تسعينات القرن الماضي. وضم غلاف عددها الذي سيصدر بتاريخ ال 25 من شباط / فبراير الحالي صورة لمغنية الجاز الراحلة، آبي لينكولن، وهي تجلس وسط الضيوف بإحدى حفلات توزيع جوائز الأوسكار. ونُشِر بقسم حديث المدينة مقابلة مع الشاعر الغنائي هيربيرت كريتزمر حول فيلم "البؤساء - Les Misérables". بالإضافة إلى رسم كاريكاتوري يصور أحد أفراد فريق "سيل" التابع للبحرية الأميركية وهو يقترب من مخبأ بن لادن ويفكر " لست أدري – هل هذا فعلاً هو مسار العمل الصحيح بالنسبة لي ؟"، والشرح الموضح أسفل الرسم يلمح إلى فيلم Zero Dark Thirty. وسواء حصلوا على مقابل أو لم يحصلوا، فقد بدأ يتكهن الجميع على ما يبدو الآن بمن الذي سيفوز في النهاية بأبرز تماثيل الأوسكار. وربما يكون لدى البعض فكرة عن الأسباب التي ستجعل البعض يفوز والبعض الآخر يخسر. وقد أشار نقاد هذا العام إلى أن قائمة المرشحين للعام 2013 هي واحدة من أفضل القوائم على الإطلاق، في حين اعتبرها آخرون ضعيفة وممتثلة للأعراف والعادات. وهما الرأيان الذين قد يتأثرا بحقيقة أن القائمة النهائية لجائزة أفضل فيلم تقترب من ضعف طولها المألوف. وبغض النظر عن من سيفوز، فإن هناك أربعة أفلام لافتة، وقد تتبدل مراكزها في أي وقت وهي كالتالي : "Amour"، "Beasts of the Southern Wild" ، "The Life of Pi" و"Silver Linings Playbook". أما الأفلام الخمسة المتبقية فهي " Argo" للمخرج بين أفليك، "Lincoln" للمخرج ستيفن سبيلبيرغ، " Django Unchained" للمخرج كوينتين تارنتينو، " Zero Dark Thirty" للمخرج كاترين بيغلو و"Les Misérables" للمخرج توم هوبر. وقالت صحيفة الأوبزرفر البريطانية في معرض حديث لها بهذا الشأن إن الأفلام جاءت جميعها بنكهة سياسية واحتوى كل منها على رسالة أمل ونصر تم انتزاعه من أنياب الهزيمة. ومضت الصحيفة تقول إن فيلم Argo يحكي قصة مخطط للسي آي إيه لتجنيد أشخاص محترفي العمل بهوليوود للمساعدة في جهود يتم بذلها لإنقاذ دبلوماسيين أميركيين في إيران عام 1980. كما تطرق فيلم Zero Dark Thirty للمطاردة الناجحة التي قامت بها وكالة السي آي إيه مع زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن. وقد ساعد الفيلمان في إصلاح السمعة المشوهة للسي آي إيه، كما كانا بمثابة الدعوات للفخر بانجاز وطني تم تحقيقه. وبعد عقود طويلة ظهرت بها أفلام مثل Sunset Boulevard للمخرج بيلي ويلدر و The Playerللمخرج روبرت ألتمان، أظهر فيلم Argo اثنين من ساخري صناعة السينما الحقيقيين يعملون كوطنين صادقين يستعينون بمهاراتهم السينمائية لخدمة البلاد مثلما فعلوا من قبل خلال الحرب العالمية الثانية. ويعتبر فيلم Zero Dark Thirty فيلماً شبه وثائقي، يبرز قصته من خلال التركيز على سيدة متفانية تدفن غرائزها وتصرفاتها الأنثوية وكأنها رجل. كما يسعى الفيلم لتلبية مطالب الأشخاص الفاضلين الليبراليين والواقعيين اليمينيين من خلال التعرض ببعض أوجه التناقض لاستخدام التعذيب في ما يطلق عليها "الحرب على الإرهاب". أما فيلمي Lincoln و Django Unchained فيعتبرا وجهين مختلفين لنفس العملة في طريقة تعاملهما مع الحرب الأهلية وتداعياتها. ويعتبر الفيلم الأول دراما كئيبة على نطاق ملحمي ودراسة تاريخية بتركيز ضيق تتعامل مع قضايا مهمة ذات صلة بالعرق والوحدة الوطنية والانتهازية السياسية. أما الفيلم الثاني فيستعين بأنواع فرعية غربية مرحة ومبسطة للغاية لإبراز وإيضاح الظلم الرهيب للعبودية ولإرثها. وبوضع هذه الأفلام الأربعة تحت الميكروسكوب النقدي، يتبين أن جميعها معيبة. وربما يعتبر فيلم Les Misérables هو الفيلم الوحيد الغريب في تلك القائمة. بيد أن الأميركيين يبدون إعجابهم دوماً بالثوار، شريطة أن يكونوا في الماضي. وختمت الصحيفة بقولها إن هوليوود لم تكن مستعدة دوماً للتعامل بطريقة صريحة مع القضايا الراهنة الحاسمة. وسبق لها أن تناولت الكساد بطريقة متناقضة أو بحذر شديد حتى تم انتاج فيلم The Grapes of Wrath، الذي حصل مخرجه جون فورد على جائزة الأوسكار لأفضل إخراج. وفي السنوات التي تلت الحرب العالمية الثانية، تصرف صانعو الأفلام بطريقة حذرة ومراوغة. وتناولوا الحرب الباردة باعتبارها ميلودراما ومكارثية عن طريق الرمز. وابتعدوا بعدها عن فيتنام تماماً رغم احتدام الحرب وقتها. وبعد انتهائها بستة أعوام، بدأت تظهر موجة من الأفلام، إلى أن تقاسم فيلما The Deer Hunter و Coming Home جوائز الأوسكار الرئيسية عام 1978. ولهذا فإن عام 2013 يعد أفضل من أعمال هوليوود القديمة كالمعتاد.